بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الحَمدُ للهِ وَحدَهُ، وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ علَى مَن لا نَبِيَّ بَعدَهُ، نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلهِ وَصَحبِهِ، وَبَعدُ:
فَهَذِهِ نَبْذَةٌ عَنْ مَنْهَجِ الْفِقْهِ بِالمُسْتَوَى الأَوَّلِ بِجَامِعَةِ مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ، وَهُوَ:دِرَاسَةُ أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ دِرَاسَةً مُرَكَّزَةً لِفِقْهِ الْعِبَادَاتِ، وَيُرَامُ مِنْ هَذَا المنْهَجِ أَنْ يَكُونَ الطَّالِبُ–بَعْدَ دِرَاسَتِهِ - مُلِمًّا بِالمَوْضُوعَاتِ الآَتِيَةِ:
1- مَا يَتَعَلَّقُ بِفِقْهِ الشَّهَادَتَينِ: مَعْنَاهُما، وَكَيْفِيَّةُ تَحْقِيقِهِمَا، وَأَهَمِّيَّتُهُمَا، وَالأَسْمَاءُ الَّتِي تُطْلَقُ عَلَيهِمَا، وَأَرْكَانُهُما، وَنَوَاقِضُ شَهَادَةِ"أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ"، وَهِيَ نَوَاقِضُ الإِسْلَامِ، وَهِيَ النَّوَاقِضُ الْعَشْرَةُ الَّتِي بَيَّنَهَا شَيخُ الإِسْلامِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ، وَأَفْرَدَهَا فِي كِتابٍ بِهَذَا الْعُنْوَانِ.
2- مَا يَتَعَلَّقُ بِفِقْهِ الْعِبَادَةِ إِجْمَالًا: مَعْنَاهَا، وَشُرُوطُها، وَالأُصُولُ الَّتِي تُبْنَى عَلَيهَا.
ثُمَّ يَدْرُسُ الطَّالِبُ الْوُضُوءَ: مَعْنَاهُ، وَدَلِيلَهُ، وَفُرُوضَهُ، وَسُنَنَهُ، وَنَوَاقِضَهُ، وَمَكْرُوهَاتِهِ، وَصِفَةَ الوُضُوءِ المجْزِئِ، وَصِفَةَ الْوُضُوءِ الْكَامِلِ.
ثُمَّيَدْرُسُ مَا يَتَعَلَّقُ بِالمسْحِ عَلَى الخُفَّيْنِ، ثُمَّ مَا يَتَعَلَّقُ بِالغُسْلِ، وَمَا يَتَعَلَّقُ بِفِقْهِ التَّيَمُّمِ، ثُمَّ أَحْكَامَ الحَيضِ وَالنِّفاسِ.
كَمَا يَدْرُسُ الطَّالِبُ بَعْضَ أَحْكَامِ الأَذَانِ وَالإِقَامَةِ، وَفِيهِ: حُكْمُ الأَذانِ وَالإِقَامَةِ، وَشُروطُ صِحَّةِ الأَذانِ وَالإِقَامَةِ، وَصِفَةُ الأَذانِ، وَمُسْتَحَبَّاتُ الأَذانِ وَالإِقَامَةِ، وَمَوَاقِيتُ الصَّلَاةِ، وَقَضَاءُ الفَائِتِ، وَكَيفِيَّةُ القَضاءِ.
وَفِي فِقْهِ الصَّلَاةِ أَيْضًا: شُروطُ الصَّلاةِ، وَأَرْكَانُ الصَّلاةِ، وَوَاجِبَاتُ الصَّلاةِ وَسُنَنُهَا، وَمَا يُبَاحُ فِي الصَّلاةِ، وَمَا يُكْرَهُ فِعْلُهُ فِيهَا، وَمُبْطِلَاتُ الصَّلَاةِ، وَأَحْكَامُ السَّهْوِ فِي الصَّلَاةِ... إلخ.
3- مَا يَتَعَلَّقُ بِفِقْهِ الزَّكَاةِ: مَعْنَاهَا، وَأَهَمِّيَّتُها، وَالتَّرْهِيبُ مِنْ مَنْعِهَا، وَشُرُوطُها، وَأَجْنَاسُ الأَمْوَالِ الَّتِي تَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ، وَمَا يَتَعَلَّقُ بِمَصَارِفِ الزَّكَاةِ ...إلخ.
4- فِقْهُ الصِّيَامِ: بَيَانُ فَضْلِهِ، وَالْحِكْمَةُ مِنْ مَشْرُوعِيَّتِهِ، وَمَا يَتَعَلَّقُ بِمَعْرِفَةِ دُخُولِشَهْرِ رَمَضَانَ وَاِنْصِرَامِهِ، وَعَلى مَن يجِبُ صَومُهُ، وَالْأَعْذَارُ المبيحَةُ لِلْفِطْرِ، وَمَا يَتَعَلَّقُ بِأَرْكَانِهِ، وَسُنَنِهِ، وَمَكْرُوهَاتِه، وَمُفْسِدَاتِه، وَشُرُوطِ المفْطِراتِ.
كَمَا يَدْرُسُ الطَّالِبُ هَا هُنَا آَدَابَ الصِّيَامِ، وَمُبَاحَاتِه، وَفَضْلَ صِيَامِ التَّطَوُّعِ، وَأَحْكَامَ قَضَاءِ الصِّيَامِ، وَحَالَاتِ صِيَامِ المسافِرِ، وَحَالاتِ صِيَامِ المرِيضِ... إلخ.
5- فِقْهُ الرُّكْنِ الخَامِسِ وَهُوَ الحَجُّ: وفيه:مَعْنَى الحَجِّ، وَالدَّلِيلُ عَلَى فَرْضِيَّةِ الحَجِّ، وَحُكْمُ العُمْرَةِ، وَحُكْمُ تَأْخِيرِ المسلمِ المستَطيعِ للحَجِّ، وَصِفَاتُ القَادِرِ عَلَى الحَجِّ، وَشُروطُ وُجُوبِ الحَجِّ عَلَى المرأةِ، وَمَواقيتُ الحَجِّ، وَحُكمُ مَنْ تَعَدَّى الميقاتَ بِدُونِ إِحرامٍ، وَمَا يُسْتَحَبُّ قَبلَ الإِحرامِ، وَما يَحْرُمُ عَلَى الذُّكُورِ وَالإِنَاثِ فِي أَثناءِ الإِحرامِ، وَأَنواعُ النُّسُكِ، وَحُكْمُ المتَمَتِّعِ وَالقَارنِ، وَشُروطُ الطَّوافِ، وَسننُ الطَّوافِ، وَآدَابُ الطَّوَافِ، وَأَنْوَاعُالطَّوافِ، وَشُرُوطُ السَّعْيِ، وَحُكمُ الوُقُوفِ بِعَرَفَةَ عُمُومًا، وَالوُقُوفِ بِعَرفَةَ مِنَ الحائِضِ وَالنُّفَسَاءِ خُصُوصًا، وَأَرْكَانُ الْعُمْرَةِ ، وَوَاجِبَاتُ الْعُمْرَةِ، وَحُكْمُ رَمْيِ الجَمَرَاتِ، وَشُرُوطُ رَمْيِ الجَمَراتِ، وَحُكْمُ الحَلْقِ أَوِ التَّقْصِيرِ، وَأَقْسَامُ الهَدْيِ، وَالشُّرُوطُ الَّتِي يَجِبُ تَوَافُرُهَا فِي الهَدْيِ، وَصِفَةُ العُمْرَةِ، وَصِفَةُ الحَجِّ مُلَخَّصَةٌ، وَالأَخْطَاءُ الَّتِي يَقَعُ فِيهَا بَعْضُ الحُجَّاجِ.
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الحَمدُ للهِ وَحدَهُ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلامُ عَلى مَنْ لا نَبِيَّ بَعدَهُ، نَبِيِّنَا محمَّدٍ، وَعَلى آلِهِ وَصَحَبِهِ، وَبَعْدُ:
فَهذِه نَبذةٌ عَن مَنهجِالتَّفْسِيرِ بالمستوَى الأَوَّلِ بِجَامِعَةِ مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ، وَهُوَ:دِرَاسَةُتَفْسِيرِ الجُزْءِ الأَخِيرِ مِنَ القُرآنِ الكَريمِ، وَهُوَ جُزْءُ (عَمَّ).
وَاِخْتِيارُ هَذَا الجُزْءِ خَاصَّةً كَانَ لِأَسْبَابٍ مِنْ أَهَمِّهَا:
1- أَنَّ أَكْثَرَ المسلمينَ يَحفظُونَ هَذا الجُزْءَ، وَلا شَكَّ أنَّ مَعرفةَ تَفسيرِ المحفوظِ يُثَبِّتُ حِفْظَهُ، وَيكونُ أدعَى لِتَدبرِهِ؛ لِأَنَّ مَعرفةَ التَّفسيرِ تُعِينُ عَلى التَّدَبُّرِ المقْصُودِ بِنُزولِ القُرآنِ الكَريمِ، وَالَّذِي حَثَّ عَليهِ القُرآنُ وَالسنَّةُالمطهَرَة.
2- أنَّ الناسَ في صَلاتِهم يَغلبُ عَليهِم قِراءةُ قِصارِ السُّوَرِ مِن هَذا الجُزْءِ، وَمَعرفَةُ تَفسيرِهِ يُساعِدُ في الخُشوعِ فِي الصَّلاةِ، وَانتِبَاهِ القَلبِ وَالعَقلِ لما يُقرَأُ فيهَا.
3- أَنَّ هَذا الجُزءَ مِنَ القُرآنِ يَبدَأُ بِهِ الأَطفالُ الحِفظَ في مَكاتبِ التَّحفيظِ وَمِن طُلَّابِ العِلمِ مَن عِندَهُ أَبناءٌ يَحفَظونَ في المكاتِبِ، وَمَعرفةُ تَفسيرِ هَذا الجُزءِ يُسَاعدُالوَالدَينِعلى تَفْهِيمِه لأبنائِهِما؛ حتَّى يحفَظُوا القُرآنَ عَلى بَصِيرَةٍ.
4- مَا يَشْتَمِلُ عَلَيهِ هَذا الجُزْءُ مِنَ المواعظِ المرتَبِطَةِ باليَومِ الآخِرِ، وَالجَنَّةِ وَالنَّارِ، وَالتَّرهيبِ مِن تَركِ الصَّلاةِ، وَتَأخيرِها عَن وَقْتِهَا، وَمَا يَشْتَمِلُ عَليه مِن قَصصٍ يَنفعُ المسلمَ تَدَبُّرُها وَوَعْيُهَا.
5- مَا يَشتَمِلُ عَليهِ مِنَ التَّوحيدِ بِأنواعِهِ المختَلِفَةِ، لا سِيَّما وَفيهِ سُورَةُ الإِخْلاصِ الَّتِي اِشْتَمَلَتْ عَلى مَعاني التَّوحيدِ العَظِيمَةِ.
6- ما يحتَوِيهِ مِنَ الاسْتِعَاذَاتِ الَّتِي تَقِي الإِنسانَ الشُّرُورَ الظَّاهِرَةَ وَالباطِنَةَ مِنَ الإِنسِ وَالجِنِّ عَلى اِخْتِلَافِ الشُّرورِ الحَاصِلَةِ مِنْهُمَا. .. الخ.
وَبعدَدِراسةِمُقَرَّرِ التَّفسيرِيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الطَّالِبُ قَدْ أَلَمَّ بِالآَتِي :
1- مَعْرِفَةُ مَعانِي المفرداتِ كلِّ مُفردةٍ عَلى حِدةٍ، سَواءٌ مَعناهَا اللُّغَوِيُّ وَمعناهَا الاصْطِلاحِيُّ إنْ كانَ لها مَعْنًى اِصْطِلَاحِيٌّ حَدَّدَهُ الشَّرْعُ، يخْتَلِفُ عَنِ المعْنَى اللُّغَوِيِّ.
2- مَعْرِفَةُ المعاني الإِجْمَاليةِ للسُّوَرِ، وَمَا بَينَ السُّوَرِ مِن تَنَاسُبٍ فِي المعانِي وَالتَّركيبِ.
3- مَعْرِفَةُ الأَحْكَامِ الفِقْهِيَّةِ-باخْتِصَارٍ-الَّتِي اِشْتَمَلَتْ عَلَيهَا الآَيَاتُ البَيِّنَاتُ عَلَى اخْتِلافِ الأَبوابِ الفِقْهِيَّةِ المختَلِفَةِ.
4- مَعْرِفَةُ ما يُسْتَنبَطُ مِنَ الآياتِ مِن معانٍ عَقَدِيَّةٍ وَسُلوكِيَّةٍ، وَغَيرِهَا.
5- مَعْرِفَةُ العَمَلِ المترَتِّبِ عَلى المعاني الَّتِي اِشْتَمَلَتْ عَلَيهَا الآياتُ القُرآنيةُ؛ فإنَّ القُرآنَ الكَرِيمَ أُنزِلَ للتَّدَبُّرِ وَالعَمَلِ به، لا لمجَرَّدِ المعرفةِ العَقليةِ للمَعاني، وَإِنَّما بِرَبطِ هذهِ المعاني بالقِيمَةِ العَمَليةِ المترتبةِ عَلَيهَا.
6- مَعْرِفَةُ القَصصِ القُرآنيِّ، وَمَا يُمْكِنُ أَنْ يُسْتَفَادَ مِنْهُ مِنَ القِيَمِ العَمَلِيَّةِ، وَأَخذِ العِبرَةِ، وَالخَوفِ مِنْ عِقَابِ اللهِ تَعالى الَّذِي أَنزلَهُ عَلى الأُمَمِ السَّابِقَةِ بِتَكْذِيبِهِم وَعِصيانِهم.
7- مَا يَتَعَلَّقُ بِاليَومِ الآخِرِ، وَمَشاهِدِهِ؛ فَإِنَّ ذِكْرَهُ كَثِيرٌ فِي هَذَا الجُزْءِ المبارَكِ مِنَ القُرآنِ الكَرِيمِ.
8- الوَقُوفُ عَلَى بَعضِ أَسبابِ النُّزولِ مما يَكونُ لذلكَ مِن أَهميةٍ كَبيرَةٍ في فَهمِ القُرآنِ الكَريمِ، وَمَعرفَةِ أَسْرَارِهِ.
9- مَعْرِفَةُ النَّاسخِ وَالمنسوخِ مِنْ هَذِه الآياتِ العَظيمَةِ، وَهُوَ مِنَ الأَهَمِّيَّةِ بِمَكانٍ؛ لِفَهْمِ القُرآنِ فَهْمًا صَحِيحًا.
إِلَى غَيرِ ذَلكَ مِنَ الفَوائِدِ الجَمَّةِ، وَالإِفَادَاتِ العَظِيمَةِ المتحَصَّلَةِ مِنَ النَّظَرِ فِي كتابِ اللهِ تَعالى تَبْيِينًا، وَتَفْسِيرًا، وَفَهْمًا وَتَدَبُّرًا.
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الحَمْدُ للهِ وَحْدَهُ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنْ لا نَبِيَّ بَعْدَهُ، نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ، وَبَعْدُ:
فَهَذِهِ نَبْذَةٌ عَنْ مَنْهَجِ(مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ) بالمستَوَى الأَوَّلِ بِجَامِعَةِ مِنهاجِ النُّبوةِ، وَهُوَ:دِرَاسَةٌلِكتابِ(دَعائِمُ مِنهاجِ النُّبُوَّةِ)، تَأليفُ: الشَّيخِ العَلَّامَةِ أَبِي عَبدِ اللهِ محمَّدِ بْنِ سَعيدِ رسلانَ حَفِظَهُ اللهُ تعالى.
وَيَدرسُ الطالِبُ فِي هَذَا المقَرَّرِ القَضايَا الآتِيَةَ:
1- التَّعْرِيفُ بِمِنْهَاجِ النُّبوةِ: وَلَه تَعريفاتٌ مُتَنَوِّعَةٌ يَتَعَرَّفُ عَلَيهَا الطَّالِبُ بِدِرَاسَتِهِ لهذا المنهجِ، وَمِنْهُ تَعرِيفُ السَّفَّارِينِيِّ: (مَا كَانَ عَلَيْهِ الصَّحَابَةُ الْكِرَامُ - رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِمْ - وَأَعْيَانُ التَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ، وَأَتْبَاعُهُمْ وَأَئِمَّةُ الدِّينِ مِمَّنْ شُهِدَ لَهُ بِالْإِمَامَةِ، وَعُرِفَ عِظَمُ شَأْنِهِ فِي الدِّينِ، وَتَلَقَّى النَّاسُ كَلَامَهُمْ خَلَفٌ عَنْ سَلَفٍ، دُونَ مَنْ رُمِيَ بِبِدْعَةٍ، أَوْ شُهِرَ بِلَقَبٍ غَيْرِ مَرْضِيٍّ مِثْلِ الْخَوَارِجِ، وَالرَّوَافِضِ، وَالْقَدَرِيَّةِ، وَالْمُرْجِئَةِ، وَالْجَبْرِيَّةِ، وَالْجَهْمِيَّةِ، وَالْمُعْتَزِلَةِ، وَالْكَرَّامِيَّةِ، وَنَحْوِ هَؤُلَاءِ).
2- أَسْبابُ الانْحِرَافِ عَنْ سَبِيلِ السَّلَفِ، وَبَيانُ أَنَّ طُرُقَ الزَّيغِ عَنْ سَبِيلِ السَّلَفِ الصَّالِحِ فِي الاعْتِقَادَاتِ،وَالعِبَادَاتِ، وَالمعامَلاتِ إنَّما تَرجعُ إلَى أَحَدِ سَبِيلَينِ:
3- الأَدِلَّةُ عَلَى وُجُوبِ اتِّباعِ مِنهاجِ النُّبوةِ مِنَ القُرْآنِ، وَالسُّنَّةِ، وَآثارِ السَّلَفِ الصَّالِحِ.
وَهِيَ أَدِلَّةٌ مُتَنَوِّعَةٌ، وَلَكِنَّهَا صَرِيحَةٌ فِي بَيَانِ وُجُوبِ اتِّبَاعِ مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ فِي الْعِلْمِ وَالْعَمَلِ، وَفِي العَقِيدَةِ وَالْعِبَادَةِ، وَفي المعامَلاتِ، وَالأَخْلَاقِ، وَالسُّلُوكِ، وَأَنَّهُ لا نَجَاةَ لِلعَبدِ إلا بِذَلِكَ.
4- بَيَانُ مَنْهَجِ التَّلَقِّي عِندَ السَّلَفِ في العَقيدَةِ، وَمُبَايَنَتِهِ لِلْمَنَاهِجِ المبتَدَعَةِ في التَّلَقِّي، وَبيانُ أَنَّهُ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ مَبْنِيٌّ عَلَى التَّسْلِيمِ للهِ تَعالَى، وَالاتِّبَاعِ للرَّسُولِr.
5- خَصائِصُ مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ: وَبَيانُ هَذِه الخَصائِصِيَكُونُ بِالتَّفْصِيلِ، وَمِنْهَا:
6- عَلامَاتُ أَهْلِ البِدَعِ الَّتِي يُعْرَفُونَ بِهَا،وَهَذِهِ الْعَلَامَاتُ مُسْتَقَاةٌ مِنْ كِتَابِ اللهِ -تَبارَكَ وَتَعالَى-، وَسُنَّةِ نَبِيِّهِr، وَآثَارِ الصَّحَابَةِ رِضْوَانُ اللهِ عَلَيهِمْ.
7- أُصُولُ مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ: وَأَهَمُّهَا: إِخْلَاصُ الْعِبَادَةِ للهِ -تَبارَكَ وَتَعَالَى-، وَتَجريدُ المتابَعَةِ للرَّسُولِr، وَالتَّمَسُّكُ بِمَا كَانَ عَليهِ الصَّحَابَةُ رَضِيَ اللهُ عَنهم، وَلُزُومُ الجَمَاعَةِ، وَالسَّمْعُ وَالطَّاعَةُ في غَيرِ مَعْصِيَةٍ، وَالحَذَرُ مِنَ البِدَعِ وَالمبتَدِعِينَ، وَالتَّحْذِيرُ مِنْهُمْ.
8- عَلَامَاتُ أَهْلِ السُّنَّةِ.
9- الْفَرْقُ بَينَ العَقِيدَةِ وَالمنْهَجِ.
10- أَسْبَابُ الانْحِرَافِ عَنْ مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ: وَأَهَمُّهَا:
اِتِّبَاعُ الهَوَى، وَالجَهْلُ بِمَعَانِي وَدَلَائِلِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَآثَارِ السَّلَفِ الصَّالِحِ، وَالجَهْلُ بِمَقَاصِدِ الشَّرِيعَةِ، وَالتَّخَرُّصُ في مَعانِيهَا بالظَّنِّ.. إِلَى غَيرِ ذَلِكَ مِنَ الأَسبابِ الَّتِي يَدرسُها الطَّالِبُ في هَذَا المقَرَّرِ.
الْحَمْدُ للهِ وَحْدَهُ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنْ لَا نَبِيَّ بَعْدَهُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، أَمَّا بَعْدُ:
فَإِنَّ مِمَّا لَا يَسَعُ الْمُسْلِمَ جَهْلُهُ: مَعْرِفَةُ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ الَّتِي تَصِحُّ بِهَا عِبَادَتُهُ؛ لِأَنَّ الْمُسْلِمَ مُكَلَّفٌ بِأَدَائِهَا عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يُحِبُّهُ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ.
وَالْعِبَادَةُ لَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ عَلَى وَفْقِ مَا جَاءَ بِهِ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِقَوْلِهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ».
وَالْمُسْلِمُ الَّذِي لَا يَتَعَلَّمُ الْأَحْكَامَ الشَّرْعِيَّةَ يَقَعُ الْخَلَلُ فِي عِبَادَاتِهِ، فَتَكُونُ عَلَى غَيْرِ مَا كَانَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللهُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
وَالْعِبَادَاتُ لَهَا شِقَّانِ:
أُمُورٌ يَنْبَغِي عَلَى الْمُسْلِمِ أَنْ يَأْتِيَ بِهَا؛ لِتَكُونَ عِبَادَتُهُ صَحِيحَةً.
وَأُمُورٌ يَنْبَغِي عَلَيْهِ أَنْ يَتَجَنَّبَهَا؛ لِكَيْ لَا تَبْطُلَ عِبَادَتُهُ.
وَدِرَاسَةُ الْفِقْهِ الْإِسْلَامِيِّ تَشْمَلُ الْجَانِبَيْنِ فِي الْعِبَادَاتِ وَالْمُعَامَلَاتِ.
وَجَاءَ فِي كِتَابِ الْفِقْهِ الْمُيَسَّرِ أَنَّ «التَّفَقُّهَ فِي الدِّينِ مِنْ أَفْضَلِ الْأَعْمَالِ، وَمِنْ أَطْيَبِ الْخِصَالِ، وَقَدْ دَلَّتِ النُّصُوصُ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ عَلَى فَضْلِهِ، وَالْحَثِّ عَلَيْهِ، مِنْهَا: قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} [التوبة:122].
وَقَوْلُهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ يُرِدِ اللهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ».
فَقَدْ رَتَّبَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْخَيْرَ كُلَّهُ عَلَى الْفِقْهِ فِي الدِّينِ، وَهَذَا مِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَهَمِّيَّتِهِ، وَعِظَمِ شَأْنِهِ وَعُلُوِّ مَنْزِلَتِهِ.
وَقَوْلُهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «النَّاسُ مَعَادِنُ؛ خِيَارُهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ خِيَارُهُمْ فِي الْإِسْلَامِ إِذَا فَقُهُوا».
فَالْفِقْهُ فِي الدِّينِ مَنْزِلَتُهُ فِي الْإِسْلَامِ عَظِيمَةٌ، وَدَرَجَتُهُ فِي الثَّوَابِ كَبِيرَةٌ؛ لِأَنَّ الْمُسْلِمَ إِذَا تَفَقَّهَ فِي أُمُورِ دِينِهِ، وَعَرَفَ مَا لَهُ، وَمَا عَلَيْهِ مِنْ حُقُوقٍ وَوَاجِبَاتٍ، يَعْبُدُ رَبَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَبَصِيرَةٍ، وَيُوَفَّقُ لِلْخَيْرِ وَالسَّعَادَةِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ».
وَقَدْ تَنَوَّعَتِ الْمُؤَلَّفَاتُ فِي الْفِقْهِ تَنَوُّعًا كَبِيرًا؛ فَمِنْهَا الْمُؤَلَّفَاتُ الْمَبْنِيَّةُ عَلَى الْمَذَاهِبِ، فَهُنَاكَ كُتُبُ الْفِقْهِ الْحَنَفِيِّ، وَكُتُبُ الْفِقْهِ الْمَالِكِيِّ وَالشَّافِعِيِّ وَالْحَنْبَلِيِّ.
مُطَوَّلَاتٌ وَمُخْتَصَرَاتٌ وَمُدَوَّنَاتٌ وَحَوَاشٍ، مَبْسُوطَةٌ وَمُخْتَصَرَةٌ،
وَمِنْهَا كُتُبٌ فِي الْفِقْهِ الْعَامِّ الَّتِي تَتَنَاوَلُ الْأَحْكَامَ الشَّرْعِيَّةَ لَا عَلَى مَذْهَبٍ مُعَيَّنٍ، وَإِنَّمَا عَلَى الْأَدِلَّةِ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ.
وَهُنَاكَ كُتُبُ الْفِقْهِ الْمُقَارَنِ الَّتِي تَذْكُرُ الْمَذَاهِبَ الْفِقْهِيَّةَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْوَاحِدَةِ، وَمِنْهَا مَا يُرَجِّحُ بَيْنَهَا مُؤَلِّفُهَا، وَمِنْهَا مَا لَا يُرَجِّحُ بَيْنَهَا.
وَهُنَالِكَ مُؤَلَّفَاتٌ فِي آيَاتِ الْأَحْكَامِ، وَهِيَ كُتُبٌ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَ التَّفْسِيرِ وَالْفِقْهِ؛ لِأَنَّهَا تَتَنَاوَلُ الْآيَاتِ الْقُرْآنِيَّةَ الْمُشْتَمِلَةَ عَلَى الْأَحْكَامِ الْفِقْهِيَّةِ.
وَكَذَلِكَ هُنَالِكَ كُتُبُ أَحَادِيثِ الْأَحْكَامِ، وَمِنْ أَشْهَرِ الْكُتُبِ فِي ذَلِكَ: كِتَابُ «بُلُوغُ الْمَرَامِ» لِلْإِمَامِ الْحَافِظِ ابْنِ حَجَرٍ الْعَسْقَلَانِيِّ، وَشُرُوحَاتُهُ كَثِيرَةٌ مُتَنَوِّعَةٌ قَدِيمَةٌ وَحَدِيثَةٌ.
وَمِنَ الْكُتُبِ الْحَدِيثَةِ الَّتِي الْتَزَمَتِ الِاخْتِصَارَ مَنْهَجًا لَهَا -مِمَّا يُفِيدُ طُلَّابَ الْعِلْمِ أَيَّمَا إِفَادَةٍ كِتَابُ الْفِقْهِ الْمُيَسَّرِ-، فَهُوَ كِتَابٌ مُتَجَنِّبٌ لِلْحَشْوِ وَالزِّيَادَاتِ وَالْآرَاءِ، مَبْنِيٌّ عَلَى الدَّلِيلِ مِنَ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ دُونَ إِثْقَالٍ لِلْكِتَابِ بِالْآرَاءِ الْمُخْتَلِفَةِ الْمُعْتَبَرِ مِنْهَا وَغَيْرِ الْمُعْتَبَرِ، فَكَانَ كِتَابًا فِي الْفِقْهِ مُصَفًّى مُخْتَصَرًا ذَا فَائِدَةٍ جَمَّةٍ عَظِيمَةٍ.
وَلَمَّا كَانَتِ الصَّلَاَة ُالرُّكْنَ الثَّانِيَ مِنْ أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ، وَأَوَّلَ مَا يُحَاسَبُ عَلَيْهِ الْعَبْدُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَكَانَ تَارِكُهَا يَدُورُ عَلَى قَوْلَيْ أَهْلِ الْعِلْمِ بَيْنَ الْكُفْرِ الْأَكْبَرِ وَالْأَصْغَرِ، وَمِنْ عِظَمِ شَأْنِهَا قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «الْعَهْدُ الَّذِي بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمُ الصَّلَاةُ فَمَنْ تَرَكَهَا فَقَدْ كَفَرَ». وَهَمَّ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ يَأْمُرَ بِالصَّلَاةِ؛ لِتُقَامَ فَيَنْطَلِقَ إِلَى أَقْوَامٍ يَتَخَلَّفُونَ عَنِ الصَّلَاةِ فَيُحَرِّقَ عَلَيْهِمْ بُيُوتَهُمْ، كَمَا فِي الْحَدِيثِ الثَّابِتِ عَنْهُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وَلَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الصَّلَاةُ عَلَى الصُّورَةِ الَّتِي أَرَادَهَا اللهُ تَعَالَى شَرْعًا؛ فَإِنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَمَّا رَأَى الرَّجُلَ يُصَلِّي عَلَى غَيْرِ الصُّورَةِ الشَّرْعِيَّةِ الْمَطْلُوبَةِ أَمَرَهُ أَنْ يُعِيدَ الصَّلَاةَ.
وَالصَّلَاةُ الَّتِي لَهَا هَذِهِ الْأَهَمِّيَّةُ فِي دِينِ اللهِ تَعَالَى لَا تَكُونُ وَاقِعَةً صَحِيحَةً إِلَّا بِطَهَارَةٍ تَسْبِقُهَا، وَمِنْ هُنَا كَانَ اعْتِنَاءُ الْعُلَمَاءِ بِبَابِ الطَّهَارَةِ وَتَقْدِيمُهُ عَلَى سَائِرِ أَنْوَاعِ الْعِبَادَاتِ.
وَلِأَنَّ الصَّلَاةَ أَهَمُّ الْعِبَادَاتِ، وَلَا تَكُونُ الصَّلَاةُ حَتَّى تَسْبِقَهَا الطَّهَارَةُ، فَقَدَّمَ الْعُلَمَاءُ الْمُصَنِّفُونَ فِي الْفِقْهِ الطَّهَارَةَ عَلَى سَائِرِ أَبْوَابِ الْفِقْهِ الْمُخْتَلِفَةِ لِهَذِهِ الْأَهَمِّيَّةِ.
وَالنَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِأَهَمِّيَّةِ الطَّهَارَةِ يَقُولُ: «الطُّهُورُ شَطْرُ الْإِيمَانِ».
وَاللهُ -عَزَّ وَجَلَّ- يَقُولُ فِي كِتَابِهِ: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ}، وَقَالَ تَعَالَى: { لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ}.
وَطَالِبُ الْعِلْمِ فِي جَامِعَةِ مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ يَدْرُسُ كِتَابَ الطَّهَارَةِ مِنْ كِتَابِ الْفِقْهِ الْمُيَسَّرِ لِلْأَسْبَابِ التَّالِيَةِ:
وَيَدْرُسُ الطَّالِبُ فِي هَذَا الْمُقَرَّرِ: كِتَابَ الطَّهَارَةِ، مُمَهَّدًا لَهُ بِالتَّعْرِيفِ بِالْفِقْهِ، وَمَوْضُوعِهِ، وَثَمَرَتِهِ، وَفَضْلِهِ.
ثُمَّ يَدْرُسُ الطَّالِبُ أَبْوَابَ هَذَا الْكِتَابِ، وَهِيَ عَلَى النَّحْوِ التَّالِي:
الْبَابُ الْأَوَّلُ: فِي أَحْكَامِ الطَّهَارَةِ، وَالْمِيَاهِ، فَيَدْرُسُ تَعْرِيفَ الطَّهَارَةِ وَأَقْسَامَهَا، وَالْمِيَاهَ وَأَقْسَامَهَا، وَمَا يَصِحُّ التَّطَهُّرُ بِهِ مِنْهَا، وَمَا لَا يَصِحُّ.
الْبَابُ الثَّانِي: فِي الْآنِيَةِ، وَيَتَنَاوَلُ عِدَّةَ قَضَايَا مِنْهَا آنِيَةُ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَاسْتِعْمَالُهُمَا، وَآنِيَةُ الْكُفَّارِ، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الْمَسَائِلِ.
الْبَابُ الثَّالِثُ: فِي قَضَاءِ الْحَاجَةِ وَآدَابِهَا، وَيَدْرُسُ فِيهِ مَسَائِلَ عِدَّةً مِنْهَا مَا يَتَعَلَّقُ بِاسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ بِالْبَوْلِ وَالْغَائِطِ، وَمَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ فِي التَّخْلِيَةِ وَمَا لَا يَجُوزُ، وَآدَابِ قَضَاءِ الْحَاجَةِ.
الْبَابُ الرَّابِعُ: فِي السِّوَاكِ، وَسُنَنِ الْفِطْرَةِ.
الْبَابُ الْخَامِسُ: فِي الْوُضُوءِ، وَفِيهِ يَتَنَاوَلُ وَاجِبَاتِهِ وَسُنَنَهُ، وَصِفَتَيْهِ الْمُجْزِئَةَ وَالتَّامَّةَ وَمُبْطِلَاتِهِ.
الْبَابُ السَّادِسُ: فِي الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ، وَالْعِمَامَةِ، وَالْجَبِيرَةِ، وَفِيهَا الْعَدِيدُ مِنَ الْمَسَائِلِ الْمُهِمَّةِ، وَالَّتِي يَكْثُرُ الْحَاجَةُ إِلَيْهَا.
الْبَابُ السَّابِعُ: فِي أَحْكَامِ الْغُسْلِ بِبَيَانِ مَا يُغْتَسَلُ مِنْهُ مِنَ الْأَغْسَالِ الْوَاجِبَةِ وَالْمُسْتَحَبَّةِ، وَيَتَنَاوَلُ صِفَتَيْهِ الْمُجْزِئَةَ وَالتَّامَّةَ.
الْبَابُ الثَّامِنُ: فِي أَحْكَامِ التَّيَمُّمِ، وَهُوَ مِنَ الْأَبْوَابِ الْمُهِمَّةِ الَّتِي يَحْتَاجُ إِلَيْها الْمُسْلِمُ فِي أَوْقَاتِ الصِّحَّةِ وَالْمَرَضِ وَالسَّفَرِ وَالْإِقَامَةِ، فَيَتَنَاوَلُ أَسْبَابَهُ الدَّاعِيَةَ إِلَيْهِ وَصِفَتَهُ، وَمُبْطِلَاتِهِ.
الْبَابُ التَّاسِعُ: فِي أَحْكَامِ النَّجَاسَاتِ، وَكَيْفِيَّةِ تَطْهِيرِهَا، وَهُوَ مِنَ الْأَبْوَابِ الْمُهِمَّةِ جِدًّا؛ لِأَنَّهُ يَشْمَلُ الشِّقَّ الْآخَرَ لِلطَّهَارَةِ.
فَالطَّهَارَةُ شِقَّانِ: التَّحَلِّي وَالتَّخَلِّي، وَمَعْرِفَةُ النَّجَاسَاتِ وَكَيْفِيَّةِ التَّخَلُّصِ مِنْهَا مُتَعَلِّقٌ بِالتَّخَلِّي.
الْبَابُ الْعَاشِرُ: فِي الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ، وَهَذَا الْبَابُ مِنْ أَهَمِّ الْأَبْوَابِ الَّتِي يَكْثُرُ فِيهَا السُّؤَالُ؛ لِأَنَّهَا تَحْدُثُ بِشَكْلٍ دَوْرِيٍّ، وَيَحْدُثُ فِيهَا كَثِيرٌ مِنَ الْخَلْطِ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِمُدَّةِ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ وَعَلَامَةِ انْتِهَائِهِمَا، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِأَحْكَامِ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ.
الْحَمْدُ للهِ وَحْدَهُ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنْ لَا نَبِيَّ بَعْدَهُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، أَمَّا بَعْدُ:
فَإِنَّ الْعِنَايَةَ بِالْحَدِيثِ النَّبَوِيِّ الشَّرِيفِ دَأَبُ الْعُلَمَاءِ فِي كُلِّ عَصْرٍ، أَنْفَقَ فِيهِ الْعُلَمَاءُ قَدِيمًا وَحَدِيثًا مَا يَمْلِكُونَ مِنْ مَالٍ وَجُهْدٍ وَوَقْتٍ وَصِحَّةٍ.
وَطَالَتْ فِي طَلَبِهِ أَسْفَارُهُمْ، وَاتَّصَلَتْ فِي تَعَلُّمِهِ لَيَالِيهِمْ بِأَيَّامِهِمْ؛ تَحْصِيلًا لَهُ وَجَمْعًا مِنْ أَفْوَاهِ الرُّوَاةِ، وَسَهَرًا لِكِتَابَتِهِ مَعَ الْقِرْطَاسِ وَالْقَلَمِ وَالدَّوَاةِ، وَبَحْثًا عَنْ رِجَالِهِ وَتَتَبُّعًا لِأَخْبَارِهِمْ وَأَقْوَالِ الْأَئِمَّةِ فِيهِمْ، وَنَظَرًا فِي حَالِهِمْ تَوْثِيقًا وَتَضْعِيفًا.
فَهُمْ لَا يَبْخَلُونَ عَنْ هَذَا الْعِلْمِ بِمَا آتَاهُمُ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ، ثُمَّ قَامُوا بِبَثِّهِ وَتَعْلِيمِهِ فِي حَلَقَاتِ الْعِلْمِ، فَأَمْلَوُا الْإِمْلَاءَاتِ وَصَنَّفُوا الْمُصَنَّفَاتِ، فِي جَمْعِ الْحَدِيثِ جَمْعًا مُتَنَوِّعًا مِنْهُ مَا هُوَ مُرَتَّبٌ عَلَى أَبْوَابِ الْفِقْهِ كَصَحِيحَيِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ، وَمِنْهُ مَا هُوَ مُرَتَّبٌ بِحَسَبِ مُسْنَدَاتِ الرُّوَاةِ كَمُسْنَدِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَالْمَسَانِيدِ، وَمِنْهُ الْمُسْتَدْرَكَاتُ كَمُسْتَدْرَكِ الْحَاكِمِ وَغَيْرِهِ... إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ طُرُقِ التَّصْنِيفِ فِي الْحَدِيثِ.
كَمَا أَلَّفُوا مُؤَلَّفَاتٍ فِي بَيَانِ أَحْوَالِ الرِّجَالِ، وَبَيَانِ شُيُوخِهِمْ وَتَلَامِذَتِهِمْ وَطَبَقَاتِهِمْ وَالْحُكْمِ عَلَيْهِمْ بِمَا يُؤَثِّرُ فِي قَبُولِ رِوَايَتِهِمْ أَوْ رَدِّهَا.
وَمِنْ جُهُودِ الْعُلَمَاءِ فِي هَذَا الْعِلْمِ الْعَظِيمِ شَرْحُ الْحَدِيثِ لِبَيَانِ غَامِضِهِ وَنَثْرِ فَوَائِدِهِ، وَتَنَاوُلِ رُوَاتِهِ، وَذِكْرِ الْأَحْكَامِ الْمُسْتَنْبَطَةِ مِنْهُ، وَالْفَوَائِدِ الْمُسْتَخْرَجَةِ مِنْ وَرَاءِ أَلْفَاظِهِ، فَشُرِحَ الْبُخَارِيُّ شُرُوحًا مُتَعَدِّدَةً عَلَى مَرِّ الْعُصُورِ، وَكَذَلِكَ شُرِحَ صَحِيحُ مُسْلِمٍ، وَشُرِحَتْ كُتُبُ السُّنَّةِ وَبُيِّنَتْ لِلنَّاسِ.
وَمِنَ الْكُتُبِ الْعَظِيمَةِ جِدًّا فِي الِاخْتِيَارِ الْحَدِيثِيِّ كِتَابُ الْأَرْبَعِينَ النَّوَوِيَّةِ، وَهُوَ مِمَّا كَتَبَ اللهُ لَهُ الْقَبُولَ بَيْنَ النَّاسِ.
وَقَدْ جَمَعَهَا أَلَّفَهَا الْإِمَامُ النَّوَوِيُّ لِغَايَةٍ مُحَدَّدَةٍ ذَكَرَهَا -رَحِمَهُ اللهُ- فِي مُقَدِّمَةِ الْكِتَابِ فَقَالَ: «مِنَ الْعُلَمَاءِ مَنْ جَمَعَ الْأَرْبَعِينَ فِي أُصُولِ الدِّينِ، وَبَعْضُهُمْ فِي الْفُرُوعِ، وَبَعْضُهُمْ فِي الْجِهَادِ، وَبَعْضُهُمْ فِي الزُّهْدِ، وَبَعْضُهُمْ فِي الْآدَابِ، وَبَعْضُهُمْ فِي الْخُطَبِ، وَكُلُّهَا مَقَاصِدُ صَالِحَةٌ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْ قَاصِدِيهَا.
قَدْ رَأَيْتُ جَمْعَ أَرْبَعِينَ أَهَمَّ مِنْ هَذَا كُلِّهِ، وَهِيَ أَرْبَعُونَ حَدِيثًا مُشْتَمِلَةٌ عَلَى جَمِيعِ ذَلِكَ، وَكُلُّ حَدِيثٍ مِنْهَا قَاعِدَةٌ عَظِيمَةٌ مِنْ قَوَاعِدِ الدِّينِ قَدْ وَصَفَهُ الْعُلَمَاءُ بِأَنَّ مَدَارَ الْإِسْلَامِ عَلَيْهِ، أَوْ هُوَ نِصْفُ الْإِسْلَامِ أَوْ ثُلُثُهُ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ».
إِذَنْ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ لَهَا أَهَمِّيَّةُ عَظِيمَةٌ؛ لِاشْتِمَالِهَا عَلَى قَوَاعِدَ يُبْنَى عَلَيْهَا دِينُ الْإِسْلَامِ الْعَظِيمِ.
وَاخْتَارَهَا الْإِمَامُ النَّوَوِيُّ بِدِقَّةٍ عَالِيَةٍ، اشْتَمَلَتْ عَلَى مَا يُصْلِحُ اللهُ بِهِ الْقُلُوبَ، وَمَا يُصْلِحُ اللهُ بِهِ الْأَعْمَالَ، وَما يُصْلِحُ اللهُ بِهِ الْجَوَارِحَ.
تَنَوَّعَتْ مَوْضُوعَاتُهَا، وَكَثُرَتْ فَوَائِدُهَا.
وَالتَّمَسُّكُ بِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ وَالْعَمَلُ بِمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ مِنَ الْمَعَانِي الْحَسَنَةِ يَجْعَلُ الْمُسْلِمَ مُسْتَقِيمًا عَلى مَا كَانَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللهُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنَ الْعِبَادَةِ وَالسُّلُوكِ وَالْمُعَامَلَةِ.
وَقَدْ تَنَاوَلَتِ الْأَحَادِيثُ مَا يَتَعَلَّقُ بِالنِّيَّةِ وَأَعْمَالِ الْقُلُوبِ وَبَيَانِ الْإِسْلَامِ بِأَرْكَانِهِ وَالْإِيمَانِ بِأَرْكَانِهِ وَالْإِحْسَانِ، وَقَوَاعِدِ التَّعَامُلِ مَعَ النَّاسِ بِاخْتِلَافِ عَلَاقَتِهِمْ بِالْإِنْسَانِ جَارًا كَانَ أَوْ ضَيْفًا أَوْ أَخًا إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ.
وَبَدَأَهَا الْإِمَامُ النَّوَوِيُّ بِحَدِيثِ النِّيَّةِ: (عَنْ أَمِيرِ المُؤمِنينَ أَبي حَفْصٍ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ -رَضيَ اللهُ تعالى عنْهُ- قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلى اللهِ وَرَسُولِهِ فَهِجْرَتُهُ إلى اللهِ وَرَسُولِهِ، وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ لِدُنْيَا يُصِيْبُهَا، أَوِ امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا، فَهِجْرَتُهُ إِلى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ).
وَلَعَلَّهُ بَدَأَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ النِّيَّةَ بَادِئَةُ كُلِّ عَمَلٍ وَمُصَاحِبَتُهُ، وَهُوَ فِي هَذَا سَائِرٌ عَلَى دَأَبِ الْمُصَنِّفِينَ الَّذِينَ كَانَتْ مِنْ عَادَتِهِمْ أَنْ يَبْدَأُوا كُتُبَهُمْ بِهَذَا الْحَدِيثِ الْعَظِيمِ.
وَخَتَمَهَا بِالْحَدِيثِ الْقُدُسِيِّ: عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ يَقُولُ: قَالَ اللهُ تَعَالَى: (يَا ابْنَ آَدَمَ إِنَّكَ مَا دَعَوتَنِي وَرَجَوتَنِي غَفَرْتُ لَكَ عَلَى مَا كَانَ مِنْكَ وَلا أُبَالِي، يَا ابْنَ آدَمَ لَو بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنَانَ السَّمَاءِ ثُمَّ استَغْفَرْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ، يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ لَو أَتَيْتَنِي بِقُرَابِ الأَرْضِ خَطَايَا ثُمَّ لقِيْتَنِي لا تُشْرِكُ بِي شَيْئًا لأَتَيْتُكَ بِقِرَابِهَا مَغفِرَةً).
وَذَلِكَ لِأَنَّ الِاسْتِغْفَارَ مُلَازِمٌ لِخِتَامِ كُلِّ الْعِبَادَاتِ؛ تَذَلُّلًا للهِ تَعَالَى بِطَلَبِ الْمَغْفِرَةِ مِنْهُ وَنَفْيًا لِأَيِّ شُبْهَةِ عُجْبٍ تَقَعُ مِنَ الْعَبْدِ فِي عِبَادَتِهِ، وَلِأَنَّ الطَّاعَةَ يَلْحَقُهَا نَقْصٌ، فَيَكُونُ الِاسْتِغْفَارُ بِعَقِبِهَا جَبْرًا لِنَقْصِهَا.
وَأَحَادِيثُ الْأَرْبَعِينَ النَّوَوِيَّةِ مِمَّا يَدُورُ عَلَيْهَا هَذَا الدِّينُ فَقَدْ ذَكَرَ الْعُلَمَاءُ أَنَّ حَدِيثَ (إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ) مِنَ الْأَحَادِيثِ الَّتِي يَدُورُ عَلَيْهَا الدِّينُ.
وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: إِنَّ الدِّينَ يَدُورُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَحَادِيثَ: حَدِيثِ (إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ)، وَحَدِيثِ: (مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ)، وَحَدِيثِ (الْحَلَالُ بَيِّنٌ وَالْحَرَامُ بَيِّنٌ، وَبَيْنَهُمَا أُمُورٌ مُشْتَبِهَاتٌ لَا يَعْلَمُهُنَّ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ) وَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ الثَّلَاثَةُ مِنْ أَحَادِيثِ هَذَا الْكِتَابِ الْعَظِيمِ.
وَعَدَدُ أَحَادِيثِ الْأَرْبَعِينَ النَّوَوِيَّةِ اثْنَانِ وَأَرْبَعُونَ حَدِيثًا، وَلَكِنَّ الْكِتَابَ مُسَمًّى بِالْأَرْبَعِينَ تَغْلِيبًا وَجَبْرًا.
ثُمَّ إِنَّ الْإِمَامَ ابْنَ رَجَبٍ الْحَنْبَلِيَّ أَضَافَ إِلَيْهَا ثَمَانِيَةَ أَحَادِيثَ، فَأَكْمَلَهَا بِذَلِكَ الْخَمْسِينَ حَدِيثًا، وَشَرَحَها فِي كِتَابِهِ الْمَشْهُورِ الَّذِي احْتَوَى عَلَى عَظِيمِ الْفَوَائدِ وَجَلِيلِ الْمَنَافِعِ وَهُوَ كِتَابُ «جَامِعُ الْعُلُومِ وَالْحِكَمِ فِي شَرْحِ خَمْسِينَ حَدِيثًا مِنْ جَوَامِعِ الْكَلِمِ».
وَقَدْ كَثُرَتْ شُرُوحُ الْأَرْبَعِينَ النَّوَوِيَّةِ؛ نَظَرًا لِأَهَمِّيَّتِهَا الْعَظِيمَةِ، وَفِي جَامِعَةِ مِنْهَاجِ النُّبُوَةِ يَدْرُسُ طَالِبُ الْعِلْمِ شَرْحًا لِأَحَادِيثِ الْأَرْبَعِينَ؛ لِاشْتِمَالِهَا عَلَى قَوَاعِدِ الْعِلْمِ وَالْعَمَلِ وَالسُّلُوكِ وَالْمُعَامَلَةِ لِلْخَلْقِ وَالْخَالِقِ.
وَوَقَعَ الِاخْتِيَارُ عَلَى الْأَرْبَعِينَ النَّوَوِيَّةِ لِلْأَسْبَابِ التَّالِيَةِ:
وَفِي هَذَا الْمُقَرَّرِ مِنْ مُقَرَّرَاتِ جَامِعَةِ مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ يَدْرُسُ الطَّالِبُ الْمَوْضُوعَاتِ التَّالِيَةَ:
فَهُوَ بِهَذِهِ الْفَوَائِدِ يَتَعَلَّمُ عِلْمًا جَمًّا، كَمَا يَتَعَلَّمُ طَرِيقَةً عِلْمِيَّةً سَدِيدَةً لِاسْتِخْرَاجِ الْفَوَائِدِ وَاسْتِنْبَاطِ الْمَعَانِي الْخَفِيَّةِ مِنْ وَرَاءِ الْأَلْفَاظِ وَالتَّرَاكِيبِ.
وَهَذَا يُؤْتَاهُ الْإِنْسَانُ بِفَتْحٍ مِنَ اللهِ تَعَالَى، وَالنَّاسُ فِيهِ مُتَفَاوِتُونَ، يَنْظُرُ الْعَالِمَانِ فِي الْحَدِيثِ الْوَاحِدِ فَيَسْتَخْرِجُ مِنْهُ أَحَدُهُمَا مَسْأَلَةً وَاحِدَةً وَيَسْتَخْرِجُ مِنْهُ الْآخَرُ مِئَةَ مَسْأَلَةٍ، وَذَلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ.
فَبِشَرْحِ الْحَدِيثِ وَاسْتِخْرَاجِ فَوَائِدِهِ يَكْتَسِبُ طَالِبُ الْعِلْمِ مَلَكَةَ اسْتِخْرَاجِ الْفَوَائِدِ وَطَرِيقَةَ الِاسْتِنْبَاطِ الْمُنْضَبِطَةَ.
الْحَمْدُ للهِ وَحْدَهُ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنْ لَا نَبِيَّ بَعْدَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَمَّا بَعْدُ:
فَإِنَّ مِمَّا يُمَيِّزُ الدَّعْوَةَ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ أَنَّهَا سَائِرَةٌ عَلَى مَنْهَجِ السَّلَفِ الصَّالِحِ فِي الْعِلْمِ، ذَلِكَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَجْمَعُونَ بَيْنَ التَّعْلِيمِ النَّظَرِيِّ وَالتَّطْبِيقِ الْعَمَلِيِّ، وَكَانُوا يَهْتَمُّونَ بِمَا يُصْلِحُ أَعْمَالَهُمُ الظَّاهِرَةَ وَمَا يُصْلِحُ قُلُوبَهُمْ وَبَوَاطِنَهُمْ.
فَلَمْ يَكُنِ التَّعْلِيمُ -كَمَا صَارَ فِي كَثِيرٍ مِنْ مَعَاهِدِ الْعِلْمِ- مُنْصَبًّا عَلَى الْعُلُومِ النَّظَرِيَّةِ فَقَطْ، الَّتِي لَهَا أَهَمِّيَّةُ كَبِيرَةٌ جِدًّا، وَلَكِنْ إِذَا لَمْ يُضَفْ إِلَيْهَا مَا يُصْلِحُ اللهُ بِهِ الْبَاطِنَ وَيُهَذِّبُ بِهِ الْقَلْبَ يَكُونُ هَذَا الْعِلْمُ النَّظَرِيُّ مُجَرَّدَ تَرَفٍ عَقْلِيٍّ لَا فَائِدَةَ مَرْجُوَّةٌ مِنْهُ فِي صَلَاحِ الْعِبَادِ وَالْبِلَادِ، وَهَذِهِ هِيَ غَايَةُ الْعِلْمِ فِي الْأَسَاسِ.
وَلَمَّا كَانَ الْقُرْآنُ الْعَظِيمُ أَعْظَمَ مَا يُصْلِحُ اللهُ بِهِ الْقُلُوبَ وَيُهَذِّبُ بِهِ الْإِنْسَانَ عَامَّةً وَكَانَ مُنَزَّلًا لِلْعَمَلِ بِهِ، لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ حَاصِلًا إِلَّا بِتَدَبُّرِهِ تَدَبُّرًا تَامًّا، قَالَ الْعَلَّامَةُ السَّعْدِيُّ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ}: «أَيْ أَفَلَا يَتَفَكَّرُونَ فِي الْقُرْآنِ وَيَتَأَمَّلُونَهُ وَيَتَدَبَّرُونَهُ، أَيْ فَإِنَّهُمْ لَوْ تَدَبَّرُوهُ لَأَوْجَبَ لَهُمُ الْإِيمَانَ وَلَمَنَعَهُمْ مِنَ الْكُفْرِ، وَلَكِنَّ الْمُصِيبَةَ الَّتِي أَصَابَتْهُمْ بِسَبَبِ إِعْرَاضِهِمْ عَنْهُ وَدَلَّ هَذَا عَلَى أَنَّ تَدَبُّرَ الْقُرْآنِ يَدْعُو إِلَى كُلِّ خَيْرٍ وَيَعْصِمُ مِنْ كُلِّ شَرٍّ وَالَّذِي مَنَعَهُمْ مِنْ تَدَبُّرِهِ أَنَّ عَلَى قُلُوبِهِمْ أَقْفَالَهَا».
وَقَالَ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ} «أَيْ: هَذِهِ الْحِكْمَةُ مِنْ إِنْزَالِهِ؛ لِيَتَدَبَّرَ النَّاسُ آيَاتِهِ، فَيَسْتَخْرِجُوا عِلْمَهَا وَيَتَأَمَّلُوا أَسْرَارَهَا وَحِكَمَهَا، فَإِنَّه بِالتَّدَبُّرِ فِيهِ وَالتَّأَمُّلِ لِمَعَانِيهِ، وَإِعَادَةِ الْفِكْرِ فِيهَا مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ، تُدْرَكُ بَرَكَتُهُ وَخَيْرُهُ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى الْحَثِّ عَلى تَدَبُّرِ الْقُرْآنِ، وَأَنَّهُ مِنْ أَفْضَلِ الْأَعْمَالِ، وَأَنَّ الْقِرَاءَةَ الْمُشْتَمِلَةَ عَلَى التَّدَبُّرِ أَفْضَلُ مِنْ سُرْعَةِ التِّلَاوَةِ الَّتِي لَا يَحْصُلُ بِهَا هَذَا الْمَقْصُودُ».
وَقَالَ الْعَلَّامَةُ الشِّنْقِيطِيُّ فِي أَضْوَاءِ الْبَيَانِ: «قَوْلُهُ تَعَالَى: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا}:
الْهَمْزَةُ فِي قَوْلِهِ: أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ لِلْإِنْكَارِ، وَالْفَاءُ عَاطِفَةٌ عَلَى جُمْلَةٍ مَحْذُوفَةٍ، عَلَى أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ، وَالتَّقْدِيرُ: أَيُعْرِضُونَ عَنْ كِتَابِ اللَّهِ فَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ...
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا}: «أَمْ» فِيهِ مُنْقَطِعَةٌ بِمَعْنَى بَلْ، فَقَدْ أَنْكَرَ تَعَالَى عَلَيْهِمْ إِعْرَاضَهُمْ عَنْ تَدَبُّرِ الْقُرْآنِ، بِأَدَاةِ الْإِنْكَارِ الَّتِي هِيَ الْهَمْزَةُ، وَبَيَّنَ أَنَّ قُلُوبَهُمْ عَلَيْهَا أَقْفَالٌ لَا تَنْفَتِحُ لِخَيْرٍ، وَلَا لِفَهْمِ قُرْآنٍ.
وَمَا تَضَمَّنَتْهُ هَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ مِنَ التَّوْبِيخِ وَالْإِنْكَارِ عَلَى مَنْ أَعْرَضَ عَنْ تَدَبُّرِ كِتَابِ اللَّهِ، جَاءَ مُوَضَّحًا فِي آيَاتٍ كَثِيرَةٍ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا}، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جَاءَهُمْ مَا لَمْ يَأْتِ آبَاءَهُمُ الْأَوَّلِينَ}، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ}.
وَقَدْ ذَمَّ -جَلَّ وَعَلَا- الْمُعْرِضَ عَنْ هَذَا الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ فِي آيَاتٍ كَثِيرَةٍ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا}، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا}.
وَمَعْلُومٌ أَنَّ كُلَّ مَنْ لَمْ يَشْتَغِلْ بِتَدَبُّرِ آيَاتِ هَذَا الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ؛ أَيْ تَصَفُّحِهَا وَتَفَهُّمِهَا، وَإِدْرَاكِ مَعَانِيهَا وَالْعَمَلِ بِهَا، فَإِنَّهُ مُعْرِضٌ عَنْهَا، غَيْرُ مُتَدَبِّرٍ لَهَا فَيَسْتَحِقُّ الْإِنْكَارَ وَالتَّوْبِيخَ الْمَذْكُورَ فِي الْآيَاتِ إِنْ كَانَ اللَّهُ أَعْطَاهُ فَهْمًا يَقْدِرُ بِهِ عَلَى التَّدَبُّرِ».
وَعَنْ أَهَمِّيَّةِ التَّدَبُّرِ وَفَوَائِدِهِ، وَثَمَرَتِهِ وَكَيْفِيَّتِهِ يَقُولُ الْإِمَامُ ابْنُ الْقَيِّمِ فِي مَدَارِجِ السَّالِكِينَ: «وَأَمَّا التَّأَمُّلُ فِي الْقُرْآنِ فَهُوَ تَحْدِيقُ نَاظِرِ الْقَلْبِ إِلَى مَعَانِيهِ، وَجَمْعُ الْفِكْرِ عَلَى تَدَبُّرِهِ وَتَعَقُّلِهِ، وَهُوَ الْمَقْصُودُ بِإِنْزَالِهِ، لَا مُجَرَّدُ تِلَاوَتِهِ بِلَا فَهْمٍ وَلَا تَدَبُّرٍ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} [ص: 29]، وَقَالَ تَعَالَى: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} [محمد: 24]، وَقَالَ تَعَالَى: {أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ} [المؤمنون: 68]، وَقَالَ تَعَالَى: {إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} [الزخرف: 3].
وَقَالَ الْحَسَنُ: نَزَلَ الْقُرْآنُ لِيُتَدَبَّرَ وَيُعْمَلَ بِهِ. فَاتَّخِذُوا تِلَاوَتَهُ عَمَلًا؛ فَلَيْسَ شَيْءٌ أَنْفَعَ لِلْعَبْدِ فِي مَعَاشِهِ وَمَعَادِهِ، وَأَقْرَبَ إِلَى نَجَاتِهِ مِنْ تَدَبُّرِ الْقُرْآنِ، وَإِطَالَةِ التَّأَمُّلِ فِيهِ، وَجَمْعِ الْفِكْرِ عَلَى مَعَانِي آيَاتِهِ؛ فَإِنَّهَا تُطْلِعُ الْعَبْدَ عَلَى مَعَالِمِ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ بِحَذَافِيرِهِمَا، وَعَلَى طُرُقَاتِهِمَا وَأَسْبَابِهِمَا وَغَايَاتِهِمَا وَثَمَرَاتِهِمَا، وَمَآلِ أَهْلِهِمَا، وَتَتُلُّ([1]) فِي يَدِهِ مَفَاتِيحَ كُنُوزِ السَّعَادَةِ وَالْعُلُومِ النَّافِعَةِ، وَتُثَبِّتُ قَوَاعِدَ الْإِيمَانِ فِي قَلْبِهِ، وَتُشَيِّدُ بُنْيَانَهُ وَتُوَطِّدُ أَرْكَانَهُ.
وَتُرِيهِ صُورَةَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَالْجَنَّةِ وَالنَّارِ فِي قَلْبِهِ، وَتُحْضِرُهُ بَيْنَ الْأُمَمِ، وَتُرِيهِ أَيَّامَ اللَّهِ فِيهِمْ، وَتُبَصِّرُهُ مَوَاقِعَ الْعِبَرِ، وَتُشْهِدُهُ عَدْلَ اللَّهِ وَفَضْلَهُ، وَتُعَرِّفُهُ ذَاتَهُ، وَأَسْمَاءَهُ وَصِفَاتِهِ وَأَفْعَالَهُ، وَمَا يُحِبُّهُ وَمَا يُبْغِضُهُ، وَصِرَاطَهُ الْمُوصِلَ إِلَيْهِ، وَمَا لِسَالِكِيهِ بَعْدَ الْوُصُولِ وَالْقُدُومِ عَلَيْهِ، وَقَوَاطِعَ الطَّرِيقِ وَآفَاتِهَا.
وَتُعَرِّفُهُ النَّفْسَ وَصِفَاتِهَا، وَمُفْسِدَاتِ الْأَعْمَالِ وَمُصَحِّحَاتِهَا وَتُعَرِّفُهُ طَرِيقَ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَأَهْلِ النَّارِ وَأَعْمَالَهُمْ، وَأَحْوَالَهُمْ وَسِيمَاهُمْ، وَمَرَاتِبَ أَهْلِ السَّعَادَةِ وَأَهْلِ الشَّقَاوَةِ، وَأَقْسَامَ الْخَلْقِ وَاجْتِمَاعَهُمْ فِيمَا يَجْتَمِعُونَ فِيهِ، وَافْتِرَاقَهُمْ فِيمَا يَفْتَرِقُونَ فِيهِ.
وَبِالْجُمْلَةِ تُعَرِّفُهُ الرَّبَّ الْمَدْعُوَّ إِلَيْهِ، وَطَرِيقَ الْوُصُولِ إِلَيْهِ، وَمَا لَهُ مِنَ الْكَرَامَةِ إِذَا قَدِمَ عَلَيْهِ.
وَتُعَرِّفُهُ فِي مُقَابِلِ ذَلِكَ ثَلَاثَةً أُخْرَى: مَا يَدْعُو إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ، وَالطَّرِيقَ الْمُوصِلَةَ إِلَيْهِ، وَمَا لِلْمُسْتَجِيبِ لِدَعْوَتِهِ مِنَ الْإِهَانَةِ وَالْعَذَابِ بَعْدَ الْوُصُولِ إِلَيْهِ.
فَهَذِهِ سِتَّةُ أُمُورٍ ضَرُورِيٌّ لِلْعَبْدِ مَعْرِفَتُهَا، وَمُشَاهَدَتُهَا وَمُطَالَعَتُهَا، فَتُشْهِدُهُ الْآخِرَةَ حَتَّى كَأَنَّهُ فِيهَا، وَتُغَيِّبُهُ عَنِ الدُّنْيَا حَتَّى كَأَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا، وَتُمَيِّزُ لَهُ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ فِي كُلِّ مَا اخْتَلَفَ فِيهِ الْعَالَمُ، فَتُرِيهِ الْحَقَّ حَقًّا، وَالْبَاطِلَ بَاطِلًا، وَتُعْطِيهِ فُرْقَانًا وَنُورًا يُفَرِّقُ بِهِ بَيْنَ الْهُدَى وَالضَّلَالِ، وَالْغَيِّ وَالرَّشَادِ، وَتُعْطِيهِ قُوَّةً فِي قَلْبِهِ، وَحَيَاةً، وَسَعَةً وَانْشِرَاحًا وَبَهْجَةً وَسُرُورًا، فَيَصِيرُ فِي شَأْنٍ وَالنَّاسُ فِي شَأْنٍ آخَرَ.
فَإِنَّ مَعَانِيَ الْقُرْآنِ دَائِرَةٌ عَلَى التَّوْحِيدِ وَبَرَاهِينِهِ، وَالْعِلْمِ بِاللَّهِ وَمَا لَهُ مِنْ أَوْصَافِ الْكَمَالِ، وَمَا يُنَزَّهُ عَنْهُ مِنْ سِمَاتِ النَّقْصِ.
وَعَلَى الْإِيمَانِ بِالرُّسُلِ، وَذِكْرِ بَرَاهِينِ صِدْقِهِمْ، وَأَدِلَّةِ صِحَّةِ نُبُوَّتِهِمْ، وَالتَّعْرِيفِ بِحُقُوقِهِمْ، وَحُقُوقِ مُرْسِلِهِمْ.
وَعَلَى الْإِيمَانِ بِمَلَائِكَتِهِ، وَهُمْ رُسُلُهُ فِي خَلْقِهِ وَأَمْرِهِ، وَتَدْبِيرِهِمُ الْأُمُورَ بِإِذْنِهِ وَمَشِيئَتِهِ، وَمَا جُعِلُوا عَلَيْهِ مِنْ أَمْرِ الْعَالَمِ الْعُلْوِيِّ وَالسُّفْلِيِّ، وَمَا يَخْتَصُّ بِالنَّوْعِ الْإِنْسَانِيِّ مِنْهُمْ، مِنْ حِينِ يَسْتَقِرُّ فِي رَحِمِ أُمِّهِ إِلَى يَوْمِ يُوَافِي رَبَّهُ وَيَقْدَمُ عَلَيْهِ.
وَعَلَى الْإِيمَانِ بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا أَعَدَّ اللَّهُ فِيهِ لِأَوْلِيَائِهِ مِنْ دَارِ النَّعِيمِ الْمُطْلَقِ الَّتِي لَا يَشْعُرُونَ فِيهَا بِأَلَمٍ وَلَا نَكَدٍ وَتَنْغِيصٍ، وَمَا أَعَدَّ لِأَعْدَائِهِ مِنْ دَارِ الْعِقَابِ الْوَبِيلِ الَّتِي لَا يُخَالِطُهَا سُرُورٌ وَلَا رَخَاءٌ وَلَا رَاحَةٌ وَلَا فَرَحٌ...».
وَلَمَّا كَانَ فَضْلُ التَّدَبُّرِ وَأَهَمِّيَّتُهُ عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ تَمَّ اخْتِيَارُ مُقَرَّرٍ مِنْ مُقَرَّرَاتِ جَامِعَةِ مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ خَاصٍّ بِتَدَبُّرِ الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ؛ مُحَاوَلَةً لِلْجَمْعِ بَيْنَ الْعِلْمِ النَّظَرِيِّ وَتَهْذِيبِ الرُّوحِ وَالْقَلْبِ، وَدَعْوَةً إِلَى تِلَاوَةِ الْقُرْآنِ تِلاَوَةً تَتَجَاوَزُ مُجَرَّدَ الْإِجَادَةِ اللَّفْظِيَّةِ -عَلَى أَهَمِّيَّتِهَا- إِلَى التَّفَكُّرِ فِي الْمَعَانِي الَّتِي يَدْعُو إِلَيْهَا الْقُرْآنُ الْكَرِيمُ، وَالَّتِي أَنْزَلَهَا اللهُ تَعَالَى؛ لِتُتَدَبَّرَ وَلِيُعْمَلَ بِهَا بَعْدَ تَدَبُّرِهَا، وَكَانَ هَذَا الْمُقَرَّرُ مُشْتَمِلًا عَلَى الْمَوْضُوعَاتِ الْمُهِمَّةِ التَّالِيَةِ:
[1] تَتُلُّ: تَضَعُ.
الْحَمْدُ للهِ وَحْدَهُ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنْ لَا نَبِيَّ بَعْدَهُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، أَمَّا بَعْدُ:
«فَلَمَّا كَانَ الْعِلْمُ هُوَ عِبَادَةَ الْقَلْبِ وَسِرَّ حَيَاتِهِ، وَمَوْطِنَ قُوَّتِهِ كَانَ لِزَامًا عَلَى طَالِبِهِ أَنْ يُحَصِّلَ آدَابَهُ، وَأَنْ يَسْعَى جَاهِدًا مُشَمِّرًا فِي اكْتِسَابِهَا، وَإِلَّا سَارَ مُشَرِّقًا وَسَارَ الْعِلْمُ مُغَرِّبًا، وَكَانَ كَمَا قِيلَ:
سَارَتْ مُشَرِّقَةً وَسِرْتُ مُغَرِّبًا ** شَتَّانَ بَيْنَ مُشَرِّقٍ وَمُغَرِّبِ
عَلَى أَنُهَّ يَنْبَغِي التَّفَطُّنُ إِلَى أَنَّ هَذِهِ الْآدَابَ لَيْسَتْ كَأَيِّ آدَابٍ، بَلْ مِنْهَا مَا هُوَ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ فِي كُلِّ حِينٍ، سَوَاءٌ كَانَ طَالِبًا لِلْعِلْمِ أَمْ لَمْ يَكُنْ.
وَأَحْرَى بِمَنْ نَصَّبَ نَفْسَهُ لِلْعِلْمِ وَتَصَدَّى لَهُ مُتَعَلِّمًا أَوْ مُعَلِّمًا أَنْ يَظْهَرَ عَلَيْهِ أَثَرُ التَّوْحِيدِ وَالْعِبَادَةِ بِالتَّسْلِيمِ الْكَامِلِ لِلشَّرْعِ الْأَغَرِّ وَالْخُضُوعِ الْمُطْلَقِ لِلدِّينِ الْأَعَزِّ.
وَعَلَيْهِ، فَآدَابُ الطَّلَبِ لَا تَنْفَكُّ عَنْ أَصْحَابِ الْعِلْمِ أَبَدًا؛ لِأَنَّهَا مِمَّا دَلَّتْ عَلَيْهِ النُّصُوصُ الْعَامَّةُ وَأَرْشَدَتْ إِلَيْهِ، وَلِأَنَّ مِنْهَا مَا هُوَ مِنَ الْكُلِّيَّاتِ الْعَامَّةِ وَالْقَوَاعِدِ الشَّامِلَةِ فِي الدِّينِ لَا يَسَعُ أَحَدًا أَنْ يَخْرُجَ عَلَيْهَا، أَوْ أَنْ يَنْظُرَ إِلَيْهَا بِغَيْرِ عَيْنِ الِاعْتِبَارِ، وَهِيَ -أَيْ آدَابُ الطَّلَبِ- فِي كُلِّ الْأَحْوَالِ فِي حَقِّ طَالِبِ الْعِلْمِ آكَدُ، وَعَلَيْهِ أَوْجَبُ».
وَهُنَا سُؤَالٌ مُهِمٌّ: وَمَا قِيمَةُ أَنْ يَتَعَلَّمَ الْمُسْلِمُ آدَابَ طَلَبِ الْعِلْمِ فِي هَذَا الْوَاقِعِ الْأَلِيمِ؟!
وَهَذَا سُؤَالٌ وَجِيهٌ لَوْ لَمْ يَحْمِلْ فِي طَيَّاتِهِ بَرَاهِينَ الْفَقْدِ الْوَاضِحِ لِلتَّشْخِيصِ الصَّحِيحِ لِأَدْوَاءِ الْأُمَّةِ وَأَمْرَاضِهَا.
وَمَا تَخْرُجُ أَدْوَاءُ الْأُمَّةِ عَنْ ثَلَاثَةٍ: عَمَلٌ كَثِيرٌ مِنْ غَيْرِ عِلْمٍ، أَوْ عِلْمٌ كَثِيرٌ مِنْ غَيْرِ عَمَلٍ، أَوْ لَا عِلْمَ وَلَا عَمَلَ.
ثُمَّ إِنْ شِئْتَ فَاجْمَعْ هَذِهِ الْأَدْوَاءَ الثَّلَاثَةَ فِي دَاءٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ فَقْدُ ضَبْطِ النِّسْبَةِ بَيْنَ الْعِلْمِ وَالْعَمَلِ أَوْ بَيْنَ الْوَسِيلَةِ وَالْغَايَةِ إِنْ شِئْتَ الْوُصُولَ إِلَى عَيْنِ الْيَقِينِ.
يَا إِخْوَتَاهُ فِي كُلِّ ضَرْبٍ، إِنَّهُ لَنْ يَصْلُحَ آخِرُ هَذِهِ الْأُمَّةِ إِلَّا بِمَا صَلَحَ بِهِ أَوَّلُهَا، وَإِنَّمَا بَدَأَ هَذَا الْأَمْرُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {اقْرَأ}، وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يا أيها المدثر قم فأنذر} وَالْإِنْذَارُ لَا يَكُونُ بِالْجَهْلِ وَلَا بِالْبَاطِلِ، بَلْ بِالْعِلْمِ وَالْيَقِينِ.
وَأَعْرَفُ مَا يَقُولُ الْمُعْتَرِضُونَ، يَقُولُونَ: تَشْغَلُونَ الْأُمَّةَ بِالْفُرُوعِ !
وَنَقُولُ: لَا أَيُّهَا الْأَحِبَّةُ، بَلْ نُمَيِّزُ بَيْنَ الْعِلْمِ الْفَرْضِ الَّذِي هُوَ وَاجِبٌ عَلَى التَّعْيِينِ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ، وَمَا هُوَ عِلْمُ كِفَايَةٍ مَتَى قَامَ بِهِ رَجُلٌ فِي مَحَلَّةٍ سَقَطَ فَرْضُ طَلَبِهِ عَمَّنْ فِيهَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ.
إِنَّمَا نُرِيدُ أَنْ تَعْلَمَ الْأُمَّةُ عِلْمَ الْفَرْضِ الَّذِي يَلْزَمُ أَفْرَادَهَا أَجْمَعِينَ مِنْ مَعْرِفَةِ اللهِ وَالنَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَمَعْرِفَةِ مَا تَلْزَمُ مَعْرِفَتُهُ مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا وَالدِّينِ.
كُلُّ ذَلِكَ مِنْ أَجْلِ أَنْ تُبْعَثَ الْأُمَّةُ عَلَى مُقَوِّمَاتٍ لَا تَقُومُ الْأُمَمُ عَلَى الْإِجْمَالِ إِلَّا عَلَى أَمْثَالِهَا، وَمُقَوِّمَاتٍ تَلْزَمُ أُمَّةَ الْإِسْلَامِ عَلَى وَجْهِ الْخُصُوصِ، مِنْ تَوْحِيدٍ كَامِلٍ وَيَقِينٍ شَامِلٍ وَلُغَةٍ هِيَ عِنْدَ الْمُسْلِمِينَ مِنَ الدِّينِ، وَمَخْبَرٍ يَسُرُّ وَظَاهِرٍ مُنِيرٍ مِنْ غَيْرِ هُمُودٍ، {سيماهم في وجوههم من أثر السجود}.
إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأُمُورِ الْعَظِيمَةِ تَفْسُدُ مِنْ أَجْلِ الْيَسِيرِ مِنَ الْأُمُورِ، وَإِنَّ الْعِلْمَ الَّذِي هُوَ أَوَّلُ مَا يُعْقَدُ عَلَيْهِ الْخِنْصَرُ فِي الدِّينِ وَالْيَقِينِ لَيُفْسِدُهُ اضْطِرَابُ التَّلَقِّي؛ لِفَقْدِ الْآدَابِ مِنَ الشُّدَاةِ وَالْمُتَعَلِّمِينَ»([1]).
وَمِنْ أَهَمِّ الْآدَابِ الَّتِي يَدْرُسُهَا الطَّالِبُ فِي هَذَا الْمُقَرَّرِ مِنْ مُقَرَّرَاتِ جَامِعَةِ مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ:
«وَلَمَّا كَانَتْ مَدَاخِلُ الشَّيْطَانِ فِي الْعَمَلِ تَتَفَاوَتُ عَلَى مِقْدَارِ فَضْلِهِ وَقَدْرِ ثَمَرَتِهِ كَانَتْ مَدَاخِلُ الشَّيْطَانِ فِي الْعِلْمِ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ تُحْصَى وَأَبْعَدَ مِنْ أَنْ تُسْتَقْصَى؛ إِذِ الْعِلْمُ هُوَ أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ قَاطِبَةً.
قَالَ الْغَزَّالِيُّ -هُوَ أَبُو حَامِدٍ -رَحِمَهُ اللهُ-: «وَأَعْظَمُ الْأَشْيَاءِ رُتْبَةً فِي حَقِّ الْآدَمِيِّ السَّعَادَةُ الْأَبَدِيَّةُ، وَأَفْضَلُ الْأَشْيَاءِ مَا هُوَ وَسِيلَةٌ إِلَيْهَا، وَلَنْ يُتَوَصَّلَ إِلَيْهَا إِلَّا بِالْعِلْمِ وَالْعَمَلِ، وَلَا يُتَوَصَّلُ إِلَى الْعَمَلِ إِلَّا بِالْعِلْمِ بِكَيْفِيَّةِ الْعَمَلِ، فَأَصْلُ السَّعَادَةِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ هُوَ الْعِلْمُ، فَهُوَ إِذَنْ أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ».
وَإِذَنْ فَسَبِيلُ الْعِلْمِ مَحْفُوفَةٌ بِالْمَكَارِهِ وَالْمَشَاقِّ، وَمَدَاخِلُ الشَّيْطَانِ فِيهِ لَا يُحْصِيهَا إِلَّا اللهُ تَعَالَى، فَمِنْهَا مَا يُفْسِدُ الْعِلْمَ ذَاتَهُ عَلَى صَاحِبِهِ، وَمِنْهَا مَا يُفْسِدُ الْقَصْدَ وَالْإِرَادَةَ فِيهِ، وَمِنْهَا مَا يُفْسِدُ سَبِيلَ الطَّلَبِ، وَالنَّاجِي مَنْ عَصَمَهُ اللهُ تَعَالَى.
لِذَلِكَ يَنْبَغِي لِطَالِبِ الْعِلْمِ أَنْ يَلْتَفِتَ إِلَى دَرْسِ الْآفَاتِ الَّتِي تَعْرِضُ لِلْعِلْمِ فَتُفْسِدُهُ، أَوْ تُفْسِدُ سَبِيلَ الطَّلَبِ عَلَى طَالِبِهِ، أَوْ تُفْسِدُ الْقَصْدَ وَالْإِرَادَةَ وَالنِّيَّةَ فِيهِ حَتَّى لَا يُلِمَّ شَيْءٌ مِنْهَا بِهِ.
وَالْحَقُّ أَنَّ كَثِيرًا مِنْ هَذِهِ الْآفَاتِ قَدْ نَفَّرَ مِنْهَا الشَّرْعُ مِنْهُ وَرَغَّبَ الدِّينُ عَنْهُ عَلَى إِطْلَاقٍ، وَإِنَّمَا ازْدَادَ تَنْفِيرُ الشَّرْعِ مِنْهُ وَعَظُمَ تَرْغِيبُ الدِّينِ عَنْهُ حَالَ تَعَلُّقِ شَيْءٍ مِنْهُ بِالْعِلْمِ؛ لِأَنَّ الْعِلْمَ هُوَ مَا هُوَ فِي دِينِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَهُوَ الْعِصْمَةُ مِنْ هَذِهِ الْأَدْواَءِ، فَكَيْفَ إِذَا أَصْبَحَ عَيْنَ الدَّاءِ؟ وَهُوَ حَاجِزٌ عَنِ الْوُقُوعِ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْأَهْوَاءِ، فَكَيْفَ إِذَا اتُّخِذَ مَطِيَّةً لِلْبَلَاءِ؟!([2]).
وَطَالِبُ الْعِلْمِ يَدْرُسُ فِي هَذَا الْمُقَرَّرِ مِنْ مُقَرَّرَاتِ جَامِعَةِ مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ آفَاتِ الْعِلْمِ التَّالِيَةِ:
وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الْآفَاتِ الَّتِي تُؤَثِّرُ عَلَى الْعِلْمِ وَطَالِبِه، وَآثَارِ الْعْلِمِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.
[1] مقدمة كتاب آداب طالب العلم لفضيلة الشيخ العلامة محمد بن سعيد رسلان -حفظه الله تعالى-.
[2] مقدمة كتاب آفات العلم لفضيلة الشيخ العلامة محمد بن سعيد رسلان -حفظه الله تعالى-.
الْحَمْدُ للهِ وَحْدَهُ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنْ لَا نَبِيَّ بَعْدَهُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، أَمَّا بَعْدُ:
«فَلَمَّا كَانَ الْعِلْمُ هُوَ عِبَادَةَ الْقَلْبِ وَسِرَّ حَيَاتِهِ، وَمَوْطِنَ قُوَّتِهِ كَانَ لِزَامًا عَلَى طَالِبِهِ أَنْ يُحَصِّلَ آدَابَهُ، وَأَنْ يَسْعَى جَاهِدًا مُشَمِّرًا فِي اكْتِسَابِهَا، وَإِلَّا سَارَ مُشَرِّقًا وَسَارَ الْعِلْمُ مُغَرِّبًا، وَكَانَ كَمَا قِيلَ:
سَارَتْ مُشَرِّقَةً وَسِرْتُ مُغَرِّبًا ** شَتَّانَ بَيْنَ مُشَرِّقٍ وَمُغَرِّبِ
عَلَى أَنُهَّ يَنْبَغِي التَّفَطُّنُ إِلَى أَنَّ هَذِهِ الْآدَابَ لَيْسَتْ كَأَيِّ آدَابٍ، بَلْ مِنْهَا مَا هُوَ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ فِي كُلِّ حِينٍ، سَوَاءٌ كَانَ طَالِبًا لِلْعِلْمِ أَمْ لَمْ يَكُنْ.
وَأَحْرَى بِمَنْ نَصَّبَ نَفْسَهُ لِلْعِلْمِ وَتَصَدَّى لَهُ مُتَعَلِّمًا أَوْ مُعَلِّمًا أَنْ يَظْهَرَ عَلَيْهِ أَثَرُ التَّوْحِيدِ وَالْعِبَادَةِ بِالتَّسْلِيمِ الْكَامِلِ لِلشَّرْعِ الْأَغَرِّ وَالْخُضُوعِ الْمُطْلَقِ لِلدِّينِ الْأَعَزِّ.
وَعَلَيْهِ، فَآدَابُ الطَّلَبِ لَا تَنْفَكُّ عَنْ أَصْحَابِ الْعِلْمِ أَبَدًا؛ لِأَنَّهَا مِمَّا دَلَّتْ عَلَيْهِ النُّصُوصُ الْعَامَّةُ وَأَرْشَدَتْ إِلَيْهِ، وَلِأَنَّ مِنْهَا مَا هُوَ مِنَ الْكُلِّيَّاتِ الْعَامَّةِ وَالْقَوَاعِدِ الشَّامِلَةِ فِي الدِّينِ لَا يَسَعُ أَحَدًا أَنْ يَخْرُجَ عَلَيْهَا، أَوْ أَنْ يَنْظُرَ إِلَيْهَا بِغَيْرِ عَيْنِ الِاعْتِبَارِ، وَهِيَ -أَيْ آدَابُ الطَّلَبِ- فِي كُلِّ الْأَحْوَالِ فِي حَقِّ طَالِبِ الْعِلْمِ آكَدُ، وَعَلَيْهِ أَوْجَبُ».
وَهُنَا سُؤَالٌ مُهِمٌّ: وَمَا قِيمَةُ أَنْ يَتَعَلَّمَ الْمُسْلِمُ آدَابَ طَلَبِ الْعِلْمِ فِي هَذَا الْوَاقِعِ الْأَلِيمِ؟!
وَهَذَا سُؤَالٌ وَجِيهٌ لَوْ لَمْ يَحْمِلْ فِي طَيَّاتِهِ بَرَاهِينَ الْفَقْدِ الْوَاضِحِ لِلتَّشْخِيصِ الصَّحِيحِ لِأَدْوَاءِ الْأُمَّةِ وَأَمْرَاضِهَا.
وَمَا تَخْرُجُ أَدْوَاءُ الْأُمَّةِ عَنْ ثَلَاثَةٍ: عَمَلٌ كَثِيرٌ مِنْ غَيْرِ عِلْمٍ، أَوْ عِلْمٌ كَثِيرٌ مِنْ غَيْرِ عَمَلٍ، أَوْ لَا عِلْمَ وَلَا عَمَلَ.
ثُمَّ إِنْ شِئْتَ فَاجْمَعْ هَذِهِ الْأَدْوَاءَ الثَّلَاثَةَ فِي دَاءٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ فَقْدُ ضَبْطِ النِّسْبَةِ بَيْنَ الْعِلْمِ وَالْعَمَلِ أَوْ بَيْنَ الْوَسِيلَةِ وَالْغَايَةِ إِنْ شِئْتَ الْوُصُولَ إِلَى عَيْنِ الْيَقِينِ.
يَا إِخْوَتَاهُ فِي كُلِّ ضَرْبٍ، إِنَّهُ لَنْ يَصْلُحَ آخِرُ هَذِهِ الْأُمَّةِ إِلَّا بِمَا صَلَحَ بِهِ أَوَّلُهَا، وَإِنَّمَا بَدَأَ هَذَا الْأَمْرُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {اقْرَأ}، وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يا أيها المدثر قم فأنذر} وَالْإِنْذَارُ لَا يَكُونُ بِالْجَهْلِ وَلَا بِالْبَاطِلِ، بَلْ بِالْعِلْمِ وَالْيَقِينِ.
وَأَعْرَفُ مَا يَقُولُ الْمُعْتَرِضُونَ، يَقُولُونَ: تَشْغَلُونَ الْأُمَّةَ بِالْفُرُوعِ !
وَنَقُولُ: لَا أَيُّهَا الْأَحِبَّةُ، بَلْ نُمَيِّزُ بَيْنَ الْعِلْمِ الْفَرْضِ الَّذِي هُوَ وَاجِبٌ عَلَى التَّعْيِينِ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ، وَمَا هُوَ عِلْمُ كِفَايَةٍ مَتَى قَامَ بِهِ رَجُلٌ فِي مَحَلَّةٍ سَقَطَ فَرْضُ طَلَبِهِ عَمَّنْ فِيهَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ.
إِنَّمَا نُرِيدُ أَنْ تَعْلَمَ الْأُمَّةُ عِلْمَ الْفَرْضِ الَّذِي يَلْزَمُ أَفْرَادَهَا أَجْمَعِينَ مِنْ مَعْرِفَةِ اللهِ وَالنَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَمَعْرِفَةِ مَا تَلْزَمُ مَعْرِفَتُهُ مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا وَالدِّينِ.
كُلُّ ذَلِكَ مِنْ أَجْلِ أَنْ تُبْعَثَ الْأُمَّةُ عَلَى مُقَوِّمَاتٍ لَا تَقُومُ الْأُمَمُ عَلَى الْإِجْمَالِ إِلَّا عَلَى أَمْثَالِهَا، وَمُقَوِّمَاتٍ تَلْزَمُ أُمَّةَ الْإِسْلَامِ عَلَى وَجْهِ الْخُصُوصِ، مِنْ تَوْحِيدٍ كَامِلٍ وَيَقِينٍ شَامِلٍ وَلُغَةٍ هِيَ عِنْدَ الْمُسْلِمِينَ مِنَ الدِّينِ، وَمَخْبَرٍ يَسُرُّ وَظَاهِرٍ مُنِيرٍ مِنْ غَيْرِ هُمُودٍ، {سيماهم في وجوههم من أثر السجود}.
إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأُمُورِ الْعَظِيمَةِ تَفْسُدُ مِنْ أَجْلِ الْيَسِيرِ مِنَ الْأُمُورِ، وَإِنَّ الْعِلْمَ الَّذِي هُوَ أَوَّلُ مَا يُعْقَدُ عَلَيْهِ الْخِنْصَرُ فِي الدِّينِ وَالْيَقِينِ لَيُفْسِدُهُ اضْطِرَابُ التَّلَقِّي؛ لِفَقْدِ الْآدَابِ مِنَ الشُّدَاةِ وَالْمُتَعَلِّمِينَ»([1]).
وَمِنْ أَهَمِّ الْآدَابِ الَّتِي يَدْرُسُهَا الطَّالِبُ فِي هَذَا الْمُقَرَّرِ مِنْ مُقَرَّرَاتِ جَامِعَةِ مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ:
«وَلَمَّا كَانَتْ مَدَاخِلُ الشَّيْطَانِ فِي الْعَمَلِ تَتَفَاوَتُ عَلَى مِقْدَارِ فَضْلِهِ وَقَدْرِ ثَمَرَتِهِ كَانَتْ مَدَاخِلُ الشَّيْطَانِ فِي الْعِلْمِ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ تُحْصَى وَأَبْعَدَ مِنْ أَنْ تُسْتَقْصَى؛ إِذِ الْعِلْمُ هُوَ أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ قَاطِبَةً.
قَالَ الْغَزَّالِيُّ -هُوَ أَبُو حَامِدٍ -رَحِمَهُ اللهُ-: «وَأَعْظَمُ الْأَشْيَاءِ رُتْبَةً فِي حَقِّ الْآدَمِيِّ السَّعَادَةُ الْأَبَدِيَّةُ، وَأَفْضَلُ الْأَشْيَاءِ مَا هُوَ وَسِيلَةٌ إِلَيْهَا، وَلَنْ يُتَوَصَّلَ إِلَيْهَا إِلَّا بِالْعِلْمِ وَالْعَمَلِ، وَلَا يُتَوَصَّلُ إِلَى الْعَمَلِ إِلَّا بِالْعِلْمِ بِكَيْفِيَّةِ الْعَمَلِ، فَأَصْلُ السَّعَادَةِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ هُوَ الْعِلْمُ، فَهُوَ إِذَنْ أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ».
وَإِذَنْ فَسَبِيلُ الْعِلْمِ مَحْفُوفَةٌ بِالْمَكَارِهِ وَالْمَشَاقِّ، وَمَدَاخِلُ الشَّيْطَانِ فِيهِ لَا يُحْصِيهَا إِلَّا اللهُ تَعَالَى، فَمِنْهَا مَا يُفْسِدُ الْعِلْمَ ذَاتَهُ عَلَى صَاحِبِهِ، وَمِنْهَا مَا يُفْسِدُ الْقَصْدَ وَالْإِرَادَةَ فِيهِ، وَمِنْهَا مَا يُفْسِدُ سَبِيلَ الطَّلَبِ، وَالنَّاجِي مَنْ عَصَمَهُ اللهُ تَعَالَى.
لِذَلِكَ يَنْبَغِي لِطَالِبِ الْعِلْمِ أَنْ يَلْتَفِتَ إِلَى دَرْسِ الْآفَاتِ الَّتِي تَعْرِضُ لِلْعِلْمِ فَتُفْسِدُهُ، أَوْ تُفْسِدُ سَبِيلَ الطَّلَبِ عَلَى طَالِبِهِ، أَوْ تُفْسِدُ الْقَصْدَ وَالْإِرَادَةَ وَالنِّيَّةَ فِيهِ حَتَّى لَا يُلِمَّ شَيْءٌ مِنْهَا بِهِ.
وَالْحَقُّ أَنَّ كَثِيرًا مِنْ هَذِهِ الْآفَاتِ قَدْ نَفَّرَ مِنْهَا الشَّرْعُ مِنْهُ وَرَغَّبَ الدِّينُ عَنْهُ عَلَى إِطْلَاقٍ، وَإِنَّمَا ازْدَادَ تَنْفِيرُ الشَّرْعِ مِنْهُ وَعَظُمَ تَرْغِيبُ الدِّينِ عَنْهُ حَالَ تَعَلُّقِ شَيْءٍ مِنْهُ بِالْعِلْمِ؛ لِأَنَّ الْعِلْمَ هُوَ مَا هُوَ فِي دِينِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَهُوَ الْعِصْمَةُ مِنْ هَذِهِ الْأَدْواَءِ، فَكَيْفَ إِذَا أَصْبَحَ عَيْنَ الدَّاءِ؟ وَهُوَ حَاجِزٌ عَنِ الْوُقُوعِ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْأَهْوَاءِ، فَكَيْفَ إِذَا اتُّخِذَ مَطِيَّةً لِلْبَلَاءِ؟!([2]).
وَطَالِبُ الْعِلْمِ يَدْرُسُ فِي هَذَا الْمُقَرَّرِ مِنْ مُقَرَّرَاتِ جَامِعَةِ مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ آفَاتِ الْعِلْمِ التَّالِيَةِ:
وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الْآفَاتِ الَّتِي تُؤَثِّرُ عَلَى الْعِلْمِ وَطَالِبِه، وَآثَارِ الْعْلِمِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.
[1] مقدمة كتاب آداب طالب العلم لفضيلة الشيخ العلامة محمد بن سعيد رسلان -حفظه الله تعالى-.
[2] مقدمة كتاب آفات العلم لفضيلة الشيخ العلامة محمد بن سعيد رسلان -حفظه الله تعالى-.
الْحَمْدُ للهِ وَحْدَهُ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنْ لَا نَبِيَّ بَعْدَهُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، أَمَّا بَعْدُ:
«فَلَمَّا كَانَ الْعِلْمُ هُوَ عِبَادَةَ الْقَلْبِ وَسِرَّ حَيَاتِهِ، وَمَوْطِنَ قُوَّتِهِ كَانَ لِزَامًا عَلَى طَالِبِهِ أَنْ يُحَصِّلَ آدَابَهُ، وَأَنْ يَسْعَى جَاهِدًا مُشَمِّرًا فِي اكْتِسَابِهَا، وَإِلَّا سَارَ مُشَرِّقًا وَسَارَ الْعِلْمُ مُغَرِّبًا، وَكَانَ كَمَا قِيلَ:
سَارَتْ مُشَرِّقَةً وَسِرْتُ مُغَرِّبًا ** شَتَّانَ بَيْنَ مُشَرِّقٍ وَمُغَرِّبِ
عَلَى أَنُهَّ يَنْبَغِي التَّفَطُّنُ إِلَى أَنَّ هَذِهِ الْآدَابَ لَيْسَتْ كَأَيِّ آدَابٍ، بَلْ مِنْهَا مَا هُوَ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ فِي كُلِّ حِينٍ، سَوَاءٌ كَانَ طَالِبًا لِلْعِلْمِ أَمْ لَمْ يَكُنْ.
وَأَحْرَى بِمَنْ نَصَّبَ نَفْسَهُ لِلْعِلْمِ وَتَصَدَّى لَهُ مُتَعَلِّمًا أَوْ مُعَلِّمًا أَنْ يَظْهَرَ عَلَيْهِ أَثَرُ التَّوْحِيدِ وَالْعِبَادَةِ بِالتَّسْلِيمِ الْكَامِلِ لِلشَّرْعِ الْأَغَرِّ وَالْخُضُوعِ الْمُطْلَقِ لِلدِّينِ الْأَعَزِّ.
وَعَلَيْهِ، فَآدَابُ الطَّلَبِ لَا تَنْفَكُّ عَنْ أَصْحَابِ الْعِلْمِ أَبَدًا؛ لِأَنَّهَا مِمَّا دَلَّتْ عَلَيْهِ النُّصُوصُ الْعَامَّةُ وَأَرْشَدَتْ إِلَيْهِ، وَلِأَنَّ مِنْهَا مَا هُوَ مِنَ الْكُلِّيَّاتِ الْعَامَّةِ وَالْقَوَاعِدِ الشَّامِلَةِ فِي الدِّينِ لَا يَسَعُ أَحَدًا أَنْ يَخْرُجَ عَلَيْهَا، أَوْ أَنْ يَنْظُرَ إِلَيْهَا بِغَيْرِ عَيْنِ الِاعْتِبَارِ، وَهِيَ -أَيْ آدَابُ الطَّلَبِ- فِي كُلِّ الْأَحْوَالِ فِي حَقِّ طَالِبِ الْعِلْمِ آكَدُ، وَعَلَيْهِ أَوْجَبُ».
وَهُنَا سُؤَالٌ مُهِمٌّ: وَمَا قِيمَةُ أَنْ يَتَعَلَّمَ الْمُسْلِمُ آدَابَ طَلَبِ الْعِلْمِ فِي هَذَا الْوَاقِعِ الْأَلِيمِ؟!
وَهَذَا سُؤَالٌ وَجِيهٌ لَوْ لَمْ يَحْمِلْ فِي طَيَّاتِهِ بَرَاهِينَ الْفَقْدِ الْوَاضِحِ لِلتَّشْخِيصِ الصَّحِيحِ لِأَدْوَاءِ الْأُمَّةِ وَأَمْرَاضِهَا.
وَمَا تَخْرُجُ أَدْوَاءُ الْأُمَّةِ عَنْ ثَلَاثَةٍ: عَمَلٌ كَثِيرٌ مِنْ غَيْرِ عِلْمٍ، أَوْ عِلْمٌ كَثِيرٌ مِنْ غَيْرِ عَمَلٍ، أَوْ لَا عِلْمَ وَلَا عَمَلَ.
ثُمَّ إِنْ شِئْتَ فَاجْمَعْ هَذِهِ الْأَدْوَاءَ الثَّلَاثَةَ فِي دَاءٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ فَقْدُ ضَبْطِ النِّسْبَةِ بَيْنَ الْعِلْمِ وَالْعَمَلِ أَوْ بَيْنَ الْوَسِيلَةِ وَالْغَايَةِ إِنْ شِئْتَ الْوُصُولَ إِلَى عَيْنِ الْيَقِينِ.
يَا إِخْوَتَاهُ فِي كُلِّ ضَرْبٍ، إِنَّهُ لَنْ يَصْلُحَ آخِرُ هَذِهِ الْأُمَّةِ إِلَّا بِمَا صَلَحَ بِهِ أَوَّلُهَا، وَإِنَّمَا بَدَأَ هَذَا الْأَمْرُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {اقْرَأ}، وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يا أيها المدثر قم فأنذر} وَالْإِنْذَارُ لَا يَكُونُ بِالْجَهْلِ وَلَا بِالْبَاطِلِ، بَلْ بِالْعِلْمِ وَالْيَقِينِ.
وَأَعْرَفُ مَا يَقُولُ الْمُعْتَرِضُونَ، يَقُولُونَ: تَشْغَلُونَ الْأُمَّةَ بِالْفُرُوعِ !
وَنَقُولُ: لَا أَيُّهَا الْأَحِبَّةُ، بَلْ نُمَيِّزُ بَيْنَ الْعِلْمِ الْفَرْضِ الَّذِي هُوَ وَاجِبٌ عَلَى التَّعْيِينِ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ، وَمَا هُوَ عِلْمُ كِفَايَةٍ مَتَى قَامَ بِهِ رَجُلٌ فِي مَحَلَّةٍ سَقَطَ فَرْضُ طَلَبِهِ عَمَّنْ فِيهَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ.
إِنَّمَا نُرِيدُ أَنْ تَعْلَمَ الْأُمَّةُ عِلْمَ الْفَرْضِ الَّذِي يَلْزَمُ أَفْرَادَهَا أَجْمَعِينَ مِنْ مَعْرِفَةِ اللهِ وَالنَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَمَعْرِفَةِ مَا تَلْزَمُ مَعْرِفَتُهُ مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا وَالدِّينِ.
كُلُّ ذَلِكَ مِنْ أَجْلِ أَنْ تُبْعَثَ الْأُمَّةُ عَلَى مُقَوِّمَاتٍ لَا تَقُومُ الْأُمَمُ عَلَى الْإِجْمَالِ إِلَّا عَلَى أَمْثَالِهَا، وَمُقَوِّمَاتٍ تَلْزَمُ أُمَّةَ الْإِسْلَامِ عَلَى وَجْهِ الْخُصُوصِ، مِنْ تَوْحِيدٍ كَامِلٍ وَيَقِينٍ شَامِلٍ وَلُغَةٍ هِيَ عِنْدَ الْمُسْلِمِينَ مِنَ الدِّينِ، وَمَخْبَرٍ يَسُرُّ وَظَاهِرٍ مُنِيرٍ مِنْ غَيْرِ هُمُودٍ، {سيماهم في وجوههم من أثر السجود}.
إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأُمُورِ الْعَظِيمَةِ تَفْسُدُ مِنْ أَجْلِ الْيَسِيرِ مِنَ الْأُمُورِ، وَإِنَّ الْعِلْمَ الَّذِي هُوَ أَوَّلُ مَا يُعْقَدُ عَلَيْهِ الْخِنْصَرُ فِي الدِّينِ وَالْيَقِينِ لَيُفْسِدُهُ اضْطِرَابُ التَّلَقِّي؛ لِفَقْدِ الْآدَابِ مِنَ الشُّدَاةِ وَالْمُتَعَلِّمِينَ»([1]).
وَمِنْ أَهَمِّ الْآدَابِ الَّتِي يَدْرُسُهَا الطَّالِبُ فِي هَذَا الْمُقَرَّرِ مِنْ مُقَرَّرَاتِ جَامِعَةِ مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ:
«وَلَمَّا كَانَتْ مَدَاخِلُ الشَّيْطَانِ فِي الْعَمَلِ تَتَفَاوَتُ عَلَى مِقْدَارِ فَضْلِهِ وَقَدْرِ ثَمَرَتِهِ كَانَتْ مَدَاخِلُ الشَّيْطَانِ فِي الْعِلْمِ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ تُحْصَى وَأَبْعَدَ مِنْ أَنْ تُسْتَقْصَى؛ إِذِ الْعِلْمُ هُوَ أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ قَاطِبَةً.
قَالَ الْغَزَّالِيُّ -هُوَ أَبُو حَامِدٍ -رَحِمَهُ اللهُ-: «وَأَعْظَمُ الْأَشْيَاءِ رُتْبَةً فِي حَقِّ الْآدَمِيِّ السَّعَادَةُ الْأَبَدِيَّةُ، وَأَفْضَلُ الْأَشْيَاءِ مَا هُوَ وَسِيلَةٌ إِلَيْهَا، وَلَنْ يُتَوَصَّلَ إِلَيْهَا إِلَّا بِالْعِلْمِ وَالْعَمَلِ، وَلَا يُتَوَصَّلُ إِلَى الْعَمَلِ إِلَّا بِالْعِلْمِ بِكَيْفِيَّةِ الْعَمَلِ، فَأَصْلُ السَّعَادَةِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ هُوَ الْعِلْمُ، فَهُوَ إِذَنْ أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ».
وَإِذَنْ فَسَبِيلُ الْعِلْمِ مَحْفُوفَةٌ بِالْمَكَارِهِ وَالْمَشَاقِّ، وَمَدَاخِلُ الشَّيْطَانِ فِيهِ لَا يُحْصِيهَا إِلَّا اللهُ تَعَالَى، فَمِنْهَا مَا يُفْسِدُ الْعِلْمَ ذَاتَهُ عَلَى صَاحِبِهِ، وَمِنْهَا مَا يُفْسِدُ الْقَصْدَ وَالْإِرَادَةَ فِيهِ، وَمِنْهَا مَا يُفْسِدُ سَبِيلَ الطَّلَبِ، وَالنَّاجِي مَنْ عَصَمَهُ اللهُ تَعَالَى.
لِذَلِكَ يَنْبَغِي لِطَالِبِ الْعِلْمِ أَنْ يَلْتَفِتَ إِلَى دَرْسِ الْآفَاتِ الَّتِي تَعْرِضُ لِلْعِلْمِ فَتُفْسِدُهُ، أَوْ تُفْسِدُ سَبِيلَ الطَّلَبِ عَلَى طَالِبِهِ، أَوْ تُفْسِدُ الْقَصْدَ وَالْإِرَادَةَ وَالنِّيَّةَ فِيهِ حَتَّى لَا يُلِمَّ شَيْءٌ مِنْهَا بِهِ.
وَالْحَقُّ أَنَّ كَثِيرًا مِنْ هَذِهِ الْآفَاتِ قَدْ نَفَّرَ مِنْهَا الشَّرْعُ مِنْهُ وَرَغَّبَ الدِّينُ عَنْهُ عَلَى إِطْلَاقٍ، وَإِنَّمَا ازْدَادَ تَنْفِيرُ الشَّرْعِ مِنْهُ وَعَظُمَ تَرْغِيبُ الدِّينِ عَنْهُ حَالَ تَعَلُّقِ شَيْءٍ مِنْهُ بِالْعِلْمِ؛ لِأَنَّ الْعِلْمَ هُوَ مَا هُوَ فِي دِينِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَهُوَ الْعِصْمَةُ مِنْ هَذِهِ الْأَدْواَءِ، فَكَيْفَ إِذَا أَصْبَحَ عَيْنَ الدَّاءِ؟ وَهُوَ حَاجِزٌ عَنِ الْوُقُوعِ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْأَهْوَاءِ، فَكَيْفَ إِذَا اتُّخِذَ مَطِيَّةً لِلْبَلَاءِ؟!([2]).
وَطَالِبُ الْعِلْمِ يَدْرُسُ فِي هَذَا الْمُقَرَّرِ مِنْ مُقَرَّرَاتِ جَامِعَةِ مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ آفَاتِ الْعِلْمِ التَّالِيَةِ:
وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الْآفَاتِ الَّتِي تُؤَثِّرُ عَلَى الْعِلْمِ وَطَالِبِه، وَآثَارِ الْعْلِمِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.
[1] مقدمة كتاب آداب طالب العلم لفضيلة الشيخ العلامة محمد بن سعيد رسلان -حفظه الله تعالى-.
[2] مقدمة كتاب آفات العلم لفضيلة الشيخ العلامة محمد بن سعيد رسلان -حفظه الله تعالى-.
الْحَمْدُ للهِ وَحْدَهُ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنْ لَا نَبِيَّ بَعْدَهُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، أَمَّا بَعْدُ:
«فَلَمَّا كَانَ الْعِلْمُ هُوَ عِبَادَةَ الْقَلْبِ وَسِرَّ حَيَاتِهِ، وَمَوْطِنَ قُوَّتِهِ كَانَ لِزَامًا عَلَى طَالِبِهِ أَنْ يُحَصِّلَ آدَابَهُ، وَأَنْ يَسْعَى جَاهِدًا مُشَمِّرًا فِي اكْتِسَابِهَا، وَإِلَّا سَارَ مُشَرِّقًا وَسَارَ الْعِلْمُ مُغَرِّبًا، وَكَانَ كَمَا قِيلَ:
سَارَتْ مُشَرِّقَةً وَسِرْتُ مُغَرِّبًا ** شَتَّانَ بَيْنَ مُشَرِّقٍ وَمُغَرِّبِ
عَلَى أَنُهَّ يَنْبَغِي التَّفَطُّنُ إِلَى أَنَّ هَذِهِ الْآدَابَ لَيْسَتْ كَأَيِّ آدَابٍ، بَلْ مِنْهَا مَا هُوَ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ فِي كُلِّ حِينٍ، سَوَاءٌ كَانَ طَالِبًا لِلْعِلْمِ أَمْ لَمْ يَكُنْ.
وَأَحْرَى بِمَنْ نَصَّبَ نَفْسَهُ لِلْعِلْمِ وَتَصَدَّى لَهُ مُتَعَلِّمًا أَوْ مُعَلِّمًا أَنْ يَظْهَرَ عَلَيْهِ أَثَرُ التَّوْحِيدِ وَالْعِبَادَةِ بِالتَّسْلِيمِ الْكَامِلِ لِلشَّرْعِ الْأَغَرِّ وَالْخُضُوعِ الْمُطْلَقِ لِلدِّينِ الْأَعَزِّ.
وَعَلَيْهِ، فَآدَابُ الطَّلَبِ لَا تَنْفَكُّ عَنْ أَصْحَابِ الْعِلْمِ أَبَدًا؛ لِأَنَّهَا مِمَّا دَلَّتْ عَلَيْهِ النُّصُوصُ الْعَامَّةُ وَأَرْشَدَتْ إِلَيْهِ، وَلِأَنَّ مِنْهَا مَا هُوَ مِنَ الْكُلِّيَّاتِ الْعَامَّةِ وَالْقَوَاعِدِ الشَّامِلَةِ فِي الدِّينِ لَا يَسَعُ أَحَدًا أَنْ يَخْرُجَ عَلَيْهَا، أَوْ أَنْ يَنْظُرَ إِلَيْهَا بِغَيْرِ عَيْنِ الِاعْتِبَارِ، وَهِيَ -أَيْ آدَابُ الطَّلَبِ- فِي كُلِّ الْأَحْوَالِ فِي حَقِّ طَالِبِ الْعِلْمِ آكَدُ، وَعَلَيْهِ أَوْجَبُ».
وَهُنَا سُؤَالٌ مُهِمٌّ: وَمَا قِيمَةُ أَنْ يَتَعَلَّمَ الْمُسْلِمُ آدَابَ طَلَبِ الْعِلْمِ فِي هَذَا الْوَاقِعِ الْأَلِيمِ؟!
وَهَذَا سُؤَالٌ وَجِيهٌ لَوْ لَمْ يَحْمِلْ فِي طَيَّاتِهِ بَرَاهِينَ الْفَقْدِ الْوَاضِحِ لِلتَّشْخِيصِ الصَّحِيحِ لِأَدْوَاءِ الْأُمَّةِ وَأَمْرَاضِهَا.
وَمَا تَخْرُجُ أَدْوَاءُ الْأُمَّةِ عَنْ ثَلَاثَةٍ: عَمَلٌ كَثِيرٌ مِنْ غَيْرِ عِلْمٍ، أَوْ عِلْمٌ كَثِيرٌ مِنْ غَيْرِ عَمَلٍ، أَوْ لَا عِلْمَ وَلَا عَمَلَ.
ثُمَّ إِنْ شِئْتَ فَاجْمَعْ هَذِهِ الْأَدْوَاءَ الثَّلَاثَةَ فِي دَاءٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ فَقْدُ ضَبْطِ النِّسْبَةِ بَيْنَ الْعِلْمِ وَالْعَمَلِ أَوْ بَيْنَ الْوَسِيلَةِ وَالْغَايَةِ إِنْ شِئْتَ الْوُصُولَ إِلَى عَيْنِ الْيَقِينِ.
يَا إِخْوَتَاهُ فِي كُلِّ ضَرْبٍ، إِنَّهُ لَنْ يَصْلُحَ آخِرُ هَذِهِ الْأُمَّةِ إِلَّا بِمَا صَلَحَ بِهِ أَوَّلُهَا، وَإِنَّمَا بَدَأَ هَذَا الْأَمْرُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {اقْرَأ}، وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يا أيها المدثر قم فأنذر} وَالْإِنْذَارُ لَا يَكُونُ بِالْجَهْلِ وَلَا بِالْبَاطِلِ، بَلْ بِالْعِلْمِ وَالْيَقِينِ.
وَأَعْرَفُ مَا يَقُولُ الْمُعْتَرِضُونَ، يَقُولُونَ: تَشْغَلُونَ الْأُمَّةَ بِالْفُرُوعِ !
وَنَقُولُ: لَا أَيُّهَا الْأَحِبَّةُ، بَلْ نُمَيِّزُ بَيْنَ الْعِلْمِ الْفَرْضِ الَّذِي هُوَ وَاجِبٌ عَلَى التَّعْيِينِ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ، وَمَا هُوَ عِلْمُ كِفَايَةٍ مَتَى قَامَ بِهِ رَجُلٌ فِي مَحَلَّةٍ سَقَطَ فَرْضُ طَلَبِهِ عَمَّنْ فِيهَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ.
إِنَّمَا نُرِيدُ أَنْ تَعْلَمَ الْأُمَّةُ عِلْمَ الْفَرْضِ الَّذِي يَلْزَمُ أَفْرَادَهَا أَجْمَعِينَ مِنْ مَعْرِفَةِ اللهِ وَالنَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَمَعْرِفَةِ مَا تَلْزَمُ مَعْرِفَتُهُ مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا وَالدِّينِ.
كُلُّ ذَلِكَ مِنْ أَجْلِ أَنْ تُبْعَثَ الْأُمَّةُ عَلَى مُقَوِّمَاتٍ لَا تَقُومُ الْأُمَمُ عَلَى الْإِجْمَالِ إِلَّا عَلَى أَمْثَالِهَا، وَمُقَوِّمَاتٍ تَلْزَمُ أُمَّةَ الْإِسْلَامِ عَلَى وَجْهِ الْخُصُوصِ، مِنْ تَوْحِيدٍ كَامِلٍ وَيَقِينٍ شَامِلٍ وَلُغَةٍ هِيَ عِنْدَ الْمُسْلِمِينَ مِنَ الدِّينِ، وَمَخْبَرٍ يَسُرُّ وَظَاهِرٍ مُنِيرٍ مِنْ غَيْرِ هُمُودٍ، {سيماهم في وجوههم من أثر السجود}.
إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأُمُورِ الْعَظِيمَةِ تَفْسُدُ مِنْ أَجْلِ الْيَسِيرِ مِنَ الْأُمُورِ، وَإِنَّ الْعِلْمَ الَّذِي هُوَ أَوَّلُ مَا يُعْقَدُ عَلَيْهِ الْخِنْصَرُ فِي الدِّينِ وَالْيَقِينِ لَيُفْسِدُهُ اضْطِرَابُ التَّلَقِّي؛ لِفَقْدِ الْآدَابِ مِنَ الشُّدَاةِ وَالْمُتَعَلِّمِينَ»([1]).
وَمِنْ أَهَمِّ الْآدَابِ الَّتِي يَدْرُسُهَا الطَّالِبُ فِي هَذَا الْمُقَرَّرِ مِنْ مُقَرَّرَاتِ جَامِعَةِ مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ:
«وَلَمَّا كَانَتْ مَدَاخِلُ الشَّيْطَانِ فِي الْعَمَلِ تَتَفَاوَتُ عَلَى مِقْدَارِ فَضْلِهِ وَقَدْرِ ثَمَرَتِهِ كَانَتْ مَدَاخِلُ الشَّيْطَانِ فِي الْعِلْمِ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ تُحْصَى وَأَبْعَدَ مِنْ أَنْ تُسْتَقْصَى؛ إِذِ الْعِلْمُ هُوَ أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ قَاطِبَةً.
قَالَ الْغَزَّالِيُّ -هُوَ أَبُو حَامِدٍ -رَحِمَهُ اللهُ-: «وَأَعْظَمُ الْأَشْيَاءِ رُتْبَةً فِي حَقِّ الْآدَمِيِّ السَّعَادَةُ الْأَبَدِيَّةُ، وَأَفْضَلُ الْأَشْيَاءِ مَا هُوَ وَسِيلَةٌ إِلَيْهَا، وَلَنْ يُتَوَصَّلَ إِلَيْهَا إِلَّا بِالْعِلْمِ وَالْعَمَلِ، وَلَا يُتَوَصَّلُ إِلَى الْعَمَلِ إِلَّا بِالْعِلْمِ بِكَيْفِيَّةِ الْعَمَلِ، فَأَصْلُ السَّعَادَةِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ هُوَ الْعِلْمُ، فَهُوَ إِذَنْ أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ».
وَإِذَنْ فَسَبِيلُ الْعِلْمِ مَحْفُوفَةٌ بِالْمَكَارِهِ وَالْمَشَاقِّ، وَمَدَاخِلُ الشَّيْطَانِ فِيهِ لَا يُحْصِيهَا إِلَّا اللهُ تَعَالَى، فَمِنْهَا مَا يُفْسِدُ الْعِلْمَ ذَاتَهُ عَلَى صَاحِبِهِ، وَمِنْهَا مَا يُفْسِدُ الْقَصْدَ وَالْإِرَادَةَ فِيهِ، وَمِنْهَا مَا يُفْسِدُ سَبِيلَ الطَّلَبِ، وَالنَّاجِي مَنْ عَصَمَهُ اللهُ تَعَالَى.
لِذَلِكَ يَنْبَغِي لِطَالِبِ الْعِلْمِ أَنْ يَلْتَفِتَ إِلَى دَرْسِ الْآفَاتِ الَّتِي تَعْرِضُ لِلْعِلْمِ فَتُفْسِدُهُ، أَوْ تُفْسِدُ سَبِيلَ الطَّلَبِ عَلَى طَالِبِهِ، أَوْ تُفْسِدُ الْقَصْدَ وَالْإِرَادَةَ وَالنِّيَّةَ فِيهِ حَتَّى لَا يُلِمَّ شَيْءٌ مِنْهَا بِهِ.
وَالْحَقُّ أَنَّ كَثِيرًا مِنْ هَذِهِ الْآفَاتِ قَدْ نَفَّرَ مِنْهَا الشَّرْعُ مِنْهُ وَرَغَّبَ الدِّينُ عَنْهُ عَلَى إِطْلَاقٍ، وَإِنَّمَا ازْدَادَ تَنْفِيرُ الشَّرْعِ مِنْهُ وَعَظُمَ تَرْغِيبُ الدِّينِ عَنْهُ حَالَ تَعَلُّقِ شَيْءٍ مِنْهُ بِالْعِلْمِ؛ لِأَنَّ الْعِلْمَ هُوَ مَا هُوَ فِي دِينِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَهُوَ الْعِصْمَةُ مِنْ هَذِهِ الْأَدْواَءِ، فَكَيْفَ إِذَا أَصْبَحَ عَيْنَ الدَّاءِ؟ وَهُوَ حَاجِزٌ عَنِ الْوُقُوعِ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْأَهْوَاءِ، فَكَيْفَ إِذَا اتُّخِذَ مَطِيَّةً لِلْبَلَاءِ؟!([2]).
وَطَالِبُ الْعِلْمِ يَدْرُسُ فِي هَذَا الْمُقَرَّرِ مِنْ مُقَرَّرَاتِ جَامِعَةِ مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ آفَاتِ الْعِلْمِ التَّالِيَةِ:
وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الْآفَاتِ الَّتِي تُؤَثِّرُ عَلَى الْعِلْمِ وَطَالِبِه، وَآثَارِ الْعْلِمِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.
[1] مقدمة كتاب آداب طالب العلم لفضيلة الشيخ العلامة محمد بن سعيد رسلان -حفظه الله تعالى-.
[2] مقدمة كتاب آفات العلم لفضيلة الشيخ العلامة محمد بن سعيد رسلان -حفظه الله تعالى-.
الْحَمْدُ للهِ وَحْدَهُ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنْ لَا نَبِيَّ بَعْدَهُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، أَمَّا بَعْدُ:
«فَلَمَّا كَانَ الْعِلْمُ هُوَ عِبَادَةَ الْقَلْبِ وَسِرَّ حَيَاتِهِ، وَمَوْطِنَ قُوَّتِهِ كَانَ لِزَامًا عَلَى طَالِبِهِ أَنْ يُحَصِّلَ آدَابَهُ، وَأَنْ يَسْعَى جَاهِدًا مُشَمِّرًا فِي اكْتِسَابِهَا، وَإِلَّا سَارَ مُشَرِّقًا وَسَارَ الْعِلْمُ مُغَرِّبًا، وَكَانَ كَمَا قِيلَ:
سَارَتْ مُشَرِّقَةً وَسِرْتُ مُغَرِّبًا ** شَتَّانَ بَيْنَ مُشَرِّقٍ وَمُغَرِّبِ
عَلَى أَنُهَّ يَنْبَغِي التَّفَطُّنُ إِلَى أَنَّ هَذِهِ الْآدَابَ لَيْسَتْ كَأَيِّ آدَابٍ، بَلْ مِنْهَا مَا هُوَ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ فِي كُلِّ حِينٍ، سَوَاءٌ كَانَ طَالِبًا لِلْعِلْمِ أَمْ لَمْ يَكُنْ.
وَأَحْرَى بِمَنْ نَصَّبَ نَفْسَهُ لِلْعِلْمِ وَتَصَدَّى لَهُ مُتَعَلِّمًا أَوْ مُعَلِّمًا أَنْ يَظْهَرَ عَلَيْهِ أَثَرُ التَّوْحِيدِ وَالْعِبَادَةِ بِالتَّسْلِيمِ الْكَامِلِ لِلشَّرْعِ الْأَغَرِّ وَالْخُضُوعِ الْمُطْلَقِ لِلدِّينِ الْأَعَزِّ.
وَعَلَيْهِ، فَآدَابُ الطَّلَبِ لَا تَنْفَكُّ عَنْ أَصْحَابِ الْعِلْمِ أَبَدًا؛ لِأَنَّهَا مِمَّا دَلَّتْ عَلَيْهِ النُّصُوصُ الْعَامَّةُ وَأَرْشَدَتْ إِلَيْهِ، وَلِأَنَّ مِنْهَا مَا هُوَ مِنَ الْكُلِّيَّاتِ الْعَامَّةِ وَالْقَوَاعِدِ الشَّامِلَةِ فِي الدِّينِ لَا يَسَعُ أَحَدًا أَنْ يَخْرُجَ عَلَيْهَا، أَوْ أَنْ يَنْظُرَ إِلَيْهَا بِغَيْرِ عَيْنِ الِاعْتِبَارِ، وَهِيَ -أَيْ آدَابُ الطَّلَبِ- فِي كُلِّ الْأَحْوَالِ فِي حَقِّ طَالِبِ الْعِلْمِ آكَدُ، وَعَلَيْهِ أَوْجَبُ».
وَهُنَا سُؤَالٌ مُهِمٌّ: وَمَا قِيمَةُ أَنْ يَتَعَلَّمَ الْمُسْلِمُ آدَابَ طَلَبِ الْعِلْمِ فِي هَذَا الْوَاقِعِ الْأَلِيمِ؟!
وَهَذَا سُؤَالٌ وَجِيهٌ لَوْ لَمْ يَحْمِلْ فِي طَيَّاتِهِ بَرَاهِينَ الْفَقْدِ الْوَاضِحِ لِلتَّشْخِيصِ الصَّحِيحِ لِأَدْوَاءِ الْأُمَّةِ وَأَمْرَاضِهَا.
وَمَا تَخْرُجُ أَدْوَاءُ الْأُمَّةِ عَنْ ثَلَاثَةٍ: عَمَلٌ كَثِيرٌ مِنْ غَيْرِ عِلْمٍ، أَوْ عِلْمٌ كَثِيرٌ مِنْ غَيْرِ عَمَلٍ، أَوْ لَا عِلْمَ وَلَا عَمَلَ.
ثُمَّ إِنْ شِئْتَ فَاجْمَعْ هَذِهِ الْأَدْوَاءَ الثَّلَاثَةَ فِي دَاءٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ فَقْدُ ضَبْطِ النِّسْبَةِ بَيْنَ الْعِلْمِ وَالْعَمَلِ أَوْ بَيْنَ الْوَسِيلَةِ وَالْغَايَةِ إِنْ شِئْتَ الْوُصُولَ إِلَى عَيْنِ الْيَقِينِ.
يَا إِخْوَتَاهُ فِي كُلِّ ضَرْبٍ، إِنَّهُ لَنْ يَصْلُحَ آخِرُ هَذِهِ الْأُمَّةِ إِلَّا بِمَا صَلَحَ بِهِ أَوَّلُهَا، وَإِنَّمَا بَدَأَ هَذَا الْأَمْرُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {اقْرَأ}، وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يا أيها المدثر قم فأنذر} وَالْإِنْذَارُ لَا يَكُونُ بِالْجَهْلِ وَلَا بِالْبَاطِلِ، بَلْ بِالْعِلْمِ وَالْيَقِينِ.
وَأَعْرَفُ مَا يَقُولُ الْمُعْتَرِضُونَ، يَقُولُونَ: تَشْغَلُونَ الْأُمَّةَ بِالْفُرُوعِ !
وَنَقُولُ: لَا أَيُّهَا الْأَحِبَّةُ، بَلْ نُمَيِّزُ بَيْنَ الْعِلْمِ الْفَرْضِ الَّذِي هُوَ وَاجِبٌ عَلَى التَّعْيِينِ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ، وَمَا هُوَ عِلْمُ كِفَايَةٍ مَتَى قَامَ بِهِ رَجُلٌ فِي مَحَلَّةٍ سَقَطَ فَرْضُ طَلَبِهِ عَمَّنْ فِيهَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ.
إِنَّمَا نُرِيدُ أَنْ تَعْلَمَ الْأُمَّةُ عِلْمَ الْفَرْضِ الَّذِي يَلْزَمُ أَفْرَادَهَا أَجْمَعِينَ مِنْ مَعْرِفَةِ اللهِ وَالنَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَمَعْرِفَةِ مَا تَلْزَمُ مَعْرِفَتُهُ مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا وَالدِّينِ.
كُلُّ ذَلِكَ مِنْ أَجْلِ أَنْ تُبْعَثَ الْأُمَّةُ عَلَى مُقَوِّمَاتٍ لَا تَقُومُ الْأُمَمُ عَلَى الْإِجْمَالِ إِلَّا عَلَى أَمْثَالِهَا، وَمُقَوِّمَاتٍ تَلْزَمُ أُمَّةَ الْإِسْلَامِ عَلَى وَجْهِ الْخُصُوصِ، مِنْ تَوْحِيدٍ كَامِلٍ وَيَقِينٍ شَامِلٍ وَلُغَةٍ هِيَ عِنْدَ الْمُسْلِمِينَ مِنَ الدِّينِ، وَمَخْبَرٍ يَسُرُّ وَظَاهِرٍ مُنِيرٍ مِنْ غَيْرِ هُمُودٍ، {سيماهم في وجوههم من أثر السجود}.
إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأُمُورِ الْعَظِيمَةِ تَفْسُدُ مِنْ أَجْلِ الْيَسِيرِ مِنَ الْأُمُورِ، وَإِنَّ الْعِلْمَ الَّذِي هُوَ أَوَّلُ مَا يُعْقَدُ عَلَيْهِ الْخِنْصَرُ فِي الدِّينِ وَالْيَقِينِ لَيُفْسِدُهُ اضْطِرَابُ التَّلَقِّي؛ لِفَقْدِ الْآدَابِ مِنَ الشُّدَاةِ وَالْمُتَعَلِّمِينَ»([1]).
وَمِنْ أَهَمِّ الْآدَابِ الَّتِي يَدْرُسُهَا الطَّالِبُ فِي هَذَا الْمُقَرَّرِ مِنْ مُقَرَّرَاتِ جَامِعَةِ مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ:
«وَلَمَّا كَانَتْ مَدَاخِلُ الشَّيْطَانِ فِي الْعَمَلِ تَتَفَاوَتُ عَلَى مِقْدَارِ فَضْلِهِ وَقَدْرِ ثَمَرَتِهِ كَانَتْ مَدَاخِلُ الشَّيْطَانِ فِي الْعِلْمِ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ تُحْصَى وَأَبْعَدَ مِنْ أَنْ تُسْتَقْصَى؛ إِذِ الْعِلْمُ هُوَ أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ قَاطِبَةً.
قَالَ الْغَزَّالِيُّ -هُوَ أَبُو حَامِدٍ -رَحِمَهُ اللهُ-: «وَأَعْظَمُ الْأَشْيَاءِ رُتْبَةً فِي حَقِّ الْآدَمِيِّ السَّعَادَةُ الْأَبَدِيَّةُ، وَأَفْضَلُ الْأَشْيَاءِ مَا هُوَ وَسِيلَةٌ إِلَيْهَا، وَلَنْ يُتَوَصَّلَ إِلَيْهَا إِلَّا بِالْعِلْمِ وَالْعَمَلِ، وَلَا يُتَوَصَّلُ إِلَى الْعَمَلِ إِلَّا بِالْعِلْمِ بِكَيْفِيَّةِ الْعَمَلِ، فَأَصْلُ السَّعَادَةِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ هُوَ الْعِلْمُ، فَهُوَ إِذَنْ أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ».
وَإِذَنْ فَسَبِيلُ الْعِلْمِ مَحْفُوفَةٌ بِالْمَكَارِهِ وَالْمَشَاقِّ، وَمَدَاخِلُ الشَّيْطَانِ فِيهِ لَا يُحْصِيهَا إِلَّا اللهُ تَعَالَى، فَمِنْهَا مَا يُفْسِدُ الْعِلْمَ ذَاتَهُ عَلَى صَاحِبِهِ، وَمِنْهَا مَا يُفْسِدُ الْقَصْدَ وَالْإِرَادَةَ فِيهِ، وَمِنْهَا مَا يُفْسِدُ سَبِيلَ الطَّلَبِ، وَالنَّاجِي مَنْ عَصَمَهُ اللهُ تَعَالَى.
لِذَلِكَ يَنْبَغِي لِطَالِبِ الْعِلْمِ أَنْ يَلْتَفِتَ إِلَى دَرْسِ الْآفَاتِ الَّتِي تَعْرِضُ لِلْعِلْمِ فَتُفْسِدُهُ، أَوْ تُفْسِدُ سَبِيلَ الطَّلَبِ عَلَى طَالِبِهِ، أَوْ تُفْسِدُ الْقَصْدَ وَالْإِرَادَةَ وَالنِّيَّةَ فِيهِ حَتَّى لَا يُلِمَّ شَيْءٌ مِنْهَا بِهِ.
وَالْحَقُّ أَنَّ كَثِيرًا مِنْ هَذِهِ الْآفَاتِ قَدْ نَفَّرَ مِنْهَا الشَّرْعُ مِنْهُ وَرَغَّبَ الدِّينُ عَنْهُ عَلَى إِطْلَاقٍ، وَإِنَّمَا ازْدَادَ تَنْفِيرُ الشَّرْعِ مِنْهُ وَعَظُمَ تَرْغِيبُ الدِّينِ عَنْهُ حَالَ تَعَلُّقِ شَيْءٍ مِنْهُ بِالْعِلْمِ؛ لِأَنَّ الْعِلْمَ هُوَ مَا هُوَ فِي دِينِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَهُوَ الْعِصْمَةُ مِنْ هَذِهِ الْأَدْواَءِ، فَكَيْفَ إِذَا أَصْبَحَ عَيْنَ الدَّاءِ؟ وَهُوَ حَاجِزٌ عَنِ الْوُقُوعِ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْأَهْوَاءِ، فَكَيْفَ إِذَا اتُّخِذَ مَطِيَّةً لِلْبَلَاءِ؟!([2]).
وَطَالِبُ الْعِلْمِ يَدْرُسُ فِي هَذَا الْمُقَرَّرِ مِنْ مُقَرَّرَاتِ جَامِعَةِ مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ آفَاتِ الْعِلْمِ التَّالِيَةِ:
وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الْآفَاتِ الَّتِي تُؤَثِّرُ عَلَى الْعِلْمِ وَطَالِبِه، وَآثَارِ الْعْلِمِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.
[1] مقدمة كتاب آداب طالب العلم لفضيلة الشيخ العلامة محمد بن سعيد رسلان -حفظه الله تعالى-.
[2] مقدمة كتاب آفات العلم لفضيلة الشيخ العلامة محمد بن سعيد رسلان -حفظه الله تعالى-.
الْحَمْدُ للهِ وَحْدَهُ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنْ لَا نَبِيَّ بَعْدَهُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، أَمَّا بَعْدُ:
«فَلَمَّا كَانَ الْعِلْمُ هُوَ عِبَادَةَ الْقَلْبِ وَسِرَّ حَيَاتِهِ، وَمَوْطِنَ قُوَّتِهِ كَانَ لِزَامًا عَلَى طَالِبِهِ أَنْ يُحَصِّلَ آدَابَهُ، وَأَنْ يَسْعَى جَاهِدًا مُشَمِّرًا فِي اكْتِسَابِهَا، وَإِلَّا سَارَ مُشَرِّقًا وَسَارَ الْعِلْمُ مُغَرِّبًا، وَكَانَ كَمَا قِيلَ:
سَارَتْ مُشَرِّقَةً وَسِرْتُ مُغَرِّبًا ** شَتَّانَ بَيْنَ مُشَرِّقٍ وَمُغَرِّبِ
عَلَى أَنُهَّ يَنْبَغِي التَّفَطُّنُ إِلَى أَنَّ هَذِهِ الْآدَابَ لَيْسَتْ كَأَيِّ آدَابٍ، بَلْ مِنْهَا مَا هُوَ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ فِي كُلِّ حِينٍ، سَوَاءٌ كَانَ طَالِبًا لِلْعِلْمِ أَمْ لَمْ يَكُنْ.
وَأَحْرَى بِمَنْ نَصَّبَ نَفْسَهُ لِلْعِلْمِ وَتَصَدَّى لَهُ مُتَعَلِّمًا أَوْ مُعَلِّمًا أَنْ يَظْهَرَ عَلَيْهِ أَثَرُ التَّوْحِيدِ وَالْعِبَادَةِ بِالتَّسْلِيمِ الْكَامِلِ لِلشَّرْعِ الْأَغَرِّ وَالْخُضُوعِ الْمُطْلَقِ لِلدِّينِ الْأَعَزِّ.
وَعَلَيْهِ، فَآدَابُ الطَّلَبِ لَا تَنْفَكُّ عَنْ أَصْحَابِ الْعِلْمِ أَبَدًا؛ لِأَنَّهَا مِمَّا دَلَّتْ عَلَيْهِ النُّصُوصُ الْعَامَّةُ وَأَرْشَدَتْ إِلَيْهِ، وَلِأَنَّ مِنْهَا مَا هُوَ مِنَ الْكُلِّيَّاتِ الْعَامَّةِ وَالْقَوَاعِدِ الشَّامِلَةِ فِي الدِّينِ لَا يَسَعُ أَحَدًا أَنْ يَخْرُجَ عَلَيْهَا، أَوْ أَنْ يَنْظُرَ إِلَيْهَا بِغَيْرِ عَيْنِ الِاعْتِبَارِ، وَهِيَ -أَيْ آدَابُ الطَّلَبِ- فِي كُلِّ الْأَحْوَالِ فِي حَقِّ طَالِبِ الْعِلْمِ آكَدُ، وَعَلَيْهِ أَوْجَبُ».
وَهُنَا سُؤَالٌ مُهِمٌّ: وَمَا قِيمَةُ أَنْ يَتَعَلَّمَ الْمُسْلِمُ آدَابَ طَلَبِ الْعِلْمِ فِي هَذَا الْوَاقِعِ الْأَلِيمِ؟!
وَهَذَا سُؤَالٌ وَجِيهٌ لَوْ لَمْ يَحْمِلْ فِي طَيَّاتِهِ بَرَاهِينَ الْفَقْدِ الْوَاضِحِ لِلتَّشْخِيصِ الصَّحِيحِ لِأَدْوَاءِ الْأُمَّةِ وَأَمْرَاضِهَا.
وَمَا تَخْرُجُ أَدْوَاءُ الْأُمَّةِ عَنْ ثَلَاثَةٍ: عَمَلٌ كَثِيرٌ مِنْ غَيْرِ عِلْمٍ، أَوْ عِلْمٌ كَثِيرٌ مِنْ غَيْرِ عَمَلٍ، أَوْ لَا عِلْمَ وَلَا عَمَلَ.
ثُمَّ إِنْ شِئْتَ فَاجْمَعْ هَذِهِ الْأَدْوَاءَ الثَّلَاثَةَ فِي دَاءٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ فَقْدُ ضَبْطِ النِّسْبَةِ بَيْنَ الْعِلْمِ وَالْعَمَلِ أَوْ بَيْنَ الْوَسِيلَةِ وَالْغَايَةِ إِنْ شِئْتَ الْوُصُولَ إِلَى عَيْنِ الْيَقِينِ.
يَا إِخْوَتَاهُ فِي كُلِّ ضَرْبٍ، إِنَّهُ لَنْ يَصْلُحَ آخِرُ هَذِهِ الْأُمَّةِ إِلَّا بِمَا صَلَحَ بِهِ أَوَّلُهَا، وَإِنَّمَا بَدَأَ هَذَا الْأَمْرُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {اقْرَأ}، وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يا أيها المدثر قم فأنذر} وَالْإِنْذَارُ لَا يَكُونُ بِالْجَهْلِ وَلَا بِالْبَاطِلِ، بَلْ بِالْعِلْمِ وَالْيَقِينِ.
وَأَعْرَفُ مَا يَقُولُ الْمُعْتَرِضُونَ، يَقُولُونَ: تَشْغَلُونَ الْأُمَّةَ بِالْفُرُوعِ !
وَنَقُولُ: لَا أَيُّهَا الْأَحِبَّةُ، بَلْ نُمَيِّزُ بَيْنَ الْعِلْمِ الْفَرْضِ الَّذِي هُوَ وَاجِبٌ عَلَى التَّعْيِينِ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ، وَمَا هُوَ عِلْمُ كِفَايَةٍ مَتَى قَامَ بِهِ رَجُلٌ فِي مَحَلَّةٍ سَقَطَ فَرْضُ طَلَبِهِ عَمَّنْ فِيهَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ.
إِنَّمَا نُرِيدُ أَنْ تَعْلَمَ الْأُمَّةُ عِلْمَ الْفَرْضِ الَّذِي يَلْزَمُ أَفْرَادَهَا أَجْمَعِينَ مِنْ مَعْرِفَةِ اللهِ وَالنَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَمَعْرِفَةِ مَا تَلْزَمُ مَعْرِفَتُهُ مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا وَالدِّينِ.
كُلُّ ذَلِكَ مِنْ أَجْلِ أَنْ تُبْعَثَ الْأُمَّةُ عَلَى مُقَوِّمَاتٍ لَا تَقُومُ الْأُمَمُ عَلَى الْإِجْمَالِ إِلَّا عَلَى أَمْثَالِهَا، وَمُقَوِّمَاتٍ تَلْزَمُ أُمَّةَ الْإِسْلَامِ عَلَى وَجْهِ الْخُصُوصِ، مِنْ تَوْحِيدٍ كَامِلٍ وَيَقِينٍ شَامِلٍ وَلُغَةٍ هِيَ عِنْدَ الْمُسْلِمِينَ مِنَ الدِّينِ، وَمَخْبَرٍ يَسُرُّ وَظَاهِرٍ مُنِيرٍ مِنْ غَيْرِ هُمُودٍ، {سيماهم في وجوههم من أثر السجود}.
إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأُمُورِ الْعَظِيمَةِ تَفْسُدُ مِنْ أَجْلِ الْيَسِيرِ مِنَ الْأُمُورِ، وَإِنَّ الْعِلْمَ الَّذِي هُوَ أَوَّلُ مَا يُعْقَدُ عَلَيْهِ الْخِنْصَرُ فِي الدِّينِ وَالْيَقِينِ لَيُفْسِدُهُ اضْطِرَابُ التَّلَقِّي؛ لِفَقْدِ الْآدَابِ مِنَ الشُّدَاةِ وَالْمُتَعَلِّمِينَ»([1]).
وَمِنْ أَهَمِّ الْآدَابِ الَّتِي يَدْرُسُهَا الطَّالِبُ فِي هَذَا الْمُقَرَّرِ مِنْ مُقَرَّرَاتِ جَامِعَةِ مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ:
«وَلَمَّا كَانَتْ مَدَاخِلُ الشَّيْطَانِ فِي الْعَمَلِ تَتَفَاوَتُ عَلَى مِقْدَارِ فَضْلِهِ وَقَدْرِ ثَمَرَتِهِ كَانَتْ مَدَاخِلُ الشَّيْطَانِ فِي الْعِلْمِ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ تُحْصَى وَأَبْعَدَ مِنْ أَنْ تُسْتَقْصَى؛ إِذِ الْعِلْمُ هُوَ أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ قَاطِبَةً.
قَالَ الْغَزَّالِيُّ -هُوَ أَبُو حَامِدٍ -رَحِمَهُ اللهُ-: «وَأَعْظَمُ الْأَشْيَاءِ رُتْبَةً فِي حَقِّ الْآدَمِيِّ السَّعَادَةُ الْأَبَدِيَّةُ، وَأَفْضَلُ الْأَشْيَاءِ مَا هُوَ وَسِيلَةٌ إِلَيْهَا، وَلَنْ يُتَوَصَّلَ إِلَيْهَا إِلَّا بِالْعِلْمِ وَالْعَمَلِ، وَلَا يُتَوَصَّلُ إِلَى الْعَمَلِ إِلَّا بِالْعِلْمِ بِكَيْفِيَّةِ الْعَمَلِ، فَأَصْلُ السَّعَادَةِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ هُوَ الْعِلْمُ، فَهُوَ إِذَنْ أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ».
وَإِذَنْ فَسَبِيلُ الْعِلْمِ مَحْفُوفَةٌ بِالْمَكَارِهِ وَالْمَشَاقِّ، وَمَدَاخِلُ الشَّيْطَانِ فِيهِ لَا يُحْصِيهَا إِلَّا اللهُ تَعَالَى، فَمِنْهَا مَا يُفْسِدُ الْعِلْمَ ذَاتَهُ عَلَى صَاحِبِهِ، وَمِنْهَا مَا يُفْسِدُ الْقَصْدَ وَالْإِرَادَةَ فِيهِ، وَمِنْهَا مَا يُفْسِدُ سَبِيلَ الطَّلَبِ، وَالنَّاجِي مَنْ عَصَمَهُ اللهُ تَعَالَى.
لِذَلِكَ يَنْبَغِي لِطَالِبِ الْعِلْمِ أَنْ يَلْتَفِتَ إِلَى دَرْسِ الْآفَاتِ الَّتِي تَعْرِضُ لِلْعِلْمِ فَتُفْسِدُهُ، أَوْ تُفْسِدُ سَبِيلَ الطَّلَبِ عَلَى طَالِبِهِ، أَوْ تُفْسِدُ الْقَصْدَ وَالْإِرَادَةَ وَالنِّيَّةَ فِيهِ حَتَّى لَا يُلِمَّ شَيْءٌ مِنْهَا بِهِ.
وَالْحَقُّ أَنَّ كَثِيرًا مِنْ هَذِهِ الْآفَاتِ قَدْ نَفَّرَ مِنْهَا الشَّرْعُ مِنْهُ وَرَغَّبَ الدِّينُ عَنْهُ عَلَى إِطْلَاقٍ، وَإِنَّمَا ازْدَادَ تَنْفِيرُ الشَّرْعِ مِنْهُ وَعَظُمَ تَرْغِيبُ الدِّينِ عَنْهُ حَالَ تَعَلُّقِ شَيْءٍ مِنْهُ بِالْعِلْمِ؛ لِأَنَّ الْعِلْمَ هُوَ مَا هُوَ فِي دِينِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَهُوَ الْعِصْمَةُ مِنْ هَذِهِ الْأَدْواَءِ، فَكَيْفَ إِذَا أَصْبَحَ عَيْنَ الدَّاءِ؟ وَهُوَ حَاجِزٌ عَنِ الْوُقُوعِ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْأَهْوَاءِ، فَكَيْفَ إِذَا اتُّخِذَ مَطِيَّةً لِلْبَلَاءِ؟!([2]).
وَطَالِبُ الْعِلْمِ يَدْرُسُ فِي هَذَا الْمُقَرَّرِ مِنْ مُقَرَّرَاتِ جَامِعَةِ مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ آفَاتِ الْعِلْمِ التَّالِيَةِ:
وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الْآفَاتِ الَّتِي تُؤَثِّرُ عَلَى الْعِلْمِ وَطَالِبِه، وَآثَارِ الْعْلِمِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.
[1] مقدمة كتاب آداب طالب العلم لفضيلة الشيخ العلامة محمد بن سعيد رسلان -حفظه الله تعالى-.
[2] مقدمة كتاب آفات العلم لفضيلة الشيخ العلامة محمد بن سعيد رسلان -حفظه الله تعالى-.
الْحَمْدُ للهِ وَحْدَهُ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنْ لَا نَبِيَّ بَعْدَهُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، أَمَّا بَعْدُ:
«فَلَمَّا كَانَ الْعِلْمُ هُوَ عِبَادَةَ الْقَلْبِ وَسِرَّ حَيَاتِهِ، وَمَوْطِنَ قُوَّتِهِ كَانَ لِزَامًا عَلَى طَالِبِهِ أَنْ يُحَصِّلَ آدَابَهُ، وَأَنْ يَسْعَى جَاهِدًا مُشَمِّرًا فِي اكْتِسَابِهَا، وَإِلَّا سَارَ مُشَرِّقًا وَسَارَ الْعِلْمُ مُغَرِّبًا، وَكَانَ كَمَا قِيلَ:
سَارَتْ مُشَرِّقَةً وَسِرْتُ مُغَرِّبًا ** شَتَّانَ بَيْنَ مُشَرِّقٍ وَمُغَرِّبِ
عَلَى أَنُهَّ يَنْبَغِي التَّفَطُّنُ إِلَى أَنَّ هَذِهِ الْآدَابَ لَيْسَتْ كَأَيِّ آدَابٍ، بَلْ مِنْهَا مَا هُوَ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ فِي كُلِّ حِينٍ، سَوَاءٌ كَانَ طَالِبًا لِلْعِلْمِ أَمْ لَمْ يَكُنْ.
وَأَحْرَى بِمَنْ نَصَّبَ نَفْسَهُ لِلْعِلْمِ وَتَصَدَّى لَهُ مُتَعَلِّمًا أَوْ مُعَلِّمًا أَنْ يَظْهَرَ عَلَيْهِ أَثَرُ التَّوْحِيدِ وَالْعِبَادَةِ بِالتَّسْلِيمِ الْكَامِلِ لِلشَّرْعِ الْأَغَرِّ وَالْخُضُوعِ الْمُطْلَقِ لِلدِّينِ الْأَعَزِّ.
وَعَلَيْهِ، فَآدَابُ الطَّلَبِ لَا تَنْفَكُّ عَنْ أَصْحَابِ الْعِلْمِ أَبَدًا؛ لِأَنَّهَا مِمَّا دَلَّتْ عَلَيْهِ النُّصُوصُ الْعَامَّةُ وَأَرْشَدَتْ إِلَيْهِ، وَلِأَنَّ مِنْهَا مَا هُوَ مِنَ الْكُلِّيَّاتِ الْعَامَّةِ وَالْقَوَاعِدِ الشَّامِلَةِ فِي الدِّينِ لَا يَسَعُ أَحَدًا أَنْ يَخْرُجَ عَلَيْهَا، أَوْ أَنْ يَنْظُرَ إِلَيْهَا بِغَيْرِ عَيْنِ الِاعْتِبَارِ، وَهِيَ -أَيْ آدَابُ الطَّلَبِ- فِي كُلِّ الْأَحْوَالِ فِي حَقِّ طَالِبِ الْعِلْمِ آكَدُ، وَعَلَيْهِ أَوْجَبُ».
وَهُنَا سُؤَالٌ مُهِمٌّ: وَمَا قِيمَةُ أَنْ يَتَعَلَّمَ الْمُسْلِمُ آدَابَ طَلَبِ الْعِلْمِ فِي هَذَا الْوَاقِعِ الْأَلِيمِ؟!
وَهَذَا سُؤَالٌ وَجِيهٌ لَوْ لَمْ يَحْمِلْ فِي طَيَّاتِهِ بَرَاهِينَ الْفَقْدِ الْوَاضِحِ لِلتَّشْخِيصِ الصَّحِيحِ لِأَدْوَاءِ الْأُمَّةِ وَأَمْرَاضِهَا.
وَمَا تَخْرُجُ أَدْوَاءُ الْأُمَّةِ عَنْ ثَلَاثَةٍ: عَمَلٌ كَثِيرٌ مِنْ غَيْرِ عِلْمٍ، أَوْ عِلْمٌ كَثِيرٌ مِنْ غَيْرِ عَمَلٍ، أَوْ لَا عِلْمَ وَلَا عَمَلَ.
ثُمَّ إِنْ شِئْتَ فَاجْمَعْ هَذِهِ الْأَدْوَاءَ الثَّلَاثَةَ فِي دَاءٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ فَقْدُ ضَبْطِ النِّسْبَةِ بَيْنَ الْعِلْمِ وَالْعَمَلِ أَوْ بَيْنَ الْوَسِيلَةِ وَالْغَايَةِ إِنْ شِئْتَ الْوُصُولَ إِلَى عَيْنِ الْيَقِينِ.
يَا إِخْوَتَاهُ فِي كُلِّ ضَرْبٍ، إِنَّهُ لَنْ يَصْلُحَ آخِرُ هَذِهِ الْأُمَّةِ إِلَّا بِمَا صَلَحَ بِهِ أَوَّلُهَا، وَإِنَّمَا بَدَأَ هَذَا الْأَمْرُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {اقْرَأ}، وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يا أيها المدثر قم فأنذر} وَالْإِنْذَارُ لَا يَكُونُ بِالْجَهْلِ وَلَا بِالْبَاطِلِ، بَلْ بِالْعِلْمِ وَالْيَقِينِ.
وَأَعْرَفُ مَا يَقُولُ الْمُعْتَرِضُونَ، يَقُولُونَ: تَشْغَلُونَ الْأُمَّةَ بِالْفُرُوعِ !
وَنَقُولُ: لَا أَيُّهَا الْأَحِبَّةُ، بَلْ نُمَيِّزُ بَيْنَ الْعِلْمِ الْفَرْضِ الَّذِي هُوَ وَاجِبٌ عَلَى التَّعْيِينِ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ، وَمَا هُوَ عِلْمُ كِفَايَةٍ مَتَى قَامَ بِهِ رَجُلٌ فِي مَحَلَّةٍ سَقَطَ فَرْضُ طَلَبِهِ عَمَّنْ فِيهَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ.
إِنَّمَا نُرِيدُ أَنْ تَعْلَمَ الْأُمَّةُ عِلْمَ الْفَرْضِ الَّذِي يَلْزَمُ أَفْرَادَهَا أَجْمَعِينَ مِنْ مَعْرِفَةِ اللهِ وَالنَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَمَعْرِفَةِ مَا تَلْزَمُ مَعْرِفَتُهُ مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا وَالدِّينِ.
كُلُّ ذَلِكَ مِنْ أَجْلِ أَنْ تُبْعَثَ الْأُمَّةُ عَلَى مُقَوِّمَاتٍ لَا تَقُومُ الْأُمَمُ عَلَى الْإِجْمَالِ إِلَّا عَلَى أَمْثَالِهَا، وَمُقَوِّمَاتٍ تَلْزَمُ أُمَّةَ الْإِسْلَامِ عَلَى وَجْهِ الْخُصُوصِ، مِنْ تَوْحِيدٍ كَامِلٍ وَيَقِينٍ شَامِلٍ وَلُغَةٍ هِيَ عِنْدَ الْمُسْلِمِينَ مِنَ الدِّينِ، وَمَخْبَرٍ يَسُرُّ وَظَاهِرٍ مُنِيرٍ مِنْ غَيْرِ هُمُودٍ، {سيماهم في وجوههم من أثر السجود}.
إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأُمُورِ الْعَظِيمَةِ تَفْسُدُ مِنْ أَجْلِ الْيَسِيرِ مِنَ الْأُمُورِ، وَإِنَّ الْعِلْمَ الَّذِي هُوَ أَوَّلُ مَا يُعْقَدُ عَلَيْهِ الْخِنْصَرُ فِي الدِّينِ وَالْيَقِينِ لَيُفْسِدُهُ اضْطِرَابُ التَّلَقِّي؛ لِفَقْدِ الْآدَابِ مِنَ الشُّدَاةِ وَالْمُتَعَلِّمِينَ»([1]).
وَمِنْ أَهَمِّ الْآدَابِ الَّتِي يَدْرُسُهَا الطَّالِبُ فِي هَذَا الْمُقَرَّرِ مِنْ مُقَرَّرَاتِ جَامِعَةِ مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ:
«وَلَمَّا كَانَتْ مَدَاخِلُ الشَّيْطَانِ فِي الْعَمَلِ تَتَفَاوَتُ عَلَى مِقْدَارِ فَضْلِهِ وَقَدْرِ ثَمَرَتِهِ كَانَتْ مَدَاخِلُ الشَّيْطَانِ فِي الْعِلْمِ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ تُحْصَى وَأَبْعَدَ مِنْ أَنْ تُسْتَقْصَى؛ إِذِ الْعِلْمُ هُوَ أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ قَاطِبَةً.
قَالَ الْغَزَّالِيُّ -هُوَ أَبُو حَامِدٍ -رَحِمَهُ اللهُ-: «وَأَعْظَمُ الْأَشْيَاءِ رُتْبَةً فِي حَقِّ الْآدَمِيِّ السَّعَادَةُ الْأَبَدِيَّةُ، وَأَفْضَلُ الْأَشْيَاءِ مَا هُوَ وَسِيلَةٌ إِلَيْهَا، وَلَنْ يُتَوَصَّلَ إِلَيْهَا إِلَّا بِالْعِلْمِ وَالْعَمَلِ، وَلَا يُتَوَصَّلُ إِلَى الْعَمَلِ إِلَّا بِالْعِلْمِ بِكَيْفِيَّةِ الْعَمَلِ، فَأَصْلُ السَّعَادَةِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ هُوَ الْعِلْمُ، فَهُوَ إِذَنْ أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ».
وَإِذَنْ فَسَبِيلُ الْعِلْمِ مَحْفُوفَةٌ بِالْمَكَارِهِ وَالْمَشَاقِّ، وَمَدَاخِلُ الشَّيْطَانِ فِيهِ لَا يُحْصِيهَا إِلَّا اللهُ تَعَالَى، فَمِنْهَا مَا يُفْسِدُ الْعِلْمَ ذَاتَهُ عَلَى صَاحِبِهِ، وَمِنْهَا مَا يُفْسِدُ الْقَصْدَ وَالْإِرَادَةَ فِيهِ، وَمِنْهَا مَا يُفْسِدُ سَبِيلَ الطَّلَبِ، وَالنَّاجِي مَنْ عَصَمَهُ اللهُ تَعَالَى.
لِذَلِكَ يَنْبَغِي لِطَالِبِ الْعِلْمِ أَنْ يَلْتَفِتَ إِلَى دَرْسِ الْآفَاتِ الَّتِي تَعْرِضُ لِلْعِلْمِ فَتُفْسِدُهُ، أَوْ تُفْسِدُ سَبِيلَ الطَّلَبِ عَلَى طَالِبِهِ، أَوْ تُفْسِدُ الْقَصْدَ وَالْإِرَادَةَ وَالنِّيَّةَ فِيهِ حَتَّى لَا يُلِمَّ شَيْءٌ مِنْهَا بِهِ.
وَالْحَقُّ أَنَّ كَثِيرًا مِنْ هَذِهِ الْآفَاتِ قَدْ نَفَّرَ مِنْهَا الشَّرْعُ مِنْهُ وَرَغَّبَ الدِّينُ عَنْهُ عَلَى إِطْلَاقٍ، وَإِنَّمَا ازْدَادَ تَنْفِيرُ الشَّرْعِ مِنْهُ وَعَظُمَ تَرْغِيبُ الدِّينِ عَنْهُ حَالَ تَعَلُّقِ شَيْءٍ مِنْهُ بِالْعِلْمِ؛ لِأَنَّ الْعِلْمَ هُوَ مَا هُوَ فِي دِينِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَهُوَ الْعِصْمَةُ مِنْ هَذِهِ الْأَدْواَءِ، فَكَيْفَ إِذَا أَصْبَحَ عَيْنَ الدَّاءِ؟ وَهُوَ حَاجِزٌ عَنِ الْوُقُوعِ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْأَهْوَاءِ، فَكَيْفَ إِذَا اتُّخِذَ مَطِيَّةً لِلْبَلَاءِ؟!([2]).
وَطَالِبُ الْعِلْمِ يَدْرُسُ فِي هَذَا الْمُقَرَّرِ مِنْ مُقَرَّرَاتِ جَامِعَةِ مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ آفَاتِ الْعِلْمِ التَّالِيَةِ:
وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الْآفَاتِ الَّتِي تُؤَثِّرُ عَلَى الْعِلْمِ وَطَالِبِه، وَآثَارِ الْعْلِمِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.
[1] مقدمة كتاب آداب طالب العلم لفضيلة الشيخ العلامة محمد بن سعيد رسلان -حفظه الله تعالى-.
[2] مقدمة كتاب آفات العلم لفضيلة الشيخ العلامة محمد بن سعيد رسلان -حفظه الله تعالى-.
الْحَمْدُ للهِ وَحْدَهُ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنْ لَا نَبِيَّ بَعْدَهُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، أَمَّا بَعْدُ:
«فَلَمَّا كَانَ الْعِلْمُ هُوَ عِبَادَةَ الْقَلْبِ وَسِرَّ حَيَاتِهِ، وَمَوْطِنَ قُوَّتِهِ كَانَ لِزَامًا عَلَى طَالِبِهِ أَنْ يُحَصِّلَ آدَابَهُ، وَأَنْ يَسْعَى جَاهِدًا مُشَمِّرًا فِي اكْتِسَابِهَا، وَإِلَّا سَارَ مُشَرِّقًا وَسَارَ الْعِلْمُ مُغَرِّبًا، وَكَانَ كَمَا قِيلَ:
سَارَتْ مُشَرِّقَةً وَسِرْتُ مُغَرِّبًا ** شَتَّانَ بَيْنَ مُشَرِّقٍ وَمُغَرِّبِ
عَلَى أَنُهَّ يَنْبَغِي التَّفَطُّنُ إِلَى أَنَّ هَذِهِ الْآدَابَ لَيْسَتْ كَأَيِّ آدَابٍ، بَلْ مِنْهَا مَا هُوَ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ فِي كُلِّ حِينٍ، سَوَاءٌ كَانَ طَالِبًا لِلْعِلْمِ أَمْ لَمْ يَكُنْ.
وَأَحْرَى بِمَنْ نَصَّبَ نَفْسَهُ لِلْعِلْمِ وَتَصَدَّى لَهُ مُتَعَلِّمًا أَوْ مُعَلِّمًا أَنْ يَظْهَرَ عَلَيْهِ أَثَرُ التَّوْحِيدِ وَالْعِبَادَةِ بِالتَّسْلِيمِ الْكَامِلِ لِلشَّرْعِ الْأَغَرِّ وَالْخُضُوعِ الْمُطْلَقِ لِلدِّينِ الْأَعَزِّ.
وَعَلَيْهِ، فَآدَابُ الطَّلَبِ لَا تَنْفَكُّ عَنْ أَصْحَابِ الْعِلْمِ أَبَدًا؛ لِأَنَّهَا مِمَّا دَلَّتْ عَلَيْهِ النُّصُوصُ الْعَامَّةُ وَأَرْشَدَتْ إِلَيْهِ، وَلِأَنَّ مِنْهَا مَا هُوَ مِنَ الْكُلِّيَّاتِ الْعَامَّةِ وَالْقَوَاعِدِ الشَّامِلَةِ فِي الدِّينِ لَا يَسَعُ أَحَدًا أَنْ يَخْرُجَ عَلَيْهَا، أَوْ أَنْ يَنْظُرَ إِلَيْهَا بِغَيْرِ عَيْنِ الِاعْتِبَارِ، وَهِيَ -أَيْ آدَابُ الطَّلَبِ- فِي كُلِّ الْأَحْوَالِ فِي حَقِّ طَالِبِ الْعِلْمِ آكَدُ، وَعَلَيْهِ أَوْجَبُ».
وَهُنَا سُؤَالٌ مُهِمٌّ: وَمَا قِيمَةُ أَنْ يَتَعَلَّمَ الْمُسْلِمُ آدَابَ طَلَبِ الْعِلْمِ فِي هَذَا الْوَاقِعِ الْأَلِيمِ؟!
وَهَذَا سُؤَالٌ وَجِيهٌ لَوْ لَمْ يَحْمِلْ فِي طَيَّاتِهِ بَرَاهِينَ الْفَقْدِ الْوَاضِحِ لِلتَّشْخِيصِ الصَّحِيحِ لِأَدْوَاءِ الْأُمَّةِ وَأَمْرَاضِهَا.
وَمَا تَخْرُجُ أَدْوَاءُ الْأُمَّةِ عَنْ ثَلَاثَةٍ: عَمَلٌ كَثِيرٌ مِنْ غَيْرِ عِلْمٍ، أَوْ عِلْمٌ كَثِيرٌ مِنْ غَيْرِ عَمَلٍ، أَوْ لَا عِلْمَ وَلَا عَمَلَ.
ثُمَّ إِنْ شِئْتَ فَاجْمَعْ هَذِهِ الْأَدْوَاءَ الثَّلَاثَةَ فِي دَاءٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ فَقْدُ ضَبْطِ النِّسْبَةِ بَيْنَ الْعِلْمِ وَالْعَمَلِ أَوْ بَيْنَ الْوَسِيلَةِ وَالْغَايَةِ إِنْ شِئْتَ الْوُصُولَ إِلَى عَيْنِ الْيَقِينِ.
يَا إِخْوَتَاهُ فِي كُلِّ ضَرْبٍ، إِنَّهُ لَنْ يَصْلُحَ آخِرُ هَذِهِ الْأُمَّةِ إِلَّا بِمَا صَلَحَ بِهِ أَوَّلُهَا، وَإِنَّمَا بَدَأَ هَذَا الْأَمْرُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {اقْرَأ}، وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يا أيها المدثر قم فأنذر} وَالْإِنْذَارُ لَا يَكُونُ بِالْجَهْلِ وَلَا بِالْبَاطِلِ، بَلْ بِالْعِلْمِ وَالْيَقِينِ.
وَأَعْرَفُ مَا يَقُولُ الْمُعْتَرِضُونَ، يَقُولُونَ: تَشْغَلُونَ الْأُمَّةَ بِالْفُرُوعِ !
وَنَقُولُ: لَا أَيُّهَا الْأَحِبَّةُ، بَلْ نُمَيِّزُ بَيْنَ الْعِلْمِ الْفَرْضِ الَّذِي هُوَ وَاجِبٌ عَلَى التَّعْيِينِ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ، وَمَا هُوَ عِلْمُ كِفَايَةٍ مَتَى قَامَ بِهِ رَجُلٌ فِي مَحَلَّةٍ سَقَطَ فَرْضُ طَلَبِهِ عَمَّنْ فِيهَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ.
إِنَّمَا نُرِيدُ أَنْ تَعْلَمَ الْأُمَّةُ عِلْمَ الْفَرْضِ الَّذِي يَلْزَمُ أَفْرَادَهَا أَجْمَعِينَ مِنْ مَعْرِفَةِ اللهِ وَالنَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَمَعْرِفَةِ مَا تَلْزَمُ مَعْرِفَتُهُ مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا وَالدِّينِ.
كُلُّ ذَلِكَ مِنْ أَجْلِ أَنْ تُبْعَثَ الْأُمَّةُ عَلَى مُقَوِّمَاتٍ لَا تَقُومُ الْأُمَمُ عَلَى الْإِجْمَالِ إِلَّا عَلَى أَمْثَالِهَا، وَمُقَوِّمَاتٍ تَلْزَمُ أُمَّةَ الْإِسْلَامِ عَلَى وَجْهِ الْخُصُوصِ، مِنْ تَوْحِيدٍ كَامِلٍ وَيَقِينٍ شَامِلٍ وَلُغَةٍ هِيَ عِنْدَ الْمُسْلِمِينَ مِنَ الدِّينِ، وَمَخْبَرٍ يَسُرُّ وَظَاهِرٍ مُنِيرٍ مِنْ غَيْرِ هُمُودٍ، {سيماهم في وجوههم من أثر السجود}.
إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأُمُورِ الْعَظِيمَةِ تَفْسُدُ مِنْ أَجْلِ الْيَسِيرِ مِنَ الْأُمُورِ، وَإِنَّ الْعِلْمَ الَّذِي هُوَ أَوَّلُ مَا يُعْقَدُ عَلَيْهِ الْخِنْصَرُ فِي الدِّينِ وَالْيَقِينِ لَيُفْسِدُهُ اضْطِرَابُ التَّلَقِّي؛ لِفَقْدِ الْآدَابِ مِنَ الشُّدَاةِ وَالْمُتَعَلِّمِينَ»([1]).
وَمِنْ أَهَمِّ الْآدَابِ الَّتِي يَدْرُسُهَا الطَّالِبُ فِي هَذَا الْمُقَرَّرِ مِنْ مُقَرَّرَاتِ جَامِعَةِ مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ:
«وَلَمَّا كَانَتْ مَدَاخِلُ الشَّيْطَانِ فِي الْعَمَلِ تَتَفَاوَتُ عَلَى مِقْدَارِ فَضْلِهِ وَقَدْرِ ثَمَرَتِهِ كَانَتْ مَدَاخِلُ الشَّيْطَانِ فِي الْعِلْمِ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ تُحْصَى وَأَبْعَدَ مِنْ أَنْ تُسْتَقْصَى؛ إِذِ الْعِلْمُ هُوَ أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ قَاطِبَةً.
قَالَ الْغَزَّالِيُّ -هُوَ أَبُو حَامِدٍ -رَحِمَهُ اللهُ-: «وَأَعْظَمُ الْأَشْيَاءِ رُتْبَةً فِي حَقِّ الْآدَمِيِّ السَّعَادَةُ الْأَبَدِيَّةُ، وَأَفْضَلُ الْأَشْيَاءِ مَا هُوَ وَسِيلَةٌ إِلَيْهَا، وَلَنْ يُتَوَصَّلَ إِلَيْهَا إِلَّا بِالْعِلْمِ وَالْعَمَلِ، وَلَا يُتَوَصَّلُ إِلَى الْعَمَلِ إِلَّا بِالْعِلْمِ بِكَيْفِيَّةِ الْعَمَلِ، فَأَصْلُ السَّعَادَةِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ هُوَ الْعِلْمُ، فَهُوَ إِذَنْ أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ».
وَإِذَنْ فَسَبِيلُ الْعِلْمِ مَحْفُوفَةٌ بِالْمَكَارِهِ وَالْمَشَاقِّ، وَمَدَاخِلُ الشَّيْطَانِ فِيهِ لَا يُحْصِيهَا إِلَّا اللهُ تَعَالَى، فَمِنْهَا مَا يُفْسِدُ الْعِلْمَ ذَاتَهُ عَلَى صَاحِبِهِ، وَمِنْهَا مَا يُفْسِدُ الْقَصْدَ وَالْإِرَادَةَ فِيهِ، وَمِنْهَا مَا يُفْسِدُ سَبِيلَ الطَّلَبِ، وَالنَّاجِي مَنْ عَصَمَهُ اللهُ تَعَالَى.
لِذَلِكَ يَنْبَغِي لِطَالِبِ الْعِلْمِ أَنْ يَلْتَفِتَ إِلَى دَرْسِ الْآفَاتِ الَّتِي تَعْرِضُ لِلْعِلْمِ فَتُفْسِدُهُ، أَوْ تُفْسِدُ سَبِيلَ الطَّلَبِ عَلَى طَالِبِهِ، أَوْ تُفْسِدُ الْقَصْدَ وَالْإِرَادَةَ وَالنِّيَّةَ فِيهِ حَتَّى لَا يُلِمَّ شَيْءٌ مِنْهَا بِهِ.
وَالْحَقُّ أَنَّ كَثِيرًا مِنْ هَذِهِ الْآفَاتِ قَدْ نَفَّرَ مِنْهَا الشَّرْعُ مِنْهُ وَرَغَّبَ الدِّينُ عَنْهُ عَلَى إِطْلَاقٍ، وَإِنَّمَا ازْدَادَ تَنْفِيرُ الشَّرْعِ مِنْهُ وَعَظُمَ تَرْغِيبُ الدِّينِ عَنْهُ حَالَ تَعَلُّقِ شَيْءٍ مِنْهُ بِالْعِلْمِ؛ لِأَنَّ الْعِلْمَ هُوَ مَا هُوَ فِي دِينِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَهُوَ الْعِصْمَةُ مِنْ هَذِهِ الْأَدْواَءِ، فَكَيْفَ إِذَا أَصْبَحَ عَيْنَ الدَّاءِ؟ وَهُوَ حَاجِزٌ عَنِ الْوُقُوعِ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْأَهْوَاءِ، فَكَيْفَ إِذَا اتُّخِذَ مَطِيَّةً لِلْبَلَاءِ؟!([2]).
وَطَالِبُ الْعِلْمِ يَدْرُسُ فِي هَذَا الْمُقَرَّرِ مِنْ مُقَرَّرَاتِ جَامِعَةِ مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ آفَاتِ الْعِلْمِ التَّالِيَةِ:
وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الْآفَاتِ الَّتِي تُؤَثِّرُ عَلَى الْعِلْمِ وَطَالِبِه، وَآثَارِ الْعْلِمِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.
[1] مقدمة كتاب آداب طالب العلم لفضيلة الشيخ العلامة محمد بن سعيد رسلان -حفظه الله تعالى-.
[2] مقدمة كتاب آفات العلم لفضيلة الشيخ العلامة محمد بن سعيد رسلان -حفظه الله تعالى-.
الْحَمْدُ للهِ وَحْدَهُ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنْ لَا نَبِيَّ بَعْدَهُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، أَمَّا بَعْدُ:
«فَلَمَّا كَانَ الْعِلْمُ هُوَ عِبَادَةَ الْقَلْبِ وَسِرَّ حَيَاتِهِ، وَمَوْطِنَ قُوَّتِهِ كَانَ لِزَامًا عَلَى طَالِبِهِ أَنْ يُحَصِّلَ آدَابَهُ، وَأَنْ يَسْعَى جَاهِدًا مُشَمِّرًا فِي اكْتِسَابِهَا، وَإِلَّا سَارَ مُشَرِّقًا وَسَارَ الْعِلْمُ مُغَرِّبًا، وَكَانَ كَمَا قِيلَ:
سَارَتْ مُشَرِّقَةً وَسِرْتُ مُغَرِّبًا ** شَتَّانَ بَيْنَ مُشَرِّقٍ وَمُغَرِّبِ
عَلَى أَنُهَّ يَنْبَغِي التَّفَطُّنُ إِلَى أَنَّ هَذِهِ الْآدَابَ لَيْسَتْ كَأَيِّ آدَابٍ، بَلْ مِنْهَا مَا هُوَ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ فِي كُلِّ حِينٍ، سَوَاءٌ كَانَ طَالِبًا لِلْعِلْمِ أَمْ لَمْ يَكُنْ.
وَأَحْرَى بِمَنْ نَصَّبَ نَفْسَهُ لِلْعِلْمِ وَتَصَدَّى لَهُ مُتَعَلِّمًا أَوْ مُعَلِّمًا أَنْ يَظْهَرَ عَلَيْهِ أَثَرُ التَّوْحِيدِ وَالْعِبَادَةِ بِالتَّسْلِيمِ الْكَامِلِ لِلشَّرْعِ الْأَغَرِّ وَالْخُضُوعِ الْمُطْلَقِ لِلدِّينِ الْأَعَزِّ.
وَعَلَيْهِ، فَآدَابُ الطَّلَبِ لَا تَنْفَكُّ عَنْ أَصْحَابِ الْعِلْمِ أَبَدًا؛ لِأَنَّهَا مِمَّا دَلَّتْ عَلَيْهِ النُّصُوصُ الْعَامَّةُ وَأَرْشَدَتْ إِلَيْهِ، وَلِأَنَّ مِنْهَا مَا هُوَ مِنَ الْكُلِّيَّاتِ الْعَامَّةِ وَالْقَوَاعِدِ الشَّامِلَةِ فِي الدِّينِ لَا يَسَعُ أَحَدًا أَنْ يَخْرُجَ عَلَيْهَا، أَوْ أَنْ يَنْظُرَ إِلَيْهَا بِغَيْرِ عَيْنِ الِاعْتِبَارِ، وَهِيَ -أَيْ آدَابُ الطَّلَبِ- فِي كُلِّ الْأَحْوَالِ فِي حَقِّ طَالِبِ الْعِلْمِ آكَدُ، وَعَلَيْهِ أَوْجَبُ».
وَهُنَا سُؤَالٌ مُهِمٌّ: وَمَا قِيمَةُ أَنْ يَتَعَلَّمَ الْمُسْلِمُ آدَابَ طَلَبِ الْعِلْمِ فِي هَذَا الْوَاقِعِ الْأَلِيمِ؟!
وَهَذَا سُؤَالٌ وَجِيهٌ لَوْ لَمْ يَحْمِلْ فِي طَيَّاتِهِ بَرَاهِينَ الْفَقْدِ الْوَاضِحِ لِلتَّشْخِيصِ الصَّحِيحِ لِأَدْوَاءِ الْأُمَّةِ وَأَمْرَاضِهَا.
وَمَا تَخْرُجُ أَدْوَاءُ الْأُمَّةِ عَنْ ثَلَاثَةٍ: عَمَلٌ كَثِيرٌ مِنْ غَيْرِ عِلْمٍ، أَوْ عِلْمٌ كَثِيرٌ مِنْ غَيْرِ عَمَلٍ، أَوْ لَا عِلْمَ وَلَا عَمَلَ.
ثُمَّ إِنْ شِئْتَ فَاجْمَعْ هَذِهِ الْأَدْوَاءَ الثَّلَاثَةَ فِي دَاءٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ فَقْدُ ضَبْطِ النِّسْبَةِ بَيْنَ الْعِلْمِ وَالْعَمَلِ أَوْ بَيْنَ الْوَسِيلَةِ وَالْغَايَةِ إِنْ شِئْتَ الْوُصُولَ إِلَى عَيْنِ الْيَقِينِ.
يَا إِخْوَتَاهُ فِي كُلِّ ضَرْبٍ، إِنَّهُ لَنْ يَصْلُحَ آخِرُ هَذِهِ الْأُمَّةِ إِلَّا بِمَا صَلَحَ بِهِ أَوَّلُهَا، وَإِنَّمَا بَدَأَ هَذَا الْأَمْرُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {اقْرَأ}، وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يا أيها المدثر قم فأنذر} وَالْإِنْذَارُ لَا يَكُونُ بِالْجَهْلِ وَلَا بِالْبَاطِلِ، بَلْ بِالْعِلْمِ وَالْيَقِينِ.
وَأَعْرَفُ مَا يَقُولُ الْمُعْتَرِضُونَ، يَقُولُونَ: تَشْغَلُونَ الْأُمَّةَ بِالْفُرُوعِ !
وَنَقُولُ: لَا أَيُّهَا الْأَحِبَّةُ، بَلْ نُمَيِّزُ بَيْنَ الْعِلْمِ الْفَرْضِ الَّذِي هُوَ وَاجِبٌ عَلَى التَّعْيِينِ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ، وَمَا هُوَ عِلْمُ كِفَايَةٍ مَتَى قَامَ بِهِ رَجُلٌ فِي مَحَلَّةٍ سَقَطَ فَرْضُ طَلَبِهِ عَمَّنْ فِيهَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ.
إِنَّمَا نُرِيدُ أَنْ تَعْلَمَ الْأُمَّةُ عِلْمَ الْفَرْضِ الَّذِي يَلْزَمُ أَفْرَادَهَا أَجْمَعِينَ مِنْ مَعْرِفَةِ اللهِ وَالنَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَمَعْرِفَةِ مَا تَلْزَمُ مَعْرِفَتُهُ مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا وَالدِّينِ.
كُلُّ ذَلِكَ مِنْ أَجْلِ أَنْ تُبْعَثَ الْأُمَّةُ عَلَى مُقَوِّمَاتٍ لَا تَقُومُ الْأُمَمُ عَلَى الْإِجْمَالِ إِلَّا عَلَى أَمْثَالِهَا، وَمُقَوِّمَاتٍ تَلْزَمُ أُمَّةَ الْإِسْلَامِ عَلَى وَجْهِ الْخُصُوصِ، مِنْ تَوْحِيدٍ كَامِلٍ وَيَقِينٍ شَامِلٍ وَلُغَةٍ هِيَ عِنْدَ الْمُسْلِمِينَ مِنَ الدِّينِ، وَمَخْبَرٍ يَسُرُّ وَظَاهِرٍ مُنِيرٍ مِنْ غَيْرِ هُمُودٍ، {سيماهم في وجوههم من أثر السجود}.
إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأُمُورِ الْعَظِيمَةِ تَفْسُدُ مِنْ أَجْلِ الْيَسِيرِ مِنَ الْأُمُورِ، وَإِنَّ الْعِلْمَ الَّذِي هُوَ أَوَّلُ مَا يُعْقَدُ عَلَيْهِ الْخِنْصَرُ فِي الدِّينِ وَالْيَقِينِ لَيُفْسِدُهُ اضْطِرَابُ التَّلَقِّي؛ لِفَقْدِ الْآدَابِ مِنَ الشُّدَاةِ وَالْمُتَعَلِّمِينَ»([1]).
وَمِنْ أَهَمِّ الْآدَابِ الَّتِي يَدْرُسُهَا الطَّالِبُ فِي هَذَا الْمُقَرَّرِ مِنْ مُقَرَّرَاتِ جَامِعَةِ مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ:
«وَلَمَّا كَانَتْ مَدَاخِلُ الشَّيْطَانِ فِي الْعَمَلِ تَتَفَاوَتُ عَلَى مِقْدَارِ فَضْلِهِ وَقَدْرِ ثَمَرَتِهِ كَانَتْ مَدَاخِلُ الشَّيْطَانِ فِي الْعِلْمِ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ تُحْصَى وَأَبْعَدَ مِنْ أَنْ تُسْتَقْصَى؛ إِذِ الْعِلْمُ هُوَ أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ قَاطِبَةً.
قَالَ الْغَزَّالِيُّ -هُوَ أَبُو حَامِدٍ -رَحِمَهُ اللهُ-: «وَأَعْظَمُ الْأَشْيَاءِ رُتْبَةً فِي حَقِّ الْآدَمِيِّ السَّعَادَةُ الْأَبَدِيَّةُ، وَأَفْضَلُ الْأَشْيَاءِ مَا هُوَ وَسِيلَةٌ إِلَيْهَا، وَلَنْ يُتَوَصَّلَ إِلَيْهَا إِلَّا بِالْعِلْمِ وَالْعَمَلِ، وَلَا يُتَوَصَّلُ إِلَى الْعَمَلِ إِلَّا بِالْعِلْمِ بِكَيْفِيَّةِ الْعَمَلِ، فَأَصْلُ السَّعَادَةِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ هُوَ الْعِلْمُ، فَهُوَ إِذَنْ أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ».
وَإِذَنْ فَسَبِيلُ الْعِلْمِ مَحْفُوفَةٌ بِالْمَكَارِهِ وَالْمَشَاقِّ، وَمَدَاخِلُ الشَّيْطَانِ فِيهِ لَا يُحْصِيهَا إِلَّا اللهُ تَعَالَى، فَمِنْهَا مَا يُفْسِدُ الْعِلْمَ ذَاتَهُ عَلَى صَاحِبِهِ، وَمِنْهَا مَا يُفْسِدُ الْقَصْدَ وَالْإِرَادَةَ فِيهِ، وَمِنْهَا مَا يُفْسِدُ سَبِيلَ الطَّلَبِ، وَالنَّاجِي مَنْ عَصَمَهُ اللهُ تَعَالَى.
لِذَلِكَ يَنْبَغِي لِطَالِبِ الْعِلْمِ أَنْ يَلْتَفِتَ إِلَى دَرْسِ الْآفَاتِ الَّتِي تَعْرِضُ لِلْعِلْمِ فَتُفْسِدُهُ، أَوْ تُفْسِدُ سَبِيلَ الطَّلَبِ عَلَى طَالِبِهِ، أَوْ تُفْسِدُ الْقَصْدَ وَالْإِرَادَةَ وَالنِّيَّةَ فِيهِ حَتَّى لَا يُلِمَّ شَيْءٌ مِنْهَا بِهِ.
وَالْحَقُّ أَنَّ كَثِيرًا مِنْ هَذِهِ الْآفَاتِ قَدْ نَفَّرَ مِنْهَا الشَّرْعُ مِنْهُ وَرَغَّبَ الدِّينُ عَنْهُ عَلَى إِطْلَاقٍ، وَإِنَّمَا ازْدَادَ تَنْفِيرُ الشَّرْعِ مِنْهُ وَعَظُمَ تَرْغِيبُ الدِّينِ عَنْهُ حَالَ تَعَلُّقِ شَيْءٍ مِنْهُ بِالْعِلْمِ؛ لِأَنَّ الْعِلْمَ هُوَ مَا هُوَ فِي دِينِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَهُوَ الْعِصْمَةُ مِنْ هَذِهِ الْأَدْواَءِ، فَكَيْفَ إِذَا أَصْبَحَ عَيْنَ الدَّاءِ؟ وَهُوَ حَاجِزٌ عَنِ الْوُقُوعِ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْأَهْوَاءِ، فَكَيْفَ إِذَا اتُّخِذَ مَطِيَّةً لِلْبَلَاءِ؟!([2]).
وَطَالِبُ الْعِلْمِ يَدْرُسُ فِي هَذَا الْمُقَرَّرِ مِنْ مُقَرَّرَاتِ جَامِعَةِ مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ آفَاتِ الْعِلْمِ التَّالِيَةِ:
وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الْآفَاتِ الَّتِي تُؤَثِّرُ عَلَى الْعِلْمِ وَطَالِبِه، وَآثَارِ الْعْلِمِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.
[1] مقدمة كتاب آداب طالب العلم لفضيلة الشيخ العلامة محمد بن سعيد رسلان -حفظه الله تعالى-.
[2] مقدمة كتاب آفات العلم لفضيلة الشيخ العلامة محمد بن سعيد رسلان -حفظه الله تعالى-.
الْحَمْدُ للهِ وَحْدَهُ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنْ لَا نَبِيَّ بَعْدَهُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، أَمَّا بَعْدُ:
«فَلَمَّا كَانَ الْعِلْمُ هُوَ عِبَادَةَ الْقَلْبِ وَسِرَّ حَيَاتِهِ، وَمَوْطِنَ قُوَّتِهِ كَانَ لِزَامًا عَلَى طَالِبِهِ أَنْ يُحَصِّلَ آدَابَهُ، وَأَنْ يَسْعَى جَاهِدًا مُشَمِّرًا فِي اكْتِسَابِهَا، وَإِلَّا سَارَ مُشَرِّقًا وَسَارَ الْعِلْمُ مُغَرِّبًا، وَكَانَ كَمَا قِيلَ:
سَارَتْ مُشَرِّقَةً وَسِرْتُ مُغَرِّبًا ** شَتَّانَ بَيْنَ مُشَرِّقٍ وَمُغَرِّبِ
عَلَى أَنُهَّ يَنْبَغِي التَّفَطُّنُ إِلَى أَنَّ هَذِهِ الْآدَابَ لَيْسَتْ كَأَيِّ آدَابٍ، بَلْ مِنْهَا مَا هُوَ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ فِي كُلِّ حِينٍ، سَوَاءٌ كَانَ طَالِبًا لِلْعِلْمِ أَمْ لَمْ يَكُنْ.
وَأَحْرَى بِمَنْ نَصَّبَ نَفْسَهُ لِلْعِلْمِ وَتَصَدَّى لَهُ مُتَعَلِّمًا أَوْ مُعَلِّمًا أَنْ يَظْهَرَ عَلَيْهِ أَثَرُ التَّوْحِيدِ وَالْعِبَادَةِ بِالتَّسْلِيمِ الْكَامِلِ لِلشَّرْعِ الْأَغَرِّ وَالْخُضُوعِ الْمُطْلَقِ لِلدِّينِ الْأَعَزِّ.
وَعَلَيْهِ، فَآدَابُ الطَّلَبِ لَا تَنْفَكُّ عَنْ أَصْحَابِ الْعِلْمِ أَبَدًا؛ لِأَنَّهَا مِمَّا دَلَّتْ عَلَيْهِ النُّصُوصُ الْعَامَّةُ وَأَرْشَدَتْ إِلَيْهِ، وَلِأَنَّ مِنْهَا مَا هُوَ مِنَ الْكُلِّيَّاتِ الْعَامَّةِ وَالْقَوَاعِدِ الشَّامِلَةِ فِي الدِّينِ لَا يَسَعُ أَحَدًا أَنْ يَخْرُجَ عَلَيْهَا، أَوْ أَنْ يَنْظُرَ إِلَيْهَا بِغَيْرِ عَيْنِ الِاعْتِبَارِ، وَهِيَ -أَيْ آدَابُ الطَّلَبِ- فِي كُلِّ الْأَحْوَالِ فِي حَقِّ طَالِبِ الْعِلْمِ آكَدُ، وَعَلَيْهِ أَوْجَبُ».
وَهُنَا سُؤَالٌ مُهِمٌّ: وَمَا قِيمَةُ أَنْ يَتَعَلَّمَ الْمُسْلِمُ آدَابَ طَلَبِ الْعِلْمِ فِي هَذَا الْوَاقِعِ الْأَلِيمِ؟!
وَهَذَا سُؤَالٌ وَجِيهٌ لَوْ لَمْ يَحْمِلْ فِي طَيَّاتِهِ بَرَاهِينَ الْفَقْدِ الْوَاضِحِ لِلتَّشْخِيصِ الصَّحِيحِ لِأَدْوَاءِ الْأُمَّةِ وَأَمْرَاضِهَا.
وَمَا تَخْرُجُ أَدْوَاءُ الْأُمَّةِ عَنْ ثَلَاثَةٍ: عَمَلٌ كَثِيرٌ مِنْ غَيْرِ عِلْمٍ، أَوْ عِلْمٌ كَثِيرٌ مِنْ غَيْرِ عَمَلٍ، أَوْ لَا عِلْمَ وَلَا عَمَلَ.
ثُمَّ إِنْ شِئْتَ فَاجْمَعْ هَذِهِ الْأَدْوَاءَ الثَّلَاثَةَ فِي دَاءٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ فَقْدُ ضَبْطِ النِّسْبَةِ بَيْنَ الْعِلْمِ وَالْعَمَلِ أَوْ بَيْنَ الْوَسِيلَةِ وَالْغَايَةِ إِنْ شِئْتَ الْوُصُولَ إِلَى عَيْنِ الْيَقِينِ.
يَا إِخْوَتَاهُ فِي كُلِّ ضَرْبٍ، إِنَّهُ لَنْ يَصْلُحَ آخِرُ هَذِهِ الْأُمَّةِ إِلَّا بِمَا صَلَحَ بِهِ أَوَّلُهَا، وَإِنَّمَا بَدَأَ هَذَا الْأَمْرُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {اقْرَأ}، وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يا أيها المدثر قم فأنذر} وَالْإِنْذَارُ لَا يَكُونُ بِالْجَهْلِ وَلَا بِالْبَاطِلِ، بَلْ بِالْعِلْمِ وَالْيَقِينِ.
وَأَعْرَفُ مَا يَقُولُ الْمُعْتَرِضُونَ، يَقُولُونَ: تَشْغَلُونَ الْأُمَّةَ بِالْفُرُوعِ !
وَنَقُولُ: لَا أَيُّهَا الْأَحِبَّةُ، بَلْ نُمَيِّزُ بَيْنَ الْعِلْمِ الْفَرْضِ الَّذِي هُوَ وَاجِبٌ عَلَى التَّعْيِينِ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ، وَمَا هُوَ عِلْمُ كِفَايَةٍ مَتَى قَامَ بِهِ رَجُلٌ فِي مَحَلَّةٍ سَقَطَ فَرْضُ طَلَبِهِ عَمَّنْ فِيهَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ.
إِنَّمَا نُرِيدُ أَنْ تَعْلَمَ الْأُمَّةُ عِلْمَ الْفَرْضِ الَّذِي يَلْزَمُ أَفْرَادَهَا أَجْمَعِينَ مِنْ مَعْرِفَةِ اللهِ وَالنَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَمَعْرِفَةِ مَا تَلْزَمُ مَعْرِفَتُهُ مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا وَالدِّينِ.
كُلُّ ذَلِكَ مِنْ أَجْلِ أَنْ تُبْعَثَ الْأُمَّةُ عَلَى مُقَوِّمَاتٍ لَا تَقُومُ الْأُمَمُ عَلَى الْإِجْمَالِ إِلَّا عَلَى أَمْثَالِهَا، وَمُقَوِّمَاتٍ تَلْزَمُ أُمَّةَ الْإِسْلَامِ عَلَى وَجْهِ الْخُصُوصِ، مِنْ تَوْحِيدٍ كَامِلٍ وَيَقِينٍ شَامِلٍ وَلُغَةٍ هِيَ عِنْدَ الْمُسْلِمِينَ مِنَ الدِّينِ، وَمَخْبَرٍ يَسُرُّ وَظَاهِرٍ مُنِيرٍ مِنْ غَيْرِ هُمُودٍ، {سيماهم في وجوههم من أثر السجود}.
إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأُمُورِ الْعَظِيمَةِ تَفْسُدُ مِنْ أَجْلِ الْيَسِيرِ مِنَ الْأُمُورِ، وَإِنَّ الْعِلْمَ الَّذِي هُوَ أَوَّلُ مَا يُعْقَدُ عَلَيْهِ الْخِنْصَرُ فِي الدِّينِ وَالْيَقِينِ لَيُفْسِدُهُ اضْطِرَابُ التَّلَقِّي؛ لِفَقْدِ الْآدَابِ مِنَ الشُّدَاةِ وَالْمُتَعَلِّمِينَ»([1]).
وَمِنْ أَهَمِّ الْآدَابِ الَّتِي يَدْرُسُهَا الطَّالِبُ فِي هَذَا الْمُقَرَّرِ مِنْ مُقَرَّرَاتِ جَامِعَةِ مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ:
«وَلَمَّا كَانَتْ مَدَاخِلُ الشَّيْطَانِ فِي الْعَمَلِ تَتَفَاوَتُ عَلَى مِقْدَارِ فَضْلِهِ وَقَدْرِ ثَمَرَتِهِ كَانَتْ مَدَاخِلُ الشَّيْطَانِ فِي الْعِلْمِ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ تُحْصَى وَأَبْعَدَ مِنْ أَنْ تُسْتَقْصَى؛ إِذِ الْعِلْمُ هُوَ أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ قَاطِبَةً.
قَالَ الْغَزَّالِيُّ -هُوَ أَبُو حَامِدٍ -رَحِمَهُ اللهُ-: «وَأَعْظَمُ الْأَشْيَاءِ رُتْبَةً فِي حَقِّ الْآدَمِيِّ السَّعَادَةُ الْأَبَدِيَّةُ، وَأَفْضَلُ الْأَشْيَاءِ مَا هُوَ وَسِيلَةٌ إِلَيْهَا، وَلَنْ يُتَوَصَّلَ إِلَيْهَا إِلَّا بِالْعِلْمِ وَالْعَمَلِ، وَلَا يُتَوَصَّلُ إِلَى الْعَمَلِ إِلَّا بِالْعِلْمِ بِكَيْفِيَّةِ الْعَمَلِ، فَأَصْلُ السَّعَادَةِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ هُوَ الْعِلْمُ، فَهُوَ إِذَنْ أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ».
وَإِذَنْ فَسَبِيلُ الْعِلْمِ مَحْفُوفَةٌ بِالْمَكَارِهِ وَالْمَشَاقِّ، وَمَدَاخِلُ الشَّيْطَانِ فِيهِ لَا يُحْصِيهَا إِلَّا اللهُ تَعَالَى، فَمِنْهَا مَا يُفْسِدُ الْعِلْمَ ذَاتَهُ عَلَى صَاحِبِهِ، وَمِنْهَا مَا يُفْسِدُ الْقَصْدَ وَالْإِرَادَةَ فِيهِ، وَمِنْهَا مَا يُفْسِدُ سَبِيلَ الطَّلَبِ، وَالنَّاجِي مَنْ عَصَمَهُ اللهُ تَعَالَى.
لِذَلِكَ يَنْبَغِي لِطَالِبِ الْعِلْمِ أَنْ يَلْتَفِتَ إِلَى دَرْسِ الْآفَاتِ الَّتِي تَعْرِضُ لِلْعِلْمِ فَتُفْسِدُهُ، أَوْ تُفْسِدُ سَبِيلَ الطَّلَبِ عَلَى طَالِبِهِ، أَوْ تُفْسِدُ الْقَصْدَ وَالْإِرَادَةَ وَالنِّيَّةَ فِيهِ حَتَّى لَا يُلِمَّ شَيْءٌ مِنْهَا بِهِ.
وَالْحَقُّ أَنَّ كَثِيرًا مِنْ هَذِهِ الْآفَاتِ قَدْ نَفَّرَ مِنْهَا الشَّرْعُ مِنْهُ وَرَغَّبَ الدِّينُ عَنْهُ عَلَى إِطْلَاقٍ، وَإِنَّمَا ازْدَادَ تَنْفِيرُ الشَّرْعِ مِنْهُ وَعَظُمَ تَرْغِيبُ الدِّينِ عَنْهُ حَالَ تَعَلُّقِ شَيْءٍ مِنْهُ بِالْعِلْمِ؛ لِأَنَّ الْعِلْمَ هُوَ مَا هُوَ فِي دِينِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَهُوَ الْعِصْمَةُ مِنْ هَذِهِ الْأَدْواَءِ، فَكَيْفَ إِذَا أَصْبَحَ عَيْنَ الدَّاءِ؟ وَهُوَ حَاجِزٌ عَنِ الْوُقُوعِ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْأَهْوَاءِ، فَكَيْفَ إِذَا اتُّخِذَ مَطِيَّةً لِلْبَلَاءِ؟!([2]).
وَطَالِبُ الْعِلْمِ يَدْرُسُ فِي هَذَا الْمُقَرَّرِ مِنْ مُقَرَّرَاتِ جَامِعَةِ مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ آفَاتِ الْعِلْمِ التَّالِيَةِ:
وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الْآفَاتِ الَّتِي تُؤَثِّرُ عَلَى الْعِلْمِ وَطَالِبِه، وَآثَارِ الْعْلِمِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.
[1] مقدمة كتاب آداب طالب العلم لفضيلة الشيخ العلامة محمد بن سعيد رسلان -حفظه الله تعالى-.
[2] مقدمة كتاب آفات العلم لفضيلة الشيخ العلامة محمد بن سعيد رسلان -حفظه الله تعالى-.
الْحَمْدُ للهِ وَحْدَهُ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنْ لَا نَبِيَّ بَعْدَهُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، أَمَّا بَعْدُ:
«فَلَمَّا كَانَ الْعِلْمُ هُوَ عِبَادَةَ الْقَلْبِ وَسِرَّ حَيَاتِهِ، وَمَوْطِنَ قُوَّتِهِ كَانَ لِزَامًا عَلَى طَالِبِهِ أَنْ يُحَصِّلَ آدَابَهُ، وَأَنْ يَسْعَى جَاهِدًا مُشَمِّرًا فِي اكْتِسَابِهَا، وَإِلَّا سَارَ مُشَرِّقًا وَسَارَ الْعِلْمُ مُغَرِّبًا، وَكَانَ كَمَا قِيلَ:
سَارَتْ مُشَرِّقَةً وَسِرْتُ مُغَرِّبًا ** شَتَّانَ بَيْنَ مُشَرِّقٍ وَمُغَرِّبِ
عَلَى أَنُهَّ يَنْبَغِي التَّفَطُّنُ إِلَى أَنَّ هَذِهِ الْآدَابَ لَيْسَتْ كَأَيِّ آدَابٍ، بَلْ مِنْهَا مَا هُوَ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ فِي كُلِّ حِينٍ، سَوَاءٌ كَانَ طَالِبًا لِلْعِلْمِ أَمْ لَمْ يَكُنْ.
وَأَحْرَى بِمَنْ نَصَّبَ نَفْسَهُ لِلْعِلْمِ وَتَصَدَّى لَهُ مُتَعَلِّمًا أَوْ مُعَلِّمًا أَنْ يَظْهَرَ عَلَيْهِ أَثَرُ التَّوْحِيدِ وَالْعِبَادَةِ بِالتَّسْلِيمِ الْكَامِلِ لِلشَّرْعِ الْأَغَرِّ وَالْخُضُوعِ الْمُطْلَقِ لِلدِّينِ الْأَعَزِّ.
وَعَلَيْهِ، فَآدَابُ الطَّلَبِ لَا تَنْفَكُّ عَنْ أَصْحَابِ الْعِلْمِ أَبَدًا؛ لِأَنَّهَا مِمَّا دَلَّتْ عَلَيْهِ النُّصُوصُ الْعَامَّةُ وَأَرْشَدَتْ إِلَيْهِ، وَلِأَنَّ مِنْهَا مَا هُوَ مِنَ الْكُلِّيَّاتِ الْعَامَّةِ وَالْقَوَاعِدِ الشَّامِلَةِ فِي الدِّينِ لَا يَسَعُ أَحَدًا أَنْ يَخْرُجَ عَلَيْهَا، أَوْ أَنْ يَنْظُرَ إِلَيْهَا بِغَيْرِ عَيْنِ الِاعْتِبَارِ، وَهِيَ -أَيْ آدَابُ الطَّلَبِ- فِي كُلِّ الْأَحْوَالِ فِي حَقِّ طَالِبِ الْعِلْمِ آكَدُ، وَعَلَيْهِ أَوْجَبُ».
وَهُنَا سُؤَالٌ مُهِمٌّ: وَمَا قِيمَةُ أَنْ يَتَعَلَّمَ الْمُسْلِمُ آدَابَ طَلَبِ الْعِلْمِ فِي هَذَا الْوَاقِعِ الْأَلِيمِ؟!
وَهَذَا سُؤَالٌ وَجِيهٌ لَوْ لَمْ يَحْمِلْ فِي طَيَّاتِهِ بَرَاهِينَ الْفَقْدِ الْوَاضِحِ لِلتَّشْخِيصِ الصَّحِيحِ لِأَدْوَاءِ الْأُمَّةِ وَأَمْرَاضِهَا.
وَمَا تَخْرُجُ أَدْوَاءُ الْأُمَّةِ عَنْ ثَلَاثَةٍ: عَمَلٌ كَثِيرٌ مِنْ غَيْرِ عِلْمٍ، أَوْ عِلْمٌ كَثِيرٌ مِنْ غَيْرِ عَمَلٍ، أَوْ لَا عِلْمَ وَلَا عَمَلَ.
ثُمَّ إِنْ شِئْتَ فَاجْمَعْ هَذِهِ الْأَدْوَاءَ الثَّلَاثَةَ فِي دَاءٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ فَقْدُ ضَبْطِ النِّسْبَةِ بَيْنَ الْعِلْمِ وَالْعَمَلِ أَوْ بَيْنَ الْوَسِيلَةِ وَالْغَايَةِ إِنْ شِئْتَ الْوُصُولَ إِلَى عَيْنِ الْيَقِينِ.
يَا إِخْوَتَاهُ فِي كُلِّ ضَرْبٍ، إِنَّهُ لَنْ يَصْلُحَ آخِرُ هَذِهِ الْأُمَّةِ إِلَّا بِمَا صَلَحَ بِهِ أَوَّلُهَا، وَإِنَّمَا بَدَأَ هَذَا الْأَمْرُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {اقْرَأ}، وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يا أيها المدثر قم فأنذر} وَالْإِنْذَارُ لَا يَكُونُ بِالْجَهْلِ وَلَا بِالْبَاطِلِ، بَلْ بِالْعِلْمِ وَالْيَقِينِ.
وَأَعْرَفُ مَا يَقُولُ الْمُعْتَرِضُونَ، يَقُولُونَ: تَشْغَلُونَ الْأُمَّةَ بِالْفُرُوعِ !
وَنَقُولُ: لَا أَيُّهَا الْأَحِبَّةُ، بَلْ نُمَيِّزُ بَيْنَ الْعِلْمِ الْفَرْضِ الَّذِي هُوَ وَاجِبٌ عَلَى التَّعْيِينِ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ، وَمَا هُوَ عِلْمُ كِفَايَةٍ مَتَى قَامَ بِهِ رَجُلٌ فِي مَحَلَّةٍ سَقَطَ فَرْضُ طَلَبِهِ عَمَّنْ فِيهَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ.
إِنَّمَا نُرِيدُ أَنْ تَعْلَمَ الْأُمَّةُ عِلْمَ الْفَرْضِ الَّذِي يَلْزَمُ أَفْرَادَهَا أَجْمَعِينَ مِنْ مَعْرِفَةِ اللهِ وَالنَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَمَعْرِفَةِ مَا تَلْزَمُ مَعْرِفَتُهُ مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا وَالدِّينِ.
كُلُّ ذَلِكَ مِنْ أَجْلِ أَنْ تُبْعَثَ الْأُمَّةُ عَلَى مُقَوِّمَاتٍ لَا تَقُومُ الْأُمَمُ عَلَى الْإِجْمَالِ إِلَّا عَلَى أَمْثَالِهَا، وَمُقَوِّمَاتٍ تَلْزَمُ أُمَّةَ الْإِسْلَامِ عَلَى وَجْهِ الْخُصُوصِ، مِنْ تَوْحِيدٍ كَامِلٍ وَيَقِينٍ شَامِلٍ وَلُغَةٍ هِيَ عِنْدَ الْمُسْلِمِينَ مِنَ الدِّينِ، وَمَخْبَرٍ يَسُرُّ وَظَاهِرٍ مُنِيرٍ مِنْ غَيْرِ هُمُودٍ، {سيماهم في وجوههم من أثر السجود}.
إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأُمُورِ الْعَظِيمَةِ تَفْسُدُ مِنْ أَجْلِ الْيَسِيرِ مِنَ الْأُمُورِ، وَإِنَّ الْعِلْمَ الَّذِي هُوَ أَوَّلُ مَا يُعْقَدُ عَلَيْهِ الْخِنْصَرُ فِي الدِّينِ وَالْيَقِينِ لَيُفْسِدُهُ اضْطِرَابُ التَّلَقِّي؛ لِفَقْدِ الْآدَابِ مِنَ الشُّدَاةِ وَالْمُتَعَلِّمِينَ»([1]).
وَمِنْ أَهَمِّ الْآدَابِ الَّتِي يَدْرُسُهَا الطَّالِبُ فِي هَذَا الْمُقَرَّرِ مِنْ مُقَرَّرَاتِ جَامِعَةِ مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ:
«وَلَمَّا كَانَتْ مَدَاخِلُ الشَّيْطَانِ فِي الْعَمَلِ تَتَفَاوَتُ عَلَى مِقْدَارِ فَضْلِهِ وَقَدْرِ ثَمَرَتِهِ كَانَتْ مَدَاخِلُ الشَّيْطَانِ فِي الْعِلْمِ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ تُحْصَى وَأَبْعَدَ مِنْ أَنْ تُسْتَقْصَى؛ إِذِ الْعِلْمُ هُوَ أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ قَاطِبَةً.
قَالَ الْغَزَّالِيُّ -هُوَ أَبُو حَامِدٍ -رَحِمَهُ اللهُ-: «وَأَعْظَمُ الْأَشْيَاءِ رُتْبَةً فِي حَقِّ الْآدَمِيِّ السَّعَادَةُ الْأَبَدِيَّةُ، وَأَفْضَلُ الْأَشْيَاءِ مَا هُوَ وَسِيلَةٌ إِلَيْهَا، وَلَنْ يُتَوَصَّلَ إِلَيْهَا إِلَّا بِالْعِلْمِ وَالْعَمَلِ، وَلَا يُتَوَصَّلُ إِلَى الْعَمَلِ إِلَّا بِالْعِلْمِ بِكَيْفِيَّةِ الْعَمَلِ، فَأَصْلُ السَّعَادَةِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ هُوَ الْعِلْمُ، فَهُوَ إِذَنْ أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ».
وَإِذَنْ فَسَبِيلُ الْعِلْمِ مَحْفُوفَةٌ بِالْمَكَارِهِ وَالْمَشَاقِّ، وَمَدَاخِلُ الشَّيْطَانِ فِيهِ لَا يُحْصِيهَا إِلَّا اللهُ تَعَالَى، فَمِنْهَا مَا يُفْسِدُ الْعِلْمَ ذَاتَهُ عَلَى صَاحِبِهِ، وَمِنْهَا مَا يُفْسِدُ الْقَصْدَ وَالْإِرَادَةَ فِيهِ، وَمِنْهَا مَا يُفْسِدُ سَبِيلَ الطَّلَبِ، وَالنَّاجِي مَنْ عَصَمَهُ اللهُ تَعَالَى.
لِذَلِكَ يَنْبَغِي لِطَالِبِ الْعِلْمِ أَنْ يَلْتَفِتَ إِلَى دَرْسِ الْآفَاتِ الَّتِي تَعْرِضُ لِلْعِلْمِ فَتُفْسِدُهُ، أَوْ تُفْسِدُ سَبِيلَ الطَّلَبِ عَلَى طَالِبِهِ، أَوْ تُفْسِدُ الْقَصْدَ وَالْإِرَادَةَ وَالنِّيَّةَ فِيهِ حَتَّى لَا يُلِمَّ شَيْءٌ مِنْهَا بِهِ.
وَالْحَقُّ أَنَّ كَثِيرًا مِنْ هَذِهِ الْآفَاتِ قَدْ نَفَّرَ مِنْهَا الشَّرْعُ مِنْهُ وَرَغَّبَ الدِّينُ عَنْهُ عَلَى إِطْلَاقٍ، وَإِنَّمَا ازْدَادَ تَنْفِيرُ الشَّرْعِ مِنْهُ وَعَظُمَ تَرْغِيبُ الدِّينِ عَنْهُ حَالَ تَعَلُّقِ شَيْءٍ مِنْهُ بِالْعِلْمِ؛ لِأَنَّ الْعِلْمَ هُوَ مَا هُوَ فِي دِينِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَهُوَ الْعِصْمَةُ مِنْ هَذِهِ الْأَدْواَءِ، فَكَيْفَ إِذَا أَصْبَحَ عَيْنَ الدَّاءِ؟ وَهُوَ حَاجِزٌ عَنِ الْوُقُوعِ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْأَهْوَاءِ، فَكَيْفَ إِذَا اتُّخِذَ مَطِيَّةً لِلْبَلَاءِ؟!([2]).
وَطَالِبُ الْعِلْمِ يَدْرُسُ فِي هَذَا الْمُقَرَّرِ مِنْ مُقَرَّرَاتِ جَامِعَةِ مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ آفَاتِ الْعِلْمِ التَّالِيَةِ:
وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الْآفَاتِ الَّتِي تُؤَثِّرُ عَلَى الْعِلْمِ وَطَالِبِه، وَآثَارِ الْعْلِمِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.
[1] مقدمة كتاب آداب طالب العلم لفضيلة الشيخ العلامة محمد بن سعيد رسلان -حفظه الله تعالى-.
[2] مقدمة كتاب آفات العلم لفضيلة الشيخ العلامة محمد بن سعيد رسلان -حفظه الله تعالى-.
الْحَمْدُ للهِ وَحْدَهُ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنْ لَا نَبِيَّ بَعْدَهُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، أَمَّا بَعْدُ:
«فَلَمَّا كَانَ الْعِلْمُ هُوَ عِبَادَةَ الْقَلْبِ وَسِرَّ حَيَاتِهِ، وَمَوْطِنَ قُوَّتِهِ كَانَ لِزَامًا عَلَى طَالِبِهِ أَنْ يُحَصِّلَ آدَابَهُ، وَأَنْ يَسْعَى جَاهِدًا مُشَمِّرًا فِي اكْتِسَابِهَا، وَإِلَّا سَارَ مُشَرِّقًا وَسَارَ الْعِلْمُ مُغَرِّبًا، وَكَانَ كَمَا قِيلَ:
سَارَتْ مُشَرِّقَةً وَسِرْتُ مُغَرِّبًا ** شَتَّانَ بَيْنَ مُشَرِّقٍ وَمُغَرِّبِ
عَلَى أَنُهَّ يَنْبَغِي التَّفَطُّنُ إِلَى أَنَّ هَذِهِ الْآدَابَ لَيْسَتْ كَأَيِّ آدَابٍ، بَلْ مِنْهَا مَا هُوَ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ فِي كُلِّ حِينٍ، سَوَاءٌ كَانَ طَالِبًا لِلْعِلْمِ أَمْ لَمْ يَكُنْ.
وَأَحْرَى بِمَنْ نَصَّبَ نَفْسَهُ لِلْعِلْمِ وَتَصَدَّى لَهُ مُتَعَلِّمًا أَوْ مُعَلِّمًا أَنْ يَظْهَرَ عَلَيْهِ أَثَرُ التَّوْحِيدِ وَالْعِبَادَةِ بِالتَّسْلِيمِ الْكَامِلِ لِلشَّرْعِ الْأَغَرِّ وَالْخُضُوعِ الْمُطْلَقِ لِلدِّينِ الْأَعَزِّ.
وَعَلَيْهِ، فَآدَابُ الطَّلَبِ لَا تَنْفَكُّ عَنْ أَصْحَابِ الْعِلْمِ أَبَدًا؛ لِأَنَّهَا مِمَّا دَلَّتْ عَلَيْهِ النُّصُوصُ الْعَامَّةُ وَأَرْشَدَتْ إِلَيْهِ، وَلِأَنَّ مِنْهَا مَا هُوَ مِنَ الْكُلِّيَّاتِ الْعَامَّةِ وَالْقَوَاعِدِ الشَّامِلَةِ فِي الدِّينِ لَا يَسَعُ أَحَدًا أَنْ يَخْرُجَ عَلَيْهَا، أَوْ أَنْ يَنْظُرَ إِلَيْهَا بِغَيْرِ عَيْنِ الِاعْتِبَارِ، وَهِيَ -أَيْ آدَابُ الطَّلَبِ- فِي كُلِّ الْأَحْوَالِ فِي حَقِّ طَالِبِ الْعِلْمِ آكَدُ، وَعَلَيْهِ أَوْجَبُ».
وَهُنَا سُؤَالٌ مُهِمٌّ: وَمَا قِيمَةُ أَنْ يَتَعَلَّمَ الْمُسْلِمُ آدَابَ طَلَبِ الْعِلْمِ فِي هَذَا الْوَاقِعِ الْأَلِيمِ؟!
وَهَذَا سُؤَالٌ وَجِيهٌ لَوْ لَمْ يَحْمِلْ فِي طَيَّاتِهِ بَرَاهِينَ الْفَقْدِ الْوَاضِحِ لِلتَّشْخِيصِ الصَّحِيحِ لِأَدْوَاءِ الْأُمَّةِ وَأَمْرَاضِهَا.
وَمَا تَخْرُجُ أَدْوَاءُ الْأُمَّةِ عَنْ ثَلَاثَةٍ: عَمَلٌ كَثِيرٌ مِنْ غَيْرِ عِلْمٍ، أَوْ عِلْمٌ كَثِيرٌ مِنْ غَيْرِ عَمَلٍ، أَوْ لَا عِلْمَ وَلَا عَمَلَ.
ثُمَّ إِنْ شِئْتَ فَاجْمَعْ هَذِهِ الْأَدْوَاءَ الثَّلَاثَةَ فِي دَاءٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ فَقْدُ ضَبْطِ النِّسْبَةِ بَيْنَ الْعِلْمِ وَالْعَمَلِ أَوْ بَيْنَ الْوَسِيلَةِ وَالْغَايَةِ إِنْ شِئْتَ الْوُصُولَ إِلَى عَيْنِ الْيَقِينِ.
يَا إِخْوَتَاهُ فِي كُلِّ ضَرْبٍ، إِنَّهُ لَنْ يَصْلُحَ آخِرُ هَذِهِ الْأُمَّةِ إِلَّا بِمَا صَلَحَ بِهِ أَوَّلُهَا، وَإِنَّمَا بَدَأَ هَذَا الْأَمْرُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {اقْرَأ}، وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يا أيها المدثر قم فأنذر} وَالْإِنْذَارُ لَا يَكُونُ بِالْجَهْلِ وَلَا بِالْبَاطِلِ، بَلْ بِالْعِلْمِ وَالْيَقِينِ.
وَأَعْرَفُ مَا يَقُولُ الْمُعْتَرِضُونَ، يَقُولُونَ: تَشْغَلُونَ الْأُمَّةَ بِالْفُرُوعِ !
وَنَقُولُ: لَا أَيُّهَا الْأَحِبَّةُ، بَلْ نُمَيِّزُ بَيْنَ الْعِلْمِ الْفَرْضِ الَّذِي هُوَ وَاجِبٌ عَلَى التَّعْيِينِ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ، وَمَا هُوَ عِلْمُ كِفَايَةٍ مَتَى قَامَ بِهِ رَجُلٌ فِي مَحَلَّةٍ سَقَطَ فَرْضُ طَلَبِهِ عَمَّنْ فِيهَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ.
إِنَّمَا نُرِيدُ أَنْ تَعْلَمَ الْأُمَّةُ عِلْمَ الْفَرْضِ الَّذِي يَلْزَمُ أَفْرَادَهَا أَجْمَعِينَ مِنْ مَعْرِفَةِ اللهِ وَالنَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَمَعْرِفَةِ مَا تَلْزَمُ مَعْرِفَتُهُ مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا وَالدِّينِ.
كُلُّ ذَلِكَ مِنْ أَجْلِ أَنْ تُبْعَثَ الْأُمَّةُ عَلَى مُقَوِّمَاتٍ لَا تَقُومُ الْأُمَمُ عَلَى الْإِجْمَالِ إِلَّا عَلَى أَمْثَالِهَا، وَمُقَوِّمَاتٍ تَلْزَمُ أُمَّةَ الْإِسْلَامِ عَلَى وَجْهِ الْخُصُوصِ، مِنْ تَوْحِيدٍ كَامِلٍ وَيَقِينٍ شَامِلٍ وَلُغَةٍ هِيَ عِنْدَ الْمُسْلِمِينَ مِنَ الدِّينِ، وَمَخْبَرٍ يَسُرُّ وَظَاهِرٍ مُنِيرٍ مِنْ غَيْرِ هُمُودٍ، {سيماهم في وجوههم من أثر السجود}.
إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأُمُورِ الْعَظِيمَةِ تَفْسُدُ مِنْ أَجْلِ الْيَسِيرِ مِنَ الْأُمُورِ، وَإِنَّ الْعِلْمَ الَّذِي هُوَ أَوَّلُ مَا يُعْقَدُ عَلَيْهِ الْخِنْصَرُ فِي الدِّينِ وَالْيَقِينِ لَيُفْسِدُهُ اضْطِرَابُ التَّلَقِّي؛ لِفَقْدِ الْآدَابِ مِنَ الشُّدَاةِ وَالْمُتَعَلِّمِينَ»([1]).
وَمِنْ أَهَمِّ الْآدَابِ الَّتِي يَدْرُسُهَا الطَّالِبُ فِي هَذَا الْمُقَرَّرِ مِنْ مُقَرَّرَاتِ جَامِعَةِ مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ:
«وَلَمَّا كَانَتْ مَدَاخِلُ الشَّيْطَانِ فِي الْعَمَلِ تَتَفَاوَتُ عَلَى مِقْدَارِ فَضْلِهِ وَقَدْرِ ثَمَرَتِهِ كَانَتْ مَدَاخِلُ الشَّيْطَانِ فِي الْعِلْمِ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ تُحْصَى وَأَبْعَدَ مِنْ أَنْ تُسْتَقْصَى؛ إِذِ الْعِلْمُ هُوَ أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ قَاطِبَةً.
قَالَ الْغَزَّالِيُّ -هُوَ أَبُو حَامِدٍ -رَحِمَهُ اللهُ-: «وَأَعْظَمُ الْأَشْيَاءِ رُتْبَةً فِي حَقِّ الْآدَمِيِّ السَّعَادَةُ الْأَبَدِيَّةُ، وَأَفْضَلُ الْأَشْيَاءِ مَا هُوَ وَسِيلَةٌ إِلَيْهَا، وَلَنْ يُتَوَصَّلَ إِلَيْهَا إِلَّا بِالْعِلْمِ وَالْعَمَلِ، وَلَا يُتَوَصَّلُ إِلَى الْعَمَلِ إِلَّا بِالْعِلْمِ بِكَيْفِيَّةِ الْعَمَلِ، فَأَصْلُ السَّعَادَةِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ هُوَ الْعِلْمُ، فَهُوَ إِذَنْ أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ».
وَإِذَنْ فَسَبِيلُ الْعِلْمِ مَحْفُوفَةٌ بِالْمَكَارِهِ وَالْمَشَاقِّ، وَمَدَاخِلُ الشَّيْطَانِ فِيهِ لَا يُحْصِيهَا إِلَّا اللهُ تَعَالَى، فَمِنْهَا مَا يُفْسِدُ الْعِلْمَ ذَاتَهُ عَلَى صَاحِبِهِ، وَمِنْهَا مَا يُفْسِدُ الْقَصْدَ وَالْإِرَادَةَ فِيهِ، وَمِنْهَا مَا يُفْسِدُ سَبِيلَ الطَّلَبِ، وَالنَّاجِي مَنْ عَصَمَهُ اللهُ تَعَالَى.
لِذَلِكَ يَنْبَغِي لِطَالِبِ الْعِلْمِ أَنْ يَلْتَفِتَ إِلَى دَرْسِ الْآفَاتِ الَّتِي تَعْرِضُ لِلْعِلْمِ فَتُفْسِدُهُ، أَوْ تُفْسِدُ سَبِيلَ الطَّلَبِ عَلَى طَالِبِهِ، أَوْ تُفْسِدُ الْقَصْدَ وَالْإِرَادَةَ وَالنِّيَّةَ فِيهِ حَتَّى لَا يُلِمَّ شَيْءٌ مِنْهَا بِهِ.
وَالْحَقُّ أَنَّ كَثِيرًا مِنْ هَذِهِ الْآفَاتِ قَدْ نَفَّرَ مِنْهَا الشَّرْعُ مِنْهُ وَرَغَّبَ الدِّينُ عَنْهُ عَلَى إِطْلَاقٍ، وَإِنَّمَا ازْدَادَ تَنْفِيرُ الشَّرْعِ مِنْهُ وَعَظُمَ تَرْغِيبُ الدِّينِ عَنْهُ حَالَ تَعَلُّقِ شَيْءٍ مِنْهُ بِالْعِلْمِ؛ لِأَنَّ الْعِلْمَ هُوَ مَا هُوَ فِي دِينِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَهُوَ الْعِصْمَةُ مِنْ هَذِهِ الْأَدْواَءِ، فَكَيْفَ إِذَا أَصْبَحَ عَيْنَ الدَّاءِ؟ وَهُوَ حَاجِزٌ عَنِ الْوُقُوعِ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْأَهْوَاءِ، فَكَيْفَ إِذَا اتُّخِذَ مَطِيَّةً لِلْبَلَاءِ؟!([2]).
وَطَالِبُ الْعِلْمِ يَدْرُسُ فِي هَذَا الْمُقَرَّرِ مِنْ مُقَرَّرَاتِ جَامِعَةِ مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ آفَاتِ الْعِلْمِ التَّالِيَةِ:
وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الْآفَاتِ الَّتِي تُؤَثِّرُ عَلَى الْعِلْمِ وَطَالِبِه، وَآثَارِ الْعْلِمِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.
[1] مقدمة كتاب آداب طالب العلم لفضيلة الشيخ العلامة محمد بن سعيد رسلان -حفظه الله تعالى-.
[2] مقدمة كتاب آفات العلم لفضيلة الشيخ العلامة محمد بن سعيد رسلان -حفظه الله تعالى-.
الْحَمْدُ للهِ وَحْدَهُ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنْ لَا نَبِيَّ بَعْدَهُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، أَمَّا بَعْدُ:
«فَلَمَّا كَانَ الْعِلْمُ هُوَ عِبَادَةَ الْقَلْبِ وَسِرَّ حَيَاتِهِ، وَمَوْطِنَ قُوَّتِهِ كَانَ لِزَامًا عَلَى طَالِبِهِ أَنْ يُحَصِّلَ آدَابَهُ، وَأَنْ يَسْعَى جَاهِدًا مُشَمِّرًا فِي اكْتِسَابِهَا، وَإِلَّا سَارَ مُشَرِّقًا وَسَارَ الْعِلْمُ مُغَرِّبًا، وَكَانَ كَمَا قِيلَ:
سَارَتْ مُشَرِّقَةً وَسِرْتُ مُغَرِّبًا ** شَتَّانَ بَيْنَ مُشَرِّقٍ وَمُغَرِّبِ
عَلَى أَنُهَّ يَنْبَغِي التَّفَطُّنُ إِلَى أَنَّ هَذِهِ الْآدَابَ لَيْسَتْ كَأَيِّ آدَابٍ، بَلْ مِنْهَا مَا هُوَ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ فِي كُلِّ حِينٍ، سَوَاءٌ كَانَ طَالِبًا لِلْعِلْمِ أَمْ لَمْ يَكُنْ.
وَأَحْرَى بِمَنْ نَصَّبَ نَفْسَهُ لِلْعِلْمِ وَتَصَدَّى لَهُ مُتَعَلِّمًا أَوْ مُعَلِّمًا أَنْ يَظْهَرَ عَلَيْهِ أَثَرُ التَّوْحِيدِ وَالْعِبَادَةِ بِالتَّسْلِيمِ الْكَامِلِ لِلشَّرْعِ الْأَغَرِّ وَالْخُضُوعِ الْمُطْلَقِ لِلدِّينِ الْأَعَزِّ.
وَعَلَيْهِ، فَآدَابُ الطَّلَبِ لَا تَنْفَكُّ عَنْ أَصْحَابِ الْعِلْمِ أَبَدًا؛ لِأَنَّهَا مِمَّا دَلَّتْ عَلَيْهِ النُّصُوصُ الْعَامَّةُ وَأَرْشَدَتْ إِلَيْهِ، وَلِأَنَّ مِنْهَا مَا هُوَ مِنَ الْكُلِّيَّاتِ الْعَامَّةِ وَالْقَوَاعِدِ الشَّامِلَةِ فِي الدِّينِ لَا يَسَعُ أَحَدًا أَنْ يَخْرُجَ عَلَيْهَا، أَوْ أَنْ يَنْظُرَ إِلَيْهَا بِغَيْرِ عَيْنِ الِاعْتِبَارِ، وَهِيَ -أَيْ آدَابُ الطَّلَبِ- فِي كُلِّ الْأَحْوَالِ فِي حَقِّ طَالِبِ الْعِلْمِ آكَدُ، وَعَلَيْهِ أَوْجَبُ».
وَهُنَا سُؤَالٌ مُهِمٌّ: وَمَا قِيمَةُ أَنْ يَتَعَلَّمَ الْمُسْلِمُ آدَابَ طَلَبِ الْعِلْمِ فِي هَذَا الْوَاقِعِ الْأَلِيمِ؟!
وَهَذَا سُؤَالٌ وَجِيهٌ لَوْ لَمْ يَحْمِلْ فِي طَيَّاتِهِ بَرَاهِينَ الْفَقْدِ الْوَاضِحِ لِلتَّشْخِيصِ الصَّحِيحِ لِأَدْوَاءِ الْأُمَّةِ وَأَمْرَاضِهَا.
وَمَا تَخْرُجُ أَدْوَاءُ الْأُمَّةِ عَنْ ثَلَاثَةٍ: عَمَلٌ كَثِيرٌ مِنْ غَيْرِ عِلْمٍ، أَوْ عِلْمٌ كَثِيرٌ مِنْ غَيْرِ عَمَلٍ، أَوْ لَا عِلْمَ وَلَا عَمَلَ.
ثُمَّ إِنْ شِئْتَ فَاجْمَعْ هَذِهِ الْأَدْوَاءَ الثَّلَاثَةَ فِي دَاءٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ فَقْدُ ضَبْطِ النِّسْبَةِ بَيْنَ الْعِلْمِ وَالْعَمَلِ أَوْ بَيْنَ الْوَسِيلَةِ وَالْغَايَةِ إِنْ شِئْتَ الْوُصُولَ إِلَى عَيْنِ الْيَقِينِ.
يَا إِخْوَتَاهُ فِي كُلِّ ضَرْبٍ، إِنَّهُ لَنْ يَصْلُحَ آخِرُ هَذِهِ الْأُمَّةِ إِلَّا بِمَا صَلَحَ بِهِ أَوَّلُهَا، وَإِنَّمَا بَدَأَ هَذَا الْأَمْرُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {اقْرَأ}، وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يا أيها المدثر قم فأنذر} وَالْإِنْذَارُ لَا يَكُونُ بِالْجَهْلِ وَلَا بِالْبَاطِلِ، بَلْ بِالْعِلْمِ وَالْيَقِينِ.
وَأَعْرَفُ مَا يَقُولُ الْمُعْتَرِضُونَ، يَقُولُونَ: تَشْغَلُونَ الْأُمَّةَ بِالْفُرُوعِ !
وَنَقُولُ: لَا أَيُّهَا الْأَحِبَّةُ، بَلْ نُمَيِّزُ بَيْنَ الْعِلْمِ الْفَرْضِ الَّذِي هُوَ وَاجِبٌ عَلَى التَّعْيِينِ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ، وَمَا هُوَ عِلْمُ كِفَايَةٍ مَتَى قَامَ بِهِ رَجُلٌ فِي مَحَلَّةٍ سَقَطَ فَرْضُ طَلَبِهِ عَمَّنْ فِيهَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ.
إِنَّمَا نُرِيدُ أَنْ تَعْلَمَ الْأُمَّةُ عِلْمَ الْفَرْضِ الَّذِي يَلْزَمُ أَفْرَادَهَا أَجْمَعِينَ مِنْ مَعْرِفَةِ اللهِ وَالنَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَمَعْرِفَةِ مَا تَلْزَمُ مَعْرِفَتُهُ مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا وَالدِّينِ.
كُلُّ ذَلِكَ مِنْ أَجْلِ أَنْ تُبْعَثَ الْأُمَّةُ عَلَى مُقَوِّمَاتٍ لَا تَقُومُ الْأُمَمُ عَلَى الْإِجْمَالِ إِلَّا عَلَى أَمْثَالِهَا، وَمُقَوِّمَاتٍ تَلْزَمُ أُمَّةَ الْإِسْلَامِ عَلَى وَجْهِ الْخُصُوصِ، مِنْ تَوْحِيدٍ كَامِلٍ وَيَقِينٍ شَامِلٍ وَلُغَةٍ هِيَ عِنْدَ الْمُسْلِمِينَ مِنَ الدِّينِ، وَمَخْبَرٍ يَسُرُّ وَظَاهِرٍ مُنِيرٍ مِنْ غَيْرِ هُمُودٍ، {سيماهم في وجوههم من أثر السجود}.
إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأُمُورِ الْعَظِيمَةِ تَفْسُدُ مِنْ أَجْلِ الْيَسِيرِ مِنَ الْأُمُورِ، وَإِنَّ الْعِلْمَ الَّذِي هُوَ أَوَّلُ مَا يُعْقَدُ عَلَيْهِ الْخِنْصَرُ فِي الدِّينِ وَالْيَقِينِ لَيُفْسِدُهُ اضْطِرَابُ التَّلَقِّي؛ لِفَقْدِ الْآدَابِ مِنَ الشُّدَاةِ وَالْمُتَعَلِّمِينَ»([1]).
وَمِنْ أَهَمِّ الْآدَابِ الَّتِي يَدْرُسُهَا الطَّالِبُ فِي هَذَا الْمُقَرَّرِ مِنْ مُقَرَّرَاتِ جَامِعَةِ مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ:
«وَلَمَّا كَانَتْ مَدَاخِلُ الشَّيْطَانِ فِي الْعَمَلِ تَتَفَاوَتُ عَلَى مِقْدَارِ فَضْلِهِ وَقَدْرِ ثَمَرَتِهِ كَانَتْ مَدَاخِلُ الشَّيْطَانِ فِي الْعِلْمِ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ تُحْصَى وَأَبْعَدَ مِنْ أَنْ تُسْتَقْصَى؛ إِذِ الْعِلْمُ هُوَ أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ قَاطِبَةً.
قَالَ الْغَزَّالِيُّ -هُوَ أَبُو حَامِدٍ -رَحِمَهُ اللهُ-: «وَأَعْظَمُ الْأَشْيَاءِ رُتْبَةً فِي حَقِّ الْآدَمِيِّ السَّعَادَةُ الْأَبَدِيَّةُ، وَأَفْضَلُ الْأَشْيَاءِ مَا هُوَ وَسِيلَةٌ إِلَيْهَا، وَلَنْ يُتَوَصَّلَ إِلَيْهَا إِلَّا بِالْعِلْمِ وَالْعَمَلِ، وَلَا يُتَوَصَّلُ إِلَى الْعَمَلِ إِلَّا بِالْعِلْمِ بِكَيْفِيَّةِ الْعَمَلِ، فَأَصْلُ السَّعَادَةِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ هُوَ الْعِلْمُ، فَهُوَ إِذَنْ أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ».
وَإِذَنْ فَسَبِيلُ الْعِلْمِ مَحْفُوفَةٌ بِالْمَكَارِهِ وَالْمَشَاقِّ، وَمَدَاخِلُ الشَّيْطَانِ فِيهِ لَا يُحْصِيهَا إِلَّا اللهُ تَعَالَى، فَمِنْهَا مَا يُفْسِدُ الْعِلْمَ ذَاتَهُ عَلَى صَاحِبِهِ، وَمِنْهَا مَا يُفْسِدُ الْقَصْدَ وَالْإِرَادَةَ فِيهِ، وَمِنْهَا مَا يُفْسِدُ سَبِيلَ الطَّلَبِ، وَالنَّاجِي مَنْ عَصَمَهُ اللهُ تَعَالَى.
لِذَلِكَ يَنْبَغِي لِطَالِبِ الْعِلْمِ أَنْ يَلْتَفِتَ إِلَى دَرْسِ الْآفَاتِ الَّتِي تَعْرِضُ لِلْعِلْمِ فَتُفْسِدُهُ، أَوْ تُفْسِدُ سَبِيلَ الطَّلَبِ عَلَى طَالِبِهِ، أَوْ تُفْسِدُ الْقَصْدَ وَالْإِرَادَةَ وَالنِّيَّةَ فِيهِ حَتَّى لَا يُلِمَّ شَيْءٌ مِنْهَا بِهِ.
وَالْحَقُّ أَنَّ كَثِيرًا مِنْ هَذِهِ الْآفَاتِ قَدْ نَفَّرَ مِنْهَا الشَّرْعُ مِنْهُ وَرَغَّبَ الدِّينُ عَنْهُ عَلَى إِطْلَاقٍ، وَإِنَّمَا ازْدَادَ تَنْفِيرُ الشَّرْعِ مِنْهُ وَعَظُمَ تَرْغِيبُ الدِّينِ عَنْهُ حَالَ تَعَلُّقِ شَيْءٍ مِنْهُ بِالْعِلْمِ؛ لِأَنَّ الْعِلْمَ هُوَ مَا هُوَ فِي دِينِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَهُوَ الْعِصْمَةُ مِنْ هَذِهِ الْأَدْواَءِ، فَكَيْفَ إِذَا أَصْبَحَ عَيْنَ الدَّاءِ؟ وَهُوَ حَاجِزٌ عَنِ الْوُقُوعِ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْأَهْوَاءِ، فَكَيْفَ إِذَا اتُّخِذَ مَطِيَّةً لِلْبَلَاءِ؟!([2]).
وَطَالِبُ الْعِلْمِ يَدْرُسُ فِي هَذَا الْمُقَرَّرِ مِنْ مُقَرَّرَاتِ جَامِعَةِ مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ آفَاتِ الْعِلْمِ التَّالِيَةِ:
وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الْآفَاتِ الَّتِي تُؤَثِّرُ عَلَى الْعِلْمِ وَطَالِبِه، وَآثَارِ الْعْلِمِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.
[1] مقدمة كتاب آداب طالب العلم لفضيلة الشيخ العلامة محمد بن سعيد رسلان -حفظه الله تعالى-.
[2] مقدمة كتاب آفات العلم لفضيلة الشيخ العلامة محمد بن سعيد رسلان -حفظه الله تعالى-.
الْحَمْدُ للهِ وَحْدَهُ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنْ لَا نَبِيَّ بَعْدَهُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، أَمَّا بَعْدُ:
«فَلَمَّا كَانَ الْعِلْمُ هُوَ عِبَادَةَ الْقَلْبِ وَسِرَّ حَيَاتِهِ، وَمَوْطِنَ قُوَّتِهِ كَانَ لِزَامًا عَلَى طَالِبِهِ أَنْ يُحَصِّلَ آدَابَهُ، وَأَنْ يَسْعَى جَاهِدًا مُشَمِّرًا فِي اكْتِسَابِهَا، وَإِلَّا سَارَ مُشَرِّقًا وَسَارَ الْعِلْمُ مُغَرِّبًا، وَكَانَ كَمَا قِيلَ:
سَارَتْ مُشَرِّقَةً وَسِرْتُ مُغَرِّبًا ** شَتَّانَ بَيْنَ مُشَرِّقٍ وَمُغَرِّبِ
عَلَى أَنُهَّ يَنْبَغِي التَّفَطُّنُ إِلَى أَنَّ هَذِهِ الْآدَابَ لَيْسَتْ كَأَيِّ آدَابٍ، بَلْ مِنْهَا مَا هُوَ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ فِي كُلِّ حِينٍ، سَوَاءٌ كَانَ طَالِبًا لِلْعِلْمِ أَمْ لَمْ يَكُنْ.
وَأَحْرَى بِمَنْ نَصَّبَ نَفْسَهُ لِلْعِلْمِ وَتَصَدَّى لَهُ مُتَعَلِّمًا أَوْ مُعَلِّمًا أَنْ يَظْهَرَ عَلَيْهِ أَثَرُ التَّوْحِيدِ وَالْعِبَادَةِ بِالتَّسْلِيمِ الْكَامِلِ لِلشَّرْعِ الْأَغَرِّ وَالْخُضُوعِ الْمُطْلَقِ لِلدِّينِ الْأَعَزِّ.
وَعَلَيْهِ، فَآدَابُ الطَّلَبِ لَا تَنْفَكُّ عَنْ أَصْحَابِ الْعِلْمِ أَبَدًا؛ لِأَنَّهَا مِمَّا دَلَّتْ عَلَيْهِ النُّصُوصُ الْعَامَّةُ وَأَرْشَدَتْ إِلَيْهِ، وَلِأَنَّ مِنْهَا مَا هُوَ مِنَ الْكُلِّيَّاتِ الْعَامَّةِ وَالْقَوَاعِدِ الشَّامِلَةِ فِي الدِّينِ لَا يَسَعُ أَحَدًا أَنْ يَخْرُجَ عَلَيْهَا، أَوْ أَنْ يَنْظُرَ إِلَيْهَا بِغَيْرِ عَيْنِ الِاعْتِبَارِ، وَهِيَ -أَيْ آدَابُ الطَّلَبِ- فِي كُلِّ الْأَحْوَالِ فِي حَقِّ طَالِبِ الْعِلْمِ آكَدُ، وَعَلَيْهِ أَوْجَبُ».
وَهُنَا سُؤَالٌ مُهِمٌّ: وَمَا قِيمَةُ أَنْ يَتَعَلَّمَ الْمُسْلِمُ آدَابَ طَلَبِ الْعِلْمِ فِي هَذَا الْوَاقِعِ الْأَلِيمِ؟!
وَهَذَا سُؤَالٌ وَجِيهٌ لَوْ لَمْ يَحْمِلْ فِي طَيَّاتِهِ بَرَاهِينَ الْفَقْدِ الْوَاضِحِ لِلتَّشْخِيصِ الصَّحِيحِ لِأَدْوَاءِ الْأُمَّةِ وَأَمْرَاضِهَا.
وَمَا تَخْرُجُ أَدْوَاءُ الْأُمَّةِ عَنْ ثَلَاثَةٍ: عَمَلٌ كَثِيرٌ مِنْ غَيْرِ عِلْمٍ، أَوْ عِلْمٌ كَثِيرٌ مِنْ غَيْرِ عَمَلٍ، أَوْ لَا عِلْمَ وَلَا عَمَلَ.
ثُمَّ إِنْ شِئْتَ فَاجْمَعْ هَذِهِ الْأَدْوَاءَ الثَّلَاثَةَ فِي دَاءٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ فَقْدُ ضَبْطِ النِّسْبَةِ بَيْنَ الْعِلْمِ وَالْعَمَلِ أَوْ بَيْنَ الْوَسِيلَةِ وَالْغَايَةِ إِنْ شِئْتَ الْوُصُولَ إِلَى عَيْنِ الْيَقِينِ.
يَا إِخْوَتَاهُ فِي كُلِّ ضَرْبٍ، إِنَّهُ لَنْ يَصْلُحَ آخِرُ هَذِهِ الْأُمَّةِ إِلَّا بِمَا صَلَحَ بِهِ أَوَّلُهَا، وَإِنَّمَا بَدَأَ هَذَا الْأَمْرُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {اقْرَأ}، وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يا أيها المدثر قم فأنذر} وَالْإِنْذَارُ لَا يَكُونُ بِالْجَهْلِ وَلَا بِالْبَاطِلِ، بَلْ بِالْعِلْمِ وَالْيَقِينِ.
وَأَعْرَفُ مَا يَقُولُ الْمُعْتَرِضُونَ، يَقُولُونَ: تَشْغَلُونَ الْأُمَّةَ بِالْفُرُوعِ !
وَنَقُولُ: لَا أَيُّهَا الْأَحِبَّةُ، بَلْ نُمَيِّزُ بَيْنَ الْعِلْمِ الْفَرْضِ الَّذِي هُوَ وَاجِبٌ عَلَى التَّعْيِينِ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ، وَمَا هُوَ عِلْمُ كِفَايَةٍ مَتَى قَامَ بِهِ رَجُلٌ فِي مَحَلَّةٍ سَقَطَ فَرْضُ طَلَبِهِ عَمَّنْ فِيهَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ.
إِنَّمَا نُرِيدُ أَنْ تَعْلَمَ الْأُمَّةُ عِلْمَ الْفَرْضِ الَّذِي يَلْزَمُ أَفْرَادَهَا أَجْمَعِينَ مِنْ مَعْرِفَةِ اللهِ وَالنَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَمَعْرِفَةِ مَا تَلْزَمُ مَعْرِفَتُهُ مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا وَالدِّينِ.
كُلُّ ذَلِكَ مِنْ أَجْلِ أَنْ تُبْعَثَ الْأُمَّةُ عَلَى مُقَوِّمَاتٍ لَا تَقُومُ الْأُمَمُ عَلَى الْإِجْمَالِ إِلَّا عَلَى أَمْثَالِهَا، وَمُقَوِّمَاتٍ تَلْزَمُ أُمَّةَ الْإِسْلَامِ عَلَى وَجْهِ الْخُصُوصِ، مِنْ تَوْحِيدٍ كَامِلٍ وَيَقِينٍ شَامِلٍ وَلُغَةٍ هِيَ عِنْدَ الْمُسْلِمِينَ مِنَ الدِّينِ، وَمَخْبَرٍ يَسُرُّ وَظَاهِرٍ مُنِيرٍ مِنْ غَيْرِ هُمُودٍ، {سيماهم في وجوههم من أثر السجود}.
إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأُمُورِ الْعَظِيمَةِ تَفْسُدُ مِنْ أَجْلِ الْيَسِيرِ مِنَ الْأُمُورِ، وَإِنَّ الْعِلْمَ الَّذِي هُوَ أَوَّلُ مَا يُعْقَدُ عَلَيْهِ الْخِنْصَرُ فِي الدِّينِ وَالْيَقِينِ لَيُفْسِدُهُ اضْطِرَابُ التَّلَقِّي؛ لِفَقْدِ الْآدَابِ مِنَ الشُّدَاةِ وَالْمُتَعَلِّمِينَ»([1]).
وَمِنْ أَهَمِّ الْآدَابِ الَّتِي يَدْرُسُهَا الطَّالِبُ فِي هَذَا الْمُقَرَّرِ مِنْ مُقَرَّرَاتِ جَامِعَةِ مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ:
«وَلَمَّا كَانَتْ مَدَاخِلُ الشَّيْطَانِ فِي الْعَمَلِ تَتَفَاوَتُ عَلَى مِقْدَارِ فَضْلِهِ وَقَدْرِ ثَمَرَتِهِ كَانَتْ مَدَاخِلُ الشَّيْطَانِ فِي الْعِلْمِ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ تُحْصَى وَأَبْعَدَ مِنْ أَنْ تُسْتَقْصَى؛ إِذِ الْعِلْمُ هُوَ أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ قَاطِبَةً.
قَالَ الْغَزَّالِيُّ -هُوَ أَبُو حَامِدٍ -رَحِمَهُ اللهُ-: «وَأَعْظَمُ الْأَشْيَاءِ رُتْبَةً فِي حَقِّ الْآدَمِيِّ السَّعَادَةُ الْأَبَدِيَّةُ، وَأَفْضَلُ الْأَشْيَاءِ مَا هُوَ وَسِيلَةٌ إِلَيْهَا، وَلَنْ يُتَوَصَّلَ إِلَيْهَا إِلَّا بِالْعِلْمِ وَالْعَمَلِ، وَلَا يُتَوَصَّلُ إِلَى الْعَمَلِ إِلَّا بِالْعِلْمِ بِكَيْفِيَّةِ الْعَمَلِ، فَأَصْلُ السَّعَادَةِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ هُوَ الْعِلْمُ، فَهُوَ إِذَنْ أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ».
وَإِذَنْ فَسَبِيلُ الْعِلْمِ مَحْفُوفَةٌ بِالْمَكَارِهِ وَالْمَشَاقِّ، وَمَدَاخِلُ الشَّيْطَانِ فِيهِ لَا يُحْصِيهَا إِلَّا اللهُ تَعَالَى، فَمِنْهَا مَا يُفْسِدُ الْعِلْمَ ذَاتَهُ عَلَى صَاحِبِهِ، وَمِنْهَا مَا يُفْسِدُ الْقَصْدَ وَالْإِرَادَةَ فِيهِ، وَمِنْهَا مَا يُفْسِدُ سَبِيلَ الطَّلَبِ، وَالنَّاجِي مَنْ عَصَمَهُ اللهُ تَعَالَى.
لِذَلِكَ يَنْبَغِي لِطَالِبِ الْعِلْمِ أَنْ يَلْتَفِتَ إِلَى دَرْسِ الْآفَاتِ الَّتِي تَعْرِضُ لِلْعِلْمِ فَتُفْسِدُهُ، أَوْ تُفْسِدُ سَبِيلَ الطَّلَبِ عَلَى طَالِبِهِ، أَوْ تُفْسِدُ الْقَصْدَ وَالْإِرَادَةَ وَالنِّيَّةَ فِيهِ حَتَّى لَا يُلِمَّ شَيْءٌ مِنْهَا بِهِ.
وَالْحَقُّ أَنَّ كَثِيرًا مِنْ هَذِهِ الْآفَاتِ قَدْ نَفَّرَ مِنْهَا الشَّرْعُ مِنْهُ وَرَغَّبَ الدِّينُ عَنْهُ عَلَى إِطْلَاقٍ، وَإِنَّمَا ازْدَادَ تَنْفِيرُ الشَّرْعِ مِنْهُ وَعَظُمَ تَرْغِيبُ الدِّينِ عَنْهُ حَالَ تَعَلُّقِ شَيْءٍ مِنْهُ بِالْعِلْمِ؛ لِأَنَّ الْعِلْمَ هُوَ مَا هُوَ فِي دِينِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَهُوَ الْعِصْمَةُ مِنْ هَذِهِ الْأَدْواَءِ، فَكَيْفَ إِذَا أَصْبَحَ عَيْنَ الدَّاءِ؟ وَهُوَ حَاجِزٌ عَنِ الْوُقُوعِ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْأَهْوَاءِ، فَكَيْفَ إِذَا اتُّخِذَ مَطِيَّةً لِلْبَلَاءِ؟!([2]).
وَطَالِبُ الْعِلْمِ يَدْرُسُ فِي هَذَا الْمُقَرَّرِ مِنْ مُقَرَّرَاتِ جَامِعَةِ مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ آفَاتِ الْعِلْمِ التَّالِيَةِ:
وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الْآفَاتِ الَّتِي تُؤَثِّرُ عَلَى الْعِلْمِ وَطَالِبِه، وَآثَارِ الْعْلِمِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.
[1] مقدمة كتاب آداب طالب العلم لفضيلة الشيخ العلامة محمد بن سعيد رسلان -حفظه الله تعالى-.
[2] مقدمة كتاب آفات العلم لفضيلة الشيخ العلامة محمد بن سعيد رسلان -حفظه الله تعالى-.
الْحَمْدُ للهِ وَحْدَهُ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنْ لَا نَبِيَّ بَعْدَهُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، أَمَّا بَعْدُ:
«فَلَمَّا كَانَ الْعِلْمُ هُوَ عِبَادَةَ الْقَلْبِ وَسِرَّ حَيَاتِهِ، وَمَوْطِنَ قُوَّتِهِ كَانَ لِزَامًا عَلَى طَالِبِهِ أَنْ يُحَصِّلَ آدَابَهُ، وَأَنْ يَسْعَى جَاهِدًا مُشَمِّرًا فِي اكْتِسَابِهَا، وَإِلَّا سَارَ مُشَرِّقًا وَسَارَ الْعِلْمُ مُغَرِّبًا، وَكَانَ كَمَا قِيلَ:
سَارَتْ مُشَرِّقَةً وَسِرْتُ مُغَرِّبًا ** شَتَّانَ بَيْنَ مُشَرِّقٍ وَمُغَرِّبِ
عَلَى أَنُهَّ يَنْبَغِي التَّفَطُّنُ إِلَى أَنَّ هَذِهِ الْآدَابَ لَيْسَتْ كَأَيِّ آدَابٍ، بَلْ مِنْهَا مَا هُوَ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ فِي كُلِّ حِينٍ، سَوَاءٌ كَانَ طَالِبًا لِلْعِلْمِ أَمْ لَمْ يَكُنْ.
وَأَحْرَى بِمَنْ نَصَّبَ نَفْسَهُ لِلْعِلْمِ وَتَصَدَّى لَهُ مُتَعَلِّمًا أَوْ مُعَلِّمًا أَنْ يَظْهَرَ عَلَيْهِ أَثَرُ التَّوْحِيدِ وَالْعِبَادَةِ بِالتَّسْلِيمِ الْكَامِلِ لِلشَّرْعِ الْأَغَرِّ وَالْخُضُوعِ الْمُطْلَقِ لِلدِّينِ الْأَعَزِّ.
وَعَلَيْهِ، فَآدَابُ الطَّلَبِ لَا تَنْفَكُّ عَنْ أَصْحَابِ الْعِلْمِ أَبَدًا؛ لِأَنَّهَا مِمَّا دَلَّتْ عَلَيْهِ النُّصُوصُ الْعَامَّةُ وَأَرْشَدَتْ إِلَيْهِ، وَلِأَنَّ مِنْهَا مَا هُوَ مِنَ الْكُلِّيَّاتِ الْعَامَّةِ وَالْقَوَاعِدِ الشَّامِلَةِ فِي الدِّينِ لَا يَسَعُ أَحَدًا أَنْ يَخْرُجَ عَلَيْهَا، أَوْ أَنْ يَنْظُرَ إِلَيْهَا بِغَيْرِ عَيْنِ الِاعْتِبَارِ، وَهِيَ -أَيْ آدَابُ الطَّلَبِ- فِي كُلِّ الْأَحْوَالِ فِي حَقِّ طَالِبِ الْعِلْمِ آكَدُ، وَعَلَيْهِ أَوْجَبُ».
وَهُنَا سُؤَالٌ مُهِمٌّ: وَمَا قِيمَةُ أَنْ يَتَعَلَّمَ الْمُسْلِمُ آدَابَ طَلَبِ الْعِلْمِ فِي هَذَا الْوَاقِعِ الْأَلِيمِ؟!
وَهَذَا سُؤَالٌ وَجِيهٌ لَوْ لَمْ يَحْمِلْ فِي طَيَّاتِهِ بَرَاهِينَ الْفَقْدِ الْوَاضِحِ لِلتَّشْخِيصِ الصَّحِيحِ لِأَدْوَاءِ الْأُمَّةِ وَأَمْرَاضِهَا.
وَمَا تَخْرُجُ أَدْوَاءُ الْأُمَّةِ عَنْ ثَلَاثَةٍ: عَمَلٌ كَثِيرٌ مِنْ غَيْرِ عِلْمٍ، أَوْ عِلْمٌ كَثِيرٌ مِنْ غَيْرِ عَمَلٍ، أَوْ لَا عِلْمَ وَلَا عَمَلَ.
ثُمَّ إِنْ شِئْتَ فَاجْمَعْ هَذِهِ الْأَدْوَاءَ الثَّلَاثَةَ فِي دَاءٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ فَقْدُ ضَبْطِ النِّسْبَةِ بَيْنَ الْعِلْمِ وَالْعَمَلِ أَوْ بَيْنَ الْوَسِيلَةِ وَالْغَايَةِ إِنْ شِئْتَ الْوُصُولَ إِلَى عَيْنِ الْيَقِينِ.
يَا إِخْوَتَاهُ فِي كُلِّ ضَرْبٍ، إِنَّهُ لَنْ يَصْلُحَ آخِرُ هَذِهِ الْأُمَّةِ إِلَّا بِمَا صَلَحَ بِهِ أَوَّلُهَا، وَإِنَّمَا بَدَأَ هَذَا الْأَمْرُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {اقْرَأ}، وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يا أيها المدثر قم فأنذر} وَالْإِنْذَارُ لَا يَكُونُ بِالْجَهْلِ وَلَا بِالْبَاطِلِ، بَلْ بِالْعِلْمِ وَالْيَقِينِ.
وَأَعْرَفُ مَا يَقُولُ الْمُعْتَرِضُونَ، يَقُولُونَ: تَشْغَلُونَ الْأُمَّةَ بِالْفُرُوعِ !
وَنَقُولُ: لَا أَيُّهَا الْأَحِبَّةُ، بَلْ نُمَيِّزُ بَيْنَ الْعِلْمِ الْفَرْضِ الَّذِي هُوَ وَاجِبٌ عَلَى التَّعْيِينِ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ، وَمَا هُوَ عِلْمُ كِفَايَةٍ مَتَى قَامَ بِهِ رَجُلٌ فِي مَحَلَّةٍ سَقَطَ فَرْضُ طَلَبِهِ عَمَّنْ فِيهَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ.
إِنَّمَا نُرِيدُ أَنْ تَعْلَمَ الْأُمَّةُ عِلْمَ الْفَرْضِ الَّذِي يَلْزَمُ أَفْرَادَهَا أَجْمَعِينَ مِنْ مَعْرِفَةِ اللهِ وَالنَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَمَعْرِفَةِ مَا تَلْزَمُ مَعْرِفَتُهُ مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا وَالدِّينِ.
كُلُّ ذَلِكَ مِنْ أَجْلِ أَنْ تُبْعَثَ الْأُمَّةُ عَلَى مُقَوِّمَاتٍ لَا تَقُومُ الْأُمَمُ عَلَى الْإِجْمَالِ إِلَّا عَلَى أَمْثَالِهَا، وَمُقَوِّمَاتٍ تَلْزَمُ أُمَّةَ الْإِسْلَامِ عَلَى وَجْهِ الْخُصُوصِ، مِنْ تَوْحِيدٍ كَامِلٍ وَيَقِينٍ شَامِلٍ وَلُغَةٍ هِيَ عِنْدَ الْمُسْلِمِينَ مِنَ الدِّينِ، وَمَخْبَرٍ يَسُرُّ وَظَاهِرٍ مُنِيرٍ مِنْ غَيْرِ هُمُودٍ، {سيماهم في وجوههم من أثر السجود}.
إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأُمُورِ الْعَظِيمَةِ تَفْسُدُ مِنْ أَجْلِ الْيَسِيرِ مِنَ الْأُمُورِ، وَإِنَّ الْعِلْمَ الَّذِي هُوَ أَوَّلُ مَا يُعْقَدُ عَلَيْهِ الْخِنْصَرُ فِي الدِّينِ وَالْيَقِينِ لَيُفْسِدُهُ اضْطِرَابُ التَّلَقِّي؛ لِفَقْدِ الْآدَابِ مِنَ الشُّدَاةِ وَالْمُتَعَلِّمِينَ»([1]).
وَمِنْ أَهَمِّ الْآدَابِ الَّتِي يَدْرُسُهَا الطَّالِبُ فِي هَذَا الْمُقَرَّرِ مِنْ مُقَرَّرَاتِ جَامِعَةِ مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ:
«وَلَمَّا كَانَتْ مَدَاخِلُ الشَّيْطَانِ فِي الْعَمَلِ تَتَفَاوَتُ عَلَى مِقْدَارِ فَضْلِهِ وَقَدْرِ ثَمَرَتِهِ كَانَتْ مَدَاخِلُ الشَّيْطَانِ فِي الْعِلْمِ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ تُحْصَى وَأَبْعَدَ مِنْ أَنْ تُسْتَقْصَى؛ إِذِ الْعِلْمُ هُوَ أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ قَاطِبَةً.
قَالَ الْغَزَّالِيُّ -هُوَ أَبُو حَامِدٍ -رَحِمَهُ اللهُ-: «وَأَعْظَمُ الْأَشْيَاءِ رُتْبَةً فِي حَقِّ الْآدَمِيِّ السَّعَادَةُ الْأَبَدِيَّةُ، وَأَفْضَلُ الْأَشْيَاءِ مَا هُوَ وَسِيلَةٌ إِلَيْهَا، وَلَنْ يُتَوَصَّلَ إِلَيْهَا إِلَّا بِالْعِلْمِ وَالْعَمَلِ، وَلَا يُتَوَصَّلُ إِلَى الْعَمَلِ إِلَّا بِالْعِلْمِ بِكَيْفِيَّةِ الْعَمَلِ، فَأَصْلُ السَّعَادَةِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ هُوَ الْعِلْمُ، فَهُوَ إِذَنْ أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ».
وَإِذَنْ فَسَبِيلُ الْعِلْمِ مَحْفُوفَةٌ بِالْمَكَارِهِ وَالْمَشَاقِّ، وَمَدَاخِلُ الشَّيْطَانِ فِيهِ لَا يُحْصِيهَا إِلَّا اللهُ تَعَالَى، فَمِنْهَا مَا يُفْسِدُ الْعِلْمَ ذَاتَهُ عَلَى صَاحِبِهِ، وَمِنْهَا مَا يُفْسِدُ الْقَصْدَ وَالْإِرَادَةَ فِيهِ، وَمِنْهَا مَا يُفْسِدُ سَبِيلَ الطَّلَبِ، وَالنَّاجِي مَنْ عَصَمَهُ اللهُ تَعَالَى.
لِذَلِكَ يَنْبَغِي لِطَالِبِ الْعِلْمِ أَنْ يَلْتَفِتَ إِلَى دَرْسِ الْآفَاتِ الَّتِي تَعْرِضُ لِلْعِلْمِ فَتُفْسِدُهُ، أَوْ تُفْسِدُ سَبِيلَ الطَّلَبِ عَلَى طَالِبِهِ، أَوْ تُفْسِدُ الْقَصْدَ وَالْإِرَادَةَ وَالنِّيَّةَ فِيهِ حَتَّى لَا يُلِمَّ شَيْءٌ مِنْهَا بِهِ.
وَالْحَقُّ أَنَّ كَثِيرًا مِنْ هَذِهِ الْآفَاتِ قَدْ نَفَّرَ مِنْهَا الشَّرْعُ مِنْهُ وَرَغَّبَ الدِّينُ عَنْهُ عَلَى إِطْلَاقٍ، وَإِنَّمَا ازْدَادَ تَنْفِيرُ الشَّرْعِ مِنْهُ وَعَظُمَ تَرْغِيبُ الدِّينِ عَنْهُ حَالَ تَعَلُّقِ شَيْءٍ مِنْهُ بِالْعِلْمِ؛ لِأَنَّ الْعِلْمَ هُوَ مَا هُوَ فِي دِينِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَهُوَ الْعِصْمَةُ مِنْ هَذِهِ الْأَدْواَءِ، فَكَيْفَ إِذَا أَصْبَحَ عَيْنَ الدَّاءِ؟ وَهُوَ حَاجِزٌ عَنِ الْوُقُوعِ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْأَهْوَاءِ، فَكَيْفَ إِذَا اتُّخِذَ مَطِيَّةً لِلْبَلَاءِ؟!([2]).
وَطَالِبُ الْعِلْمِ يَدْرُسُ فِي هَذَا الْمُقَرَّرِ مِنْ مُقَرَّرَاتِ جَامِعَةِ مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ آفَاتِ الْعِلْمِ التَّالِيَةِ:
وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الْآفَاتِ الَّتِي تُؤَثِّرُ عَلَى الْعِلْمِ وَطَالِبِه، وَآثَارِ الْعْلِمِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.
[1] مقدمة كتاب آداب طالب العلم لفضيلة الشيخ العلامة محمد بن سعيد رسلان -حفظه الله تعالى-.
[2] مقدمة كتاب آفات العلم لفضيلة الشيخ العلامة محمد بن سعيد رسلان -حفظه الله تعالى-.
الْحَمْدُ للهِ وَحْدَهُ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنْ لَا نَبِيَّ بَعْدَهُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، أَمَّا بَعْدُ:
«فَلَمَّا كَانَ الْعِلْمُ هُوَ عِبَادَةَ الْقَلْبِ وَسِرَّ حَيَاتِهِ، وَمَوْطِنَ قُوَّتِهِ كَانَ لِزَامًا عَلَى طَالِبِهِ أَنْ يُحَصِّلَ آدَابَهُ، وَأَنْ يَسْعَى جَاهِدًا مُشَمِّرًا فِي اكْتِسَابِهَا، وَإِلَّا سَارَ مُشَرِّقًا وَسَارَ الْعِلْمُ مُغَرِّبًا، وَكَانَ كَمَا قِيلَ:
سَارَتْ مُشَرِّقَةً وَسِرْتُ مُغَرِّبًا ** شَتَّانَ بَيْنَ مُشَرِّقٍ وَمُغَرِّبِ
عَلَى أَنُهَّ يَنْبَغِي التَّفَطُّنُ إِلَى أَنَّ هَذِهِ الْآدَابَ لَيْسَتْ كَأَيِّ آدَابٍ، بَلْ مِنْهَا مَا هُوَ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ فِي كُلِّ حِينٍ، سَوَاءٌ كَانَ طَالِبًا لِلْعِلْمِ أَمْ لَمْ يَكُنْ.
وَأَحْرَى بِمَنْ نَصَّبَ نَفْسَهُ لِلْعِلْمِ وَتَصَدَّى لَهُ مُتَعَلِّمًا أَوْ مُعَلِّمًا أَنْ يَظْهَرَ عَلَيْهِ أَثَرُ التَّوْحِيدِ وَالْعِبَادَةِ بِالتَّسْلِيمِ الْكَامِلِ لِلشَّرْعِ الْأَغَرِّ وَالْخُضُوعِ الْمُطْلَقِ لِلدِّينِ الْأَعَزِّ.
وَعَلَيْهِ، فَآدَابُ الطَّلَبِ لَا تَنْفَكُّ عَنْ أَصْحَابِ الْعِلْمِ أَبَدًا؛ لِأَنَّهَا مِمَّا دَلَّتْ عَلَيْهِ النُّصُوصُ الْعَامَّةُ وَأَرْشَدَتْ إِلَيْهِ، وَلِأَنَّ مِنْهَا مَا هُوَ مِنَ الْكُلِّيَّاتِ الْعَامَّةِ وَالْقَوَاعِدِ الشَّامِلَةِ فِي الدِّينِ لَا يَسَعُ أَحَدًا أَنْ يَخْرُجَ عَلَيْهَا، أَوْ أَنْ يَنْظُرَ إِلَيْهَا بِغَيْرِ عَيْنِ الِاعْتِبَارِ، وَهِيَ -أَيْ آدَابُ الطَّلَبِ- فِي كُلِّ الْأَحْوَالِ فِي حَقِّ طَالِبِ الْعِلْمِ آكَدُ، وَعَلَيْهِ أَوْجَبُ».
وَهُنَا سُؤَالٌ مُهِمٌّ: وَمَا قِيمَةُ أَنْ يَتَعَلَّمَ الْمُسْلِمُ آدَابَ طَلَبِ الْعِلْمِ فِي هَذَا الْوَاقِعِ الْأَلِيمِ؟!
وَهَذَا سُؤَالٌ وَجِيهٌ لَوْ لَمْ يَحْمِلْ فِي طَيَّاتِهِ بَرَاهِينَ الْفَقْدِ الْوَاضِحِ لِلتَّشْخِيصِ الصَّحِيحِ لِأَدْوَاءِ الْأُمَّةِ وَأَمْرَاضِهَا.
وَمَا تَخْرُجُ أَدْوَاءُ الْأُمَّةِ عَنْ ثَلَاثَةٍ: عَمَلٌ كَثِيرٌ مِنْ غَيْرِ عِلْمٍ، أَوْ عِلْمٌ كَثِيرٌ مِنْ غَيْرِ عَمَلٍ، أَوْ لَا عِلْمَ وَلَا عَمَلَ.
ثُمَّ إِنْ شِئْتَ فَاجْمَعْ هَذِهِ الْأَدْوَاءَ الثَّلَاثَةَ فِي دَاءٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ فَقْدُ ضَبْطِ النِّسْبَةِ بَيْنَ الْعِلْمِ وَالْعَمَلِ أَوْ بَيْنَ الْوَسِيلَةِ وَالْغَايَةِ إِنْ شِئْتَ الْوُصُولَ إِلَى عَيْنِ الْيَقِينِ.
يَا إِخْوَتَاهُ فِي كُلِّ ضَرْبٍ، إِنَّهُ لَنْ يَصْلُحَ آخِرُ هَذِهِ الْأُمَّةِ إِلَّا بِمَا صَلَحَ بِهِ أَوَّلُهَا، وَإِنَّمَا بَدَأَ هَذَا الْأَمْرُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {اقْرَأ}، وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يا أيها المدثر قم فأنذر} وَالْإِنْذَارُ لَا يَكُونُ بِالْجَهْلِ وَلَا بِالْبَاطِلِ، بَلْ بِالْعِلْمِ وَالْيَقِينِ.
وَأَعْرَفُ مَا يَقُولُ الْمُعْتَرِضُونَ، يَقُولُونَ: تَشْغَلُونَ الْأُمَّةَ بِالْفُرُوعِ !
وَنَقُولُ: لَا أَيُّهَا الْأَحِبَّةُ، بَلْ نُمَيِّزُ بَيْنَ الْعِلْمِ الْفَرْضِ الَّذِي هُوَ وَاجِبٌ عَلَى التَّعْيِينِ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ، وَمَا هُوَ عِلْمُ كِفَايَةٍ مَتَى قَامَ بِهِ رَجُلٌ فِي مَحَلَّةٍ سَقَطَ فَرْضُ طَلَبِهِ عَمَّنْ فِيهَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ.
إِنَّمَا نُرِيدُ أَنْ تَعْلَمَ الْأُمَّةُ عِلْمَ الْفَرْضِ الَّذِي يَلْزَمُ أَفْرَادَهَا أَجْمَعِينَ مِنْ مَعْرِفَةِ اللهِ وَالنَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَمَعْرِفَةِ مَا تَلْزَمُ مَعْرِفَتُهُ مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا وَالدِّينِ.
كُلُّ ذَلِكَ مِنْ أَجْلِ أَنْ تُبْعَثَ الْأُمَّةُ عَلَى مُقَوِّمَاتٍ لَا تَقُومُ الْأُمَمُ عَلَى الْإِجْمَالِ إِلَّا عَلَى أَمْثَالِهَا، وَمُقَوِّمَاتٍ تَلْزَمُ أُمَّةَ الْإِسْلَامِ عَلَى وَجْهِ الْخُصُوصِ، مِنْ تَوْحِيدٍ كَامِلٍ وَيَقِينٍ شَامِلٍ وَلُغَةٍ هِيَ عِنْدَ الْمُسْلِمِينَ مِنَ الدِّينِ، وَمَخْبَرٍ يَسُرُّ وَظَاهِرٍ مُنِيرٍ مِنْ غَيْرِ هُمُودٍ، {سيماهم في وجوههم من أثر السجود}.
إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأُمُورِ الْعَظِيمَةِ تَفْسُدُ مِنْ أَجْلِ الْيَسِيرِ مِنَ الْأُمُورِ، وَإِنَّ الْعِلْمَ الَّذِي هُوَ أَوَّلُ مَا يُعْقَدُ عَلَيْهِ الْخِنْصَرُ فِي الدِّينِ وَالْيَقِينِ لَيُفْسِدُهُ اضْطِرَابُ التَّلَقِّي؛ لِفَقْدِ الْآدَابِ مِنَ الشُّدَاةِ وَالْمُتَعَلِّمِينَ»([1]).
وَمِنْ أَهَمِّ الْآدَابِ الَّتِي يَدْرُسُهَا الطَّالِبُ فِي هَذَا الْمُقَرَّرِ مِنْ مُقَرَّرَاتِ جَامِعَةِ مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ:
«وَلَمَّا كَانَتْ مَدَاخِلُ الشَّيْطَانِ فِي الْعَمَلِ تَتَفَاوَتُ عَلَى مِقْدَارِ فَضْلِهِ وَقَدْرِ ثَمَرَتِهِ كَانَتْ مَدَاخِلُ الشَّيْطَانِ فِي الْعِلْمِ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ تُحْصَى وَأَبْعَدَ مِنْ أَنْ تُسْتَقْصَى؛ إِذِ الْعِلْمُ هُوَ أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ قَاطِبَةً.
قَالَ الْغَزَّالِيُّ -هُوَ أَبُو حَامِدٍ -رَحِمَهُ اللهُ-: «وَأَعْظَمُ الْأَشْيَاءِ رُتْبَةً فِي حَقِّ الْآدَمِيِّ السَّعَادَةُ الْأَبَدِيَّةُ، وَأَفْضَلُ الْأَشْيَاءِ مَا هُوَ وَسِيلَةٌ إِلَيْهَا، وَلَنْ يُتَوَصَّلَ إِلَيْهَا إِلَّا بِالْعِلْمِ وَالْعَمَلِ، وَلَا يُتَوَصَّلُ إِلَى الْعَمَلِ إِلَّا بِالْعِلْمِ بِكَيْفِيَّةِ الْعَمَلِ، فَأَصْلُ السَّعَادَةِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ هُوَ الْعِلْمُ، فَهُوَ إِذَنْ أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ».
وَإِذَنْ فَسَبِيلُ الْعِلْمِ مَحْفُوفَةٌ بِالْمَكَارِهِ وَالْمَشَاقِّ، وَمَدَاخِلُ الشَّيْطَانِ فِيهِ لَا يُحْصِيهَا إِلَّا اللهُ تَعَالَى، فَمِنْهَا مَا يُفْسِدُ الْعِلْمَ ذَاتَهُ عَلَى صَاحِبِهِ، وَمِنْهَا مَا يُفْسِدُ الْقَصْدَ وَالْإِرَادَةَ فِيهِ، وَمِنْهَا مَا يُفْسِدُ سَبِيلَ الطَّلَبِ، وَالنَّاجِي مَنْ عَصَمَهُ اللهُ تَعَالَى.
لِذَلِكَ يَنْبَغِي لِطَالِبِ الْعِلْمِ أَنْ يَلْتَفِتَ إِلَى دَرْسِ الْآفَاتِ الَّتِي تَعْرِضُ لِلْعِلْمِ فَتُفْسِدُهُ، أَوْ تُفْسِدُ سَبِيلَ الطَّلَبِ عَلَى طَالِبِهِ، أَوْ تُفْسِدُ الْقَصْدَ وَالْإِرَادَةَ وَالنِّيَّةَ فِيهِ حَتَّى لَا يُلِمَّ شَيْءٌ مِنْهَا بِهِ.
وَالْحَقُّ أَنَّ كَثِيرًا مِنْ هَذِهِ الْآفَاتِ قَدْ نَفَّرَ مِنْهَا الشَّرْعُ مِنْهُ وَرَغَّبَ الدِّينُ عَنْهُ عَلَى إِطْلَاقٍ، وَإِنَّمَا ازْدَادَ تَنْفِيرُ الشَّرْعِ مِنْهُ وَعَظُمَ تَرْغِيبُ الدِّينِ عَنْهُ حَالَ تَعَلُّقِ شَيْءٍ مِنْهُ بِالْعِلْمِ؛ لِأَنَّ الْعِلْمَ هُوَ مَا هُوَ فِي دِينِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَهُوَ الْعِصْمَةُ مِنْ هَذِهِ الْأَدْواَءِ، فَكَيْفَ إِذَا أَصْبَحَ عَيْنَ الدَّاءِ؟ وَهُوَ حَاجِزٌ عَنِ الْوُقُوعِ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْأَهْوَاءِ، فَكَيْفَ إِذَا اتُّخِذَ مَطِيَّةً لِلْبَلَاءِ؟!([2]).
وَطَالِبُ الْعِلْمِ يَدْرُسُ فِي هَذَا الْمُقَرَّرِ مِنْ مُقَرَّرَاتِ جَامِعَةِ مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ آفَاتِ الْعِلْمِ التَّالِيَةِ:
وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الْآفَاتِ الَّتِي تُؤَثِّرُ عَلَى الْعِلْمِ وَطَالِبِه، وَآثَارِ الْعْلِمِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.
[1] مقدمة كتاب آداب طالب العلم لفضيلة الشيخ العلامة محمد بن سعيد رسلان -حفظه الله تعالى-.
[2] مقدمة كتاب آفات العلم لفضيلة الشيخ العلامة محمد بن سعيد رسلان -حفظه الله تعالى-.
الْحَمْدُ للهِ وَحْدَهُ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنْ لَا نَبِيَّ بَعْدَهُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، أَمَّا بَعْدُ:
«فَلَمَّا كَانَ الْعِلْمُ هُوَ عِبَادَةَ الْقَلْبِ وَسِرَّ حَيَاتِهِ، وَمَوْطِنَ قُوَّتِهِ كَانَ لِزَامًا عَلَى طَالِبِهِ أَنْ يُحَصِّلَ آدَابَهُ، وَأَنْ يَسْعَى جَاهِدًا مُشَمِّرًا فِي اكْتِسَابِهَا، وَإِلَّا سَارَ مُشَرِّقًا وَسَارَ الْعِلْمُ مُغَرِّبًا، وَكَانَ كَمَا قِيلَ:
سَارَتْ مُشَرِّقَةً وَسِرْتُ مُغَرِّبًا ** شَتَّانَ بَيْنَ مُشَرِّقٍ وَمُغَرِّبِ
عَلَى أَنُهَّ يَنْبَغِي التَّفَطُّنُ إِلَى أَنَّ هَذِهِ الْآدَابَ لَيْسَتْ كَأَيِّ آدَابٍ، بَلْ مِنْهَا مَا هُوَ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ فِي كُلِّ حِينٍ، سَوَاءٌ كَانَ طَالِبًا لِلْعِلْمِ أَمْ لَمْ يَكُنْ.
وَأَحْرَى بِمَنْ نَصَّبَ نَفْسَهُ لِلْعِلْمِ وَتَصَدَّى لَهُ مُتَعَلِّمًا أَوْ مُعَلِّمًا أَنْ يَظْهَرَ عَلَيْهِ أَثَرُ التَّوْحِيدِ وَالْعِبَادَةِ بِالتَّسْلِيمِ الْكَامِلِ لِلشَّرْعِ الْأَغَرِّ وَالْخُضُوعِ الْمُطْلَقِ لِلدِّينِ الْأَعَزِّ.
وَعَلَيْهِ، فَآدَابُ الطَّلَبِ لَا تَنْفَكُّ عَنْ أَصْحَابِ الْعِلْمِ أَبَدًا؛ لِأَنَّهَا مِمَّا دَلَّتْ عَلَيْهِ النُّصُوصُ الْعَامَّةُ وَأَرْشَدَتْ إِلَيْهِ، وَلِأَنَّ مِنْهَا مَا هُوَ مِنَ الْكُلِّيَّاتِ الْعَامَّةِ وَالْقَوَاعِدِ الشَّامِلَةِ فِي الدِّينِ لَا يَسَعُ أَحَدًا أَنْ يَخْرُجَ عَلَيْهَا، أَوْ أَنْ يَنْظُرَ إِلَيْهَا بِغَيْرِ عَيْنِ الِاعْتِبَارِ، وَهِيَ -أَيْ آدَابُ الطَّلَبِ- فِي كُلِّ الْأَحْوَالِ فِي حَقِّ طَالِبِ الْعِلْمِ آكَدُ، وَعَلَيْهِ أَوْجَبُ».
وَهُنَا سُؤَالٌ مُهِمٌّ: وَمَا قِيمَةُ أَنْ يَتَعَلَّمَ الْمُسْلِمُ آدَابَ طَلَبِ الْعِلْمِ فِي هَذَا الْوَاقِعِ الْأَلِيمِ؟!
وَهَذَا سُؤَالٌ وَجِيهٌ لَوْ لَمْ يَحْمِلْ فِي طَيَّاتِهِ بَرَاهِينَ الْفَقْدِ الْوَاضِحِ لِلتَّشْخِيصِ الصَّحِيحِ لِأَدْوَاءِ الْأُمَّةِ وَأَمْرَاضِهَا.
وَمَا تَخْرُجُ أَدْوَاءُ الْأُمَّةِ عَنْ ثَلَاثَةٍ: عَمَلٌ كَثِيرٌ مِنْ غَيْرِ عِلْمٍ، أَوْ عِلْمٌ كَثِيرٌ مِنْ غَيْرِ عَمَلٍ، أَوْ لَا عِلْمَ وَلَا عَمَلَ.
ثُمَّ إِنْ شِئْتَ فَاجْمَعْ هَذِهِ الْأَدْوَاءَ الثَّلَاثَةَ فِي دَاءٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ فَقْدُ ضَبْطِ النِّسْبَةِ بَيْنَ الْعِلْمِ وَالْعَمَلِ أَوْ بَيْنَ الْوَسِيلَةِ وَالْغَايَةِ إِنْ شِئْتَ الْوُصُولَ إِلَى عَيْنِ الْيَقِينِ.
يَا إِخْوَتَاهُ فِي كُلِّ ضَرْبٍ، إِنَّهُ لَنْ يَصْلُحَ آخِرُ هَذِهِ الْأُمَّةِ إِلَّا بِمَا صَلَحَ بِهِ أَوَّلُهَا، وَإِنَّمَا بَدَأَ هَذَا الْأَمْرُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {اقْرَأ}، وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يا أيها المدثر قم فأنذر} وَالْإِنْذَارُ لَا يَكُونُ بِالْجَهْلِ وَلَا بِالْبَاطِلِ، بَلْ بِالْعِلْمِ وَالْيَقِينِ.
وَأَعْرَفُ مَا يَقُولُ الْمُعْتَرِضُونَ، يَقُولُونَ: تَشْغَلُونَ الْأُمَّةَ بِالْفُرُوعِ !
وَنَقُولُ: لَا أَيُّهَا الْأَحِبَّةُ، بَلْ نُمَيِّزُ بَيْنَ الْعِلْمِ الْفَرْضِ الَّذِي هُوَ وَاجِبٌ عَلَى التَّعْيِينِ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ، وَمَا هُوَ عِلْمُ كِفَايَةٍ مَتَى قَامَ بِهِ رَجُلٌ فِي مَحَلَّةٍ سَقَطَ فَرْضُ طَلَبِهِ عَمَّنْ فِيهَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ.
إِنَّمَا نُرِيدُ أَنْ تَعْلَمَ الْأُمَّةُ عِلْمَ الْفَرْضِ الَّذِي يَلْزَمُ أَفْرَادَهَا أَجْمَعِينَ مِنْ مَعْرِفَةِ اللهِ وَالنَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَمَعْرِفَةِ مَا تَلْزَمُ مَعْرِفَتُهُ مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا وَالدِّينِ.
كُلُّ ذَلِكَ مِنْ أَجْلِ أَنْ تُبْعَثَ الْأُمَّةُ عَلَى مُقَوِّمَاتٍ لَا تَقُومُ الْأُمَمُ عَلَى الْإِجْمَالِ إِلَّا عَلَى أَمْثَالِهَا، وَمُقَوِّمَاتٍ تَلْزَمُ أُمَّةَ الْإِسْلَامِ عَلَى وَجْهِ الْخُصُوصِ، مِنْ تَوْحِيدٍ كَامِلٍ وَيَقِينٍ شَامِلٍ وَلُغَةٍ هِيَ عِنْدَ الْمُسْلِمِينَ مِنَ الدِّينِ، وَمَخْبَرٍ يَسُرُّ وَظَاهِرٍ مُنِيرٍ مِنْ غَيْرِ هُمُودٍ، {سيماهم في وجوههم من أثر السجود}.
إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأُمُورِ الْعَظِيمَةِ تَفْسُدُ مِنْ أَجْلِ الْيَسِيرِ مِنَ الْأُمُورِ، وَإِنَّ الْعِلْمَ الَّذِي هُوَ أَوَّلُ مَا يُعْقَدُ عَلَيْهِ الْخِنْصَرُ فِي الدِّينِ وَالْيَقِينِ لَيُفْسِدُهُ اضْطِرَابُ التَّلَقِّي؛ لِفَقْدِ الْآدَابِ مِنَ الشُّدَاةِ وَالْمُتَعَلِّمِينَ»([1]).
وَمِنْ أَهَمِّ الْآدَابِ الَّتِي يَدْرُسُهَا الطَّالِبُ فِي هَذَا الْمُقَرَّرِ مِنْ مُقَرَّرَاتِ جَامِعَةِ مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ:
«وَلَمَّا كَانَتْ مَدَاخِلُ الشَّيْطَانِ فِي الْعَمَلِ تَتَفَاوَتُ عَلَى مِقْدَارِ فَضْلِهِ وَقَدْرِ ثَمَرَتِهِ كَانَتْ مَدَاخِلُ الشَّيْطَانِ فِي الْعِلْمِ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ تُحْصَى وَأَبْعَدَ مِنْ أَنْ تُسْتَقْصَى؛ إِذِ الْعِلْمُ هُوَ أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ قَاطِبَةً.
قَالَ الْغَزَّالِيُّ -هُوَ أَبُو حَامِدٍ -رَحِمَهُ اللهُ-: «وَأَعْظَمُ الْأَشْيَاءِ رُتْبَةً فِي حَقِّ الْآدَمِيِّ السَّعَادَةُ الْأَبَدِيَّةُ، وَأَفْضَلُ الْأَشْيَاءِ مَا هُوَ وَسِيلَةٌ إِلَيْهَا، وَلَنْ يُتَوَصَّلَ إِلَيْهَا إِلَّا بِالْعِلْمِ وَالْعَمَلِ، وَلَا يُتَوَصَّلُ إِلَى الْعَمَلِ إِلَّا بِالْعِلْمِ بِكَيْفِيَّةِ الْعَمَلِ، فَأَصْلُ السَّعَادَةِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ هُوَ الْعِلْمُ، فَهُوَ إِذَنْ أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ».
وَإِذَنْ فَسَبِيلُ الْعِلْمِ مَحْفُوفَةٌ بِالْمَكَارِهِ وَالْمَشَاقِّ، وَمَدَاخِلُ الشَّيْطَانِ فِيهِ لَا يُحْصِيهَا إِلَّا اللهُ تَعَالَى، فَمِنْهَا مَا يُفْسِدُ الْعِلْمَ ذَاتَهُ عَلَى صَاحِبِهِ، وَمِنْهَا مَا يُفْسِدُ الْقَصْدَ وَالْإِرَادَةَ فِيهِ، وَمِنْهَا مَا يُفْسِدُ سَبِيلَ الطَّلَبِ، وَالنَّاجِي مَنْ عَصَمَهُ اللهُ تَعَالَى.
لِذَلِكَ يَنْبَغِي لِطَالِبِ الْعِلْمِ أَنْ يَلْتَفِتَ إِلَى دَرْسِ الْآفَاتِ الَّتِي تَعْرِضُ لِلْعِلْمِ فَتُفْسِدُهُ، أَوْ تُفْسِدُ سَبِيلَ الطَّلَبِ عَلَى طَالِبِهِ، أَوْ تُفْسِدُ الْقَصْدَ وَالْإِرَادَةَ وَالنِّيَّةَ فِيهِ حَتَّى لَا يُلِمَّ شَيْءٌ مِنْهَا بِهِ.
وَالْحَقُّ أَنَّ كَثِيرًا مِنْ هَذِهِ الْآفَاتِ قَدْ نَفَّرَ مِنْهَا الشَّرْعُ مِنْهُ وَرَغَّبَ الدِّينُ عَنْهُ عَلَى إِطْلَاقٍ، وَإِنَّمَا ازْدَادَ تَنْفِيرُ الشَّرْعِ مِنْهُ وَعَظُمَ تَرْغِيبُ الدِّينِ عَنْهُ حَالَ تَعَلُّقِ شَيْءٍ مِنْهُ بِالْعِلْمِ؛ لِأَنَّ الْعِلْمَ هُوَ مَا هُوَ فِي دِينِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَهُوَ الْعِصْمَةُ مِنْ هَذِهِ الْأَدْواَءِ، فَكَيْفَ إِذَا أَصْبَحَ عَيْنَ الدَّاءِ؟ وَهُوَ حَاجِزٌ عَنِ الْوُقُوعِ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْأَهْوَاءِ، فَكَيْفَ إِذَا اتُّخِذَ مَطِيَّةً لِلْبَلَاءِ؟!([2]).
وَطَالِبُ الْعِلْمِ يَدْرُسُ فِي هَذَا الْمُقَرَّرِ مِنْ مُقَرَّرَاتِ جَامِعَةِ مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ آفَاتِ الْعِلْمِ التَّالِيَةِ:
وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الْآفَاتِ الَّتِي تُؤَثِّرُ عَلَى الْعِلْمِ وَطَالِبِه، وَآثَارِ الْعْلِمِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.
[1] مقدمة كتاب آداب طالب العلم لفضيلة الشيخ العلامة محمد بن سعيد رسلان -حفظه الله تعالى-.
[2] مقدمة كتاب آفات العلم لفضيلة الشيخ العلامة محمد بن سعيد رسلان -حفظه الله تعالى-.
الْحَمْدُ للهِ وَحْدَهُ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنْ لَا نَبِيَّ بَعْدَهُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، أَمَّا بَعْدُ:
«فَلَمَّا كَانَ الْعِلْمُ هُوَ عِبَادَةَ الْقَلْبِ وَسِرَّ حَيَاتِهِ، وَمَوْطِنَ قُوَّتِهِ كَانَ لِزَامًا عَلَى طَالِبِهِ أَنْ يُحَصِّلَ آدَابَهُ، وَأَنْ يَسْعَى جَاهِدًا مُشَمِّرًا فِي اكْتِسَابِهَا، وَإِلَّا سَارَ مُشَرِّقًا وَسَارَ الْعِلْمُ مُغَرِّبًا، وَكَانَ كَمَا قِيلَ:
سَارَتْ مُشَرِّقَةً وَسِرْتُ مُغَرِّبًا ** شَتَّانَ بَيْنَ مُشَرِّقٍ وَمُغَرِّبِ
عَلَى أَنُهَّ يَنْبَغِي التَّفَطُّنُ إِلَى أَنَّ هَذِهِ الْآدَابَ لَيْسَتْ كَأَيِّ آدَابٍ، بَلْ مِنْهَا مَا هُوَ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ فِي كُلِّ حِينٍ، سَوَاءٌ كَانَ طَالِبًا لِلْعِلْمِ أَمْ لَمْ يَكُنْ.
وَأَحْرَى بِمَنْ نَصَّبَ نَفْسَهُ لِلْعِلْمِ وَتَصَدَّى لَهُ مُتَعَلِّمًا أَوْ مُعَلِّمًا أَنْ يَظْهَرَ عَلَيْهِ أَثَرُ التَّوْحِيدِ وَالْعِبَادَةِ بِالتَّسْلِيمِ الْكَامِلِ لِلشَّرْعِ الْأَغَرِّ وَالْخُضُوعِ الْمُطْلَقِ لِلدِّينِ الْأَعَزِّ.
وَعَلَيْهِ، فَآدَابُ الطَّلَبِ لَا تَنْفَكُّ عَنْ أَصْحَابِ الْعِلْمِ أَبَدًا؛ لِأَنَّهَا مِمَّا دَلَّتْ عَلَيْهِ النُّصُوصُ الْعَامَّةُ وَأَرْشَدَتْ إِلَيْهِ، وَلِأَنَّ مِنْهَا مَا هُوَ مِنَ الْكُلِّيَّاتِ الْعَامَّةِ وَالْقَوَاعِدِ الشَّامِلَةِ فِي الدِّينِ لَا يَسَعُ أَحَدًا أَنْ يَخْرُجَ عَلَيْهَا، أَوْ أَنْ يَنْظُرَ إِلَيْهَا بِغَيْرِ عَيْنِ الِاعْتِبَارِ، وَهِيَ -أَيْ آدَابُ الطَّلَبِ- فِي كُلِّ الْأَحْوَالِ فِي حَقِّ طَالِبِ الْعِلْمِ آكَدُ، وَعَلَيْهِ أَوْجَبُ».
وَهُنَا سُؤَالٌ مُهِمٌّ: وَمَا قِيمَةُ أَنْ يَتَعَلَّمَ الْمُسْلِمُ آدَابَ طَلَبِ الْعِلْمِ فِي هَذَا الْوَاقِعِ الْأَلِيمِ؟!
وَهَذَا سُؤَالٌ وَجِيهٌ لَوْ لَمْ يَحْمِلْ فِي طَيَّاتِهِ بَرَاهِينَ الْفَقْدِ الْوَاضِحِ لِلتَّشْخِيصِ الصَّحِيحِ لِأَدْوَاءِ الْأُمَّةِ وَأَمْرَاضِهَا.
وَمَا تَخْرُجُ أَدْوَاءُ الْأُمَّةِ عَنْ ثَلَاثَةٍ: عَمَلٌ كَثِيرٌ مِنْ غَيْرِ عِلْمٍ، أَوْ عِلْمٌ كَثِيرٌ مِنْ غَيْرِ عَمَلٍ، أَوْ لَا عِلْمَ وَلَا عَمَلَ.
ثُمَّ إِنْ شِئْتَ فَاجْمَعْ هَذِهِ الْأَدْوَاءَ الثَّلَاثَةَ فِي دَاءٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ فَقْدُ ضَبْطِ النِّسْبَةِ بَيْنَ الْعِلْمِ وَالْعَمَلِ أَوْ بَيْنَ الْوَسِيلَةِ وَالْغَايَةِ إِنْ شِئْتَ الْوُصُولَ إِلَى عَيْنِ الْيَقِينِ.
يَا إِخْوَتَاهُ فِي كُلِّ ضَرْبٍ، إِنَّهُ لَنْ يَصْلُحَ آخِرُ هَذِهِ الْأُمَّةِ إِلَّا بِمَا صَلَحَ بِهِ أَوَّلُهَا، وَإِنَّمَا بَدَأَ هَذَا الْأَمْرُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {اقْرَأ}، وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يا أيها المدثر قم فأنذر} وَالْإِنْذَارُ لَا يَكُونُ بِالْجَهْلِ وَلَا بِالْبَاطِلِ، بَلْ بِالْعِلْمِ وَالْيَقِينِ.
وَأَعْرَفُ مَا يَقُولُ الْمُعْتَرِضُونَ، يَقُولُونَ: تَشْغَلُونَ الْأُمَّةَ بِالْفُرُوعِ !
وَنَقُولُ: لَا أَيُّهَا الْأَحِبَّةُ، بَلْ نُمَيِّزُ بَيْنَ الْعِلْمِ الْفَرْضِ الَّذِي هُوَ وَاجِبٌ عَلَى التَّعْيِينِ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ، وَمَا هُوَ عِلْمُ كِفَايَةٍ مَتَى قَامَ بِهِ رَجُلٌ فِي مَحَلَّةٍ سَقَطَ فَرْضُ طَلَبِهِ عَمَّنْ فِيهَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ.
إِنَّمَا نُرِيدُ أَنْ تَعْلَمَ الْأُمَّةُ عِلْمَ الْفَرْضِ الَّذِي يَلْزَمُ أَفْرَادَهَا أَجْمَعِينَ مِنْ مَعْرِفَةِ اللهِ وَالنَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَمَعْرِفَةِ مَا تَلْزَمُ مَعْرِفَتُهُ مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا وَالدِّينِ.
كُلُّ ذَلِكَ مِنْ أَجْلِ أَنْ تُبْعَثَ الْأُمَّةُ عَلَى مُقَوِّمَاتٍ لَا تَقُومُ الْأُمَمُ عَلَى الْإِجْمَالِ إِلَّا عَلَى أَمْثَالِهَا، وَمُقَوِّمَاتٍ تَلْزَمُ أُمَّةَ الْإِسْلَامِ عَلَى وَجْهِ الْخُصُوصِ، مِنْ تَوْحِيدٍ كَامِلٍ وَيَقِينٍ شَامِلٍ وَلُغَةٍ هِيَ عِنْدَ الْمُسْلِمِينَ مِنَ الدِّينِ، وَمَخْبَرٍ يَسُرُّ وَظَاهِرٍ مُنِيرٍ مِنْ غَيْرِ هُمُودٍ، {سيماهم في وجوههم من أثر السجود}.
إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأُمُورِ الْعَظِيمَةِ تَفْسُدُ مِنْ أَجْلِ الْيَسِيرِ مِنَ الْأُمُورِ، وَإِنَّ الْعِلْمَ الَّذِي هُوَ أَوَّلُ مَا يُعْقَدُ عَلَيْهِ الْخِنْصَرُ فِي الدِّينِ وَالْيَقِينِ لَيُفْسِدُهُ اضْطِرَابُ التَّلَقِّي؛ لِفَقْدِ الْآدَابِ مِنَ الشُّدَاةِ وَالْمُتَعَلِّمِينَ»([1]).
وَمِنْ أَهَمِّ الْآدَابِ الَّتِي يَدْرُسُهَا الطَّالِبُ فِي هَذَا الْمُقَرَّرِ مِنْ مُقَرَّرَاتِ جَامِعَةِ مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ:
«وَلَمَّا كَانَتْ مَدَاخِلُ الشَّيْطَانِ فِي الْعَمَلِ تَتَفَاوَتُ عَلَى مِقْدَارِ فَضْلِهِ وَقَدْرِ ثَمَرَتِهِ كَانَتْ مَدَاخِلُ الشَّيْطَانِ فِي الْعِلْمِ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ تُحْصَى وَأَبْعَدَ مِنْ أَنْ تُسْتَقْصَى؛ إِذِ الْعِلْمُ هُوَ أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ قَاطِبَةً.
قَالَ الْغَزَّالِيُّ -هُوَ أَبُو حَامِدٍ -رَحِمَهُ اللهُ-: «وَأَعْظَمُ الْأَشْيَاءِ رُتْبَةً فِي حَقِّ الْآدَمِيِّ السَّعَادَةُ الْأَبَدِيَّةُ، وَأَفْضَلُ الْأَشْيَاءِ مَا هُوَ وَسِيلَةٌ إِلَيْهَا، وَلَنْ يُتَوَصَّلَ إِلَيْهَا إِلَّا بِالْعِلْمِ وَالْعَمَلِ، وَلَا يُتَوَصَّلُ إِلَى الْعَمَلِ إِلَّا بِالْعِلْمِ بِكَيْفِيَّةِ الْعَمَلِ، فَأَصْلُ السَّعَادَةِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ هُوَ الْعِلْمُ، فَهُوَ إِذَنْ أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ».
وَإِذَنْ فَسَبِيلُ الْعِلْمِ مَحْفُوفَةٌ بِالْمَكَارِهِ وَالْمَشَاقِّ، وَمَدَاخِلُ الشَّيْطَانِ فِيهِ لَا يُحْصِيهَا إِلَّا اللهُ تَعَالَى، فَمِنْهَا مَا يُفْسِدُ الْعِلْمَ ذَاتَهُ عَلَى صَاحِبِهِ، وَمِنْهَا مَا يُفْسِدُ الْقَصْدَ وَالْإِرَادَةَ فِيهِ، وَمِنْهَا مَا يُفْسِدُ سَبِيلَ الطَّلَبِ، وَالنَّاجِي مَنْ عَصَمَهُ اللهُ تَعَالَى.
لِذَلِكَ يَنْبَغِي لِطَالِبِ الْعِلْمِ أَنْ يَلْتَفِتَ إِلَى دَرْسِ الْآفَاتِ الَّتِي تَعْرِضُ لِلْعِلْمِ فَتُفْسِدُهُ، أَوْ تُفْسِدُ سَبِيلَ الطَّلَبِ عَلَى طَالِبِهِ، أَوْ تُفْسِدُ الْقَصْدَ وَالْإِرَادَةَ وَالنِّيَّةَ فِيهِ حَتَّى لَا يُلِمَّ شَيْءٌ مِنْهَا بِهِ.
وَالْحَقُّ أَنَّ كَثِيرًا مِنْ هَذِهِ الْآفَاتِ قَدْ نَفَّرَ مِنْهَا الشَّرْعُ مِنْهُ وَرَغَّبَ الدِّينُ عَنْهُ عَلَى إِطْلَاقٍ، وَإِنَّمَا ازْدَادَ تَنْفِيرُ الشَّرْعِ مِنْهُ وَعَظُمَ تَرْغِيبُ الدِّينِ عَنْهُ حَالَ تَعَلُّقِ شَيْءٍ مِنْهُ بِالْعِلْمِ؛ لِأَنَّ الْعِلْمَ هُوَ مَا هُوَ فِي دِينِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَهُوَ الْعِصْمَةُ مِنْ هَذِهِ الْأَدْواَءِ، فَكَيْفَ إِذَا أَصْبَحَ عَيْنَ الدَّاءِ؟ وَهُوَ حَاجِزٌ عَنِ الْوُقُوعِ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْأَهْوَاءِ، فَكَيْفَ إِذَا اتُّخِذَ مَطِيَّةً لِلْبَلَاءِ؟!([2]).
وَطَالِبُ الْعِلْمِ يَدْرُسُ فِي هَذَا الْمُقَرَّرِ مِنْ مُقَرَّرَاتِ جَامِعَةِ مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ آفَاتِ الْعِلْمِ التَّالِيَةِ:
وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الْآفَاتِ الَّتِي تُؤَثِّرُ عَلَى الْعِلْمِ وَطَالِبِه، وَآثَارِ الْعْلِمِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.
[1] مقدمة كتاب آداب طالب العلم لفضيلة الشيخ العلامة محمد بن سعيد رسلان -حفظه الله تعالى-.
[2] مقدمة كتاب آفات العلم لفضيلة الشيخ العلامة محمد بن سعيد رسلان -حفظه الله تعالى-.
الْحَمْدُ للهِ وَحْدَهُ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنْ لَا نَبِيَّ بَعْدَهُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، أَمَّا بَعْدُ:
«فَلَمَّا كَانَ الْعِلْمُ هُوَ عِبَادَةَ الْقَلْبِ وَسِرَّ حَيَاتِهِ، وَمَوْطِنَ قُوَّتِهِ كَانَ لِزَامًا عَلَى طَالِبِهِ أَنْ يُحَصِّلَ آدَابَهُ، وَأَنْ يَسْعَى جَاهِدًا مُشَمِّرًا فِي اكْتِسَابِهَا، وَإِلَّا سَارَ مُشَرِّقًا وَسَارَ الْعِلْمُ مُغَرِّبًا، وَكَانَ كَمَا قِيلَ:
سَارَتْ مُشَرِّقَةً وَسِرْتُ مُغَرِّبًا ** شَتَّانَ بَيْنَ مُشَرِّقٍ وَمُغَرِّبِ
عَلَى أَنُهَّ يَنْبَغِي التَّفَطُّنُ إِلَى أَنَّ هَذِهِ الْآدَابَ لَيْسَتْ كَأَيِّ آدَابٍ، بَلْ مِنْهَا مَا هُوَ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ فِي كُلِّ حِينٍ، سَوَاءٌ كَانَ طَالِبًا لِلْعِلْمِ أَمْ لَمْ يَكُنْ.
وَأَحْرَى بِمَنْ نَصَّبَ نَفْسَهُ لِلْعِلْمِ وَتَصَدَّى لَهُ مُتَعَلِّمًا أَوْ مُعَلِّمًا أَنْ يَظْهَرَ عَلَيْهِ أَثَرُ التَّوْحِيدِ وَالْعِبَادَةِ بِالتَّسْلِيمِ الْكَامِلِ لِلشَّرْعِ الْأَغَرِّ وَالْخُضُوعِ الْمُطْلَقِ لِلدِّينِ الْأَعَزِّ.
وَعَلَيْهِ، فَآدَابُ الطَّلَبِ لَا تَنْفَكُّ عَنْ أَصْحَابِ الْعِلْمِ أَبَدًا؛ لِأَنَّهَا مِمَّا دَلَّتْ عَلَيْهِ النُّصُوصُ الْعَامَّةُ وَأَرْشَدَتْ إِلَيْهِ، وَلِأَنَّ مِنْهَا مَا هُوَ مِنَ الْكُلِّيَّاتِ الْعَامَّةِ وَالْقَوَاعِدِ الشَّامِلَةِ فِي الدِّينِ لَا يَسَعُ أَحَدًا أَنْ يَخْرُجَ عَلَيْهَا، أَوْ أَنْ يَنْظُرَ إِلَيْهَا بِغَيْرِ عَيْنِ الِاعْتِبَارِ، وَهِيَ -أَيْ آدَابُ الطَّلَبِ- فِي كُلِّ الْأَحْوَالِ فِي حَقِّ طَالِبِ الْعِلْمِ آكَدُ، وَعَلَيْهِ أَوْجَبُ».
وَهُنَا سُؤَالٌ مُهِمٌّ: وَمَا قِيمَةُ أَنْ يَتَعَلَّمَ الْمُسْلِمُ آدَابَ طَلَبِ الْعِلْمِ فِي هَذَا الْوَاقِعِ الْأَلِيمِ؟!
وَهَذَا سُؤَالٌ وَجِيهٌ لَوْ لَمْ يَحْمِلْ فِي طَيَّاتِهِ بَرَاهِينَ الْفَقْدِ الْوَاضِحِ لِلتَّشْخِيصِ الصَّحِيحِ لِأَدْوَاءِ الْأُمَّةِ وَأَمْرَاضِهَا.
وَمَا تَخْرُجُ أَدْوَاءُ الْأُمَّةِ عَنْ ثَلَاثَةٍ: عَمَلٌ كَثِيرٌ مِنْ غَيْرِ عِلْمٍ، أَوْ عِلْمٌ كَثِيرٌ مِنْ غَيْرِ عَمَلٍ، أَوْ لَا عِلْمَ وَلَا عَمَلَ.
ثُمَّ إِنْ شِئْتَ فَاجْمَعْ هَذِهِ الْأَدْوَاءَ الثَّلَاثَةَ فِي دَاءٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ فَقْدُ ضَبْطِ النِّسْبَةِ بَيْنَ الْعِلْمِ وَالْعَمَلِ أَوْ بَيْنَ الْوَسِيلَةِ وَالْغَايَةِ إِنْ شِئْتَ الْوُصُولَ إِلَى عَيْنِ الْيَقِينِ.
يَا إِخْوَتَاهُ فِي كُلِّ ضَرْبٍ، إِنَّهُ لَنْ يَصْلُحَ آخِرُ هَذِهِ الْأُمَّةِ إِلَّا بِمَا صَلَحَ بِهِ أَوَّلُهَا، وَإِنَّمَا بَدَأَ هَذَا الْأَمْرُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {اقْرَأ}، وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يا أيها المدثر قم فأنذر} وَالْإِنْذَارُ لَا يَكُونُ بِالْجَهْلِ وَلَا بِالْبَاطِلِ، بَلْ بِالْعِلْمِ وَالْيَقِينِ.
وَأَعْرَفُ مَا يَقُولُ الْمُعْتَرِضُونَ، يَقُولُونَ: تَشْغَلُونَ الْأُمَّةَ بِالْفُرُوعِ !
وَنَقُولُ: لَا أَيُّهَا الْأَحِبَّةُ، بَلْ نُمَيِّزُ بَيْنَ الْعِلْمِ الْفَرْضِ الَّذِي هُوَ وَاجِبٌ عَلَى التَّعْيِينِ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ، وَمَا هُوَ عِلْمُ كِفَايَةٍ مَتَى قَامَ بِهِ رَجُلٌ فِي مَحَلَّةٍ سَقَطَ فَرْضُ طَلَبِهِ عَمَّنْ فِيهَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ.
إِنَّمَا نُرِيدُ أَنْ تَعْلَمَ الْأُمَّةُ عِلْمَ الْفَرْضِ الَّذِي يَلْزَمُ أَفْرَادَهَا أَجْمَعِينَ مِنْ مَعْرِفَةِ اللهِ وَالنَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَمَعْرِفَةِ مَا تَلْزَمُ مَعْرِفَتُهُ مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا وَالدِّينِ.
كُلُّ ذَلِكَ مِنْ أَجْلِ أَنْ تُبْعَثَ الْأُمَّةُ عَلَى مُقَوِّمَاتٍ لَا تَقُومُ الْأُمَمُ عَلَى الْإِجْمَالِ إِلَّا عَلَى أَمْثَالِهَا، وَمُقَوِّمَاتٍ تَلْزَمُ أُمَّةَ الْإِسْلَامِ عَلَى وَجْهِ الْخُصُوصِ، مِنْ تَوْحِيدٍ كَامِلٍ وَيَقِينٍ شَامِلٍ وَلُغَةٍ هِيَ عِنْدَ الْمُسْلِمِينَ مِنَ الدِّينِ، وَمَخْبَرٍ يَسُرُّ وَظَاهِرٍ مُنِيرٍ مِنْ غَيْرِ هُمُودٍ، {سيماهم في وجوههم من أثر السجود}.
إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأُمُورِ الْعَظِيمَةِ تَفْسُدُ مِنْ أَجْلِ الْيَسِيرِ مِنَ الْأُمُورِ، وَإِنَّ الْعِلْمَ الَّذِي هُوَ أَوَّلُ مَا يُعْقَدُ عَلَيْهِ الْخِنْصَرُ فِي الدِّينِ وَالْيَقِينِ لَيُفْسِدُهُ اضْطِرَابُ التَّلَقِّي؛ لِفَقْدِ الْآدَابِ مِنَ الشُّدَاةِ وَالْمُتَعَلِّمِينَ»([1]).
وَمِنْ أَهَمِّ الْآدَابِ الَّتِي يَدْرُسُهَا الطَّالِبُ فِي هَذَا الْمُقَرَّرِ مِنْ مُقَرَّرَاتِ جَامِعَةِ مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ:
«وَلَمَّا كَانَتْ مَدَاخِلُ الشَّيْطَانِ فِي الْعَمَلِ تَتَفَاوَتُ عَلَى مِقْدَارِ فَضْلِهِ وَقَدْرِ ثَمَرَتِهِ كَانَتْ مَدَاخِلُ الشَّيْطَانِ فِي الْعِلْمِ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ تُحْصَى وَأَبْعَدَ مِنْ أَنْ تُسْتَقْصَى؛ إِذِ الْعِلْمُ هُوَ أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ قَاطِبَةً.
قَالَ الْغَزَّالِيُّ -هُوَ أَبُو حَامِدٍ -رَحِمَهُ اللهُ-: «وَأَعْظَمُ الْأَشْيَاءِ رُتْبَةً فِي حَقِّ الْآدَمِيِّ السَّعَادَةُ الْأَبَدِيَّةُ، وَأَفْضَلُ الْأَشْيَاءِ مَا هُوَ وَسِيلَةٌ إِلَيْهَا، وَلَنْ يُتَوَصَّلَ إِلَيْهَا إِلَّا بِالْعِلْمِ وَالْعَمَلِ، وَلَا يُتَوَصَّلُ إِلَى الْعَمَلِ إِلَّا بِالْعِلْمِ بِكَيْفِيَّةِ الْعَمَلِ، فَأَصْلُ السَّعَادَةِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ هُوَ الْعِلْمُ، فَهُوَ إِذَنْ أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ».
وَإِذَنْ فَسَبِيلُ الْعِلْمِ مَحْفُوفَةٌ بِالْمَكَارِهِ وَالْمَشَاقِّ، وَمَدَاخِلُ الشَّيْطَانِ فِيهِ لَا يُحْصِيهَا إِلَّا اللهُ تَعَالَى، فَمِنْهَا مَا يُفْسِدُ الْعِلْمَ ذَاتَهُ عَلَى صَاحِبِهِ، وَمِنْهَا مَا يُفْسِدُ الْقَصْدَ وَالْإِرَادَةَ فِيهِ، وَمِنْهَا مَا يُفْسِدُ سَبِيلَ الطَّلَبِ، وَالنَّاجِي مَنْ عَصَمَهُ اللهُ تَعَالَى.
لِذَلِكَ يَنْبَغِي لِطَالِبِ الْعِلْمِ أَنْ يَلْتَفِتَ إِلَى دَرْسِ الْآفَاتِ الَّتِي تَعْرِضُ لِلْعِلْمِ فَتُفْسِدُهُ، أَوْ تُفْسِدُ سَبِيلَ الطَّلَبِ عَلَى طَالِبِهِ، أَوْ تُفْسِدُ الْقَصْدَ وَالْإِرَادَةَ وَالنِّيَّةَ فِيهِ حَتَّى لَا يُلِمَّ شَيْءٌ مِنْهَا بِهِ.
وَالْحَقُّ أَنَّ كَثِيرًا مِنْ هَذِهِ الْآفَاتِ قَدْ نَفَّرَ مِنْهَا الشَّرْعُ مِنْهُ وَرَغَّبَ الدِّينُ عَنْهُ عَلَى إِطْلَاقٍ، وَإِنَّمَا ازْدَادَ تَنْفِيرُ الشَّرْعِ مِنْهُ وَعَظُمَ تَرْغِيبُ الدِّينِ عَنْهُ حَالَ تَعَلُّقِ شَيْءٍ مِنْهُ بِالْعِلْمِ؛ لِأَنَّ الْعِلْمَ هُوَ مَا هُوَ فِي دِينِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَهُوَ الْعِصْمَةُ مِنْ هَذِهِ الْأَدْواَءِ، فَكَيْفَ إِذَا أَصْبَحَ عَيْنَ الدَّاءِ؟ وَهُوَ حَاجِزٌ عَنِ الْوُقُوعِ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْأَهْوَاءِ، فَكَيْفَ إِذَا اتُّخِذَ مَطِيَّةً لِلْبَلَاءِ؟!([2]).
وَطَالِبُ الْعِلْمِ يَدْرُسُ فِي هَذَا الْمُقَرَّرِ مِنْ مُقَرَّرَاتِ جَامِعَةِ مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ آفَاتِ الْعِلْمِ التَّالِيَةِ:
وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الْآفَاتِ الَّتِي تُؤَثِّرُ عَلَى الْعِلْمِ وَطَالِبِه، وَآثَارِ الْعْلِمِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.
[1] مقدمة كتاب آداب طالب العلم لفضيلة الشيخ العلامة محمد بن سعيد رسلان -حفظه الله تعالى-.
[2] مقدمة كتاب آفات العلم لفضيلة الشيخ العلامة محمد بن سعيد رسلان -حفظه الله تعالى-.
الْحَمْدُ للهِ وَحْدَهُ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنْ لَا نَبِيَّ بَعْدَهُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، أَمَّا بَعْدُ:
«فَلَمَّا كَانَ الْعِلْمُ هُوَ عِبَادَةَ الْقَلْبِ وَسِرَّ حَيَاتِهِ، وَمَوْطِنَ قُوَّتِهِ كَانَ لِزَامًا عَلَى طَالِبِهِ أَنْ يُحَصِّلَ آدَابَهُ، وَأَنْ يَسْعَى جَاهِدًا مُشَمِّرًا فِي اكْتِسَابِهَا، وَإِلَّا سَارَ مُشَرِّقًا وَسَارَ الْعِلْمُ مُغَرِّبًا، وَكَانَ كَمَا قِيلَ:
سَارَتْ مُشَرِّقَةً وَسِرْتُ مُغَرِّبًا ** شَتَّانَ بَيْنَ مُشَرِّقٍ وَمُغَرِّبِ
عَلَى أَنُهَّ يَنْبَغِي التَّفَطُّنُ إِلَى أَنَّ هَذِهِ الْآدَابَ لَيْسَتْ كَأَيِّ آدَابٍ، بَلْ مِنْهَا مَا هُوَ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ فِي كُلِّ حِينٍ، سَوَاءٌ كَانَ طَالِبًا لِلْعِلْمِ أَمْ لَمْ يَكُنْ.
وَأَحْرَى بِمَنْ نَصَّبَ نَفْسَهُ لِلْعِلْمِ وَتَصَدَّى لَهُ مُتَعَلِّمًا أَوْ مُعَلِّمًا أَنْ يَظْهَرَ عَلَيْهِ أَثَرُ التَّوْحِيدِ وَالْعِبَادَةِ بِالتَّسْلِيمِ الْكَامِلِ لِلشَّرْعِ الْأَغَرِّ وَالْخُضُوعِ الْمُطْلَقِ لِلدِّينِ الْأَعَزِّ.
وَعَلَيْهِ، فَآدَابُ الطَّلَبِ لَا تَنْفَكُّ عَنْ أَصْحَابِ الْعِلْمِ أَبَدًا؛ لِأَنَّهَا مِمَّا دَلَّتْ عَلَيْهِ النُّصُوصُ الْعَامَّةُ وَأَرْشَدَتْ إِلَيْهِ، وَلِأَنَّ مِنْهَا مَا هُوَ مِنَ الْكُلِّيَّاتِ الْعَامَّةِ وَالْقَوَاعِدِ الشَّامِلَةِ فِي الدِّينِ لَا يَسَعُ أَحَدًا أَنْ يَخْرُجَ عَلَيْهَا، أَوْ أَنْ يَنْظُرَ إِلَيْهَا بِغَيْرِ عَيْنِ الِاعْتِبَارِ، وَهِيَ -أَيْ آدَابُ الطَّلَبِ- فِي كُلِّ الْأَحْوَالِ فِي حَقِّ طَالِبِ الْعِلْمِ آكَدُ، وَعَلَيْهِ أَوْجَبُ».
وَهُنَا سُؤَالٌ مُهِمٌّ: وَمَا قِيمَةُ أَنْ يَتَعَلَّمَ الْمُسْلِمُ آدَابَ طَلَبِ الْعِلْمِ فِي هَذَا الْوَاقِعِ الْأَلِيمِ؟!
وَهَذَا سُؤَالٌ وَجِيهٌ لَوْ لَمْ يَحْمِلْ فِي طَيَّاتِهِ بَرَاهِينَ الْفَقْدِ الْوَاضِحِ لِلتَّشْخِيصِ الصَّحِيحِ لِأَدْوَاءِ الْأُمَّةِ وَأَمْرَاضِهَا.
وَمَا تَخْرُجُ أَدْوَاءُ الْأُمَّةِ عَنْ ثَلَاثَةٍ: عَمَلٌ كَثِيرٌ مِنْ غَيْرِ عِلْمٍ، أَوْ عِلْمٌ كَثِيرٌ مِنْ غَيْرِ عَمَلٍ، أَوْ لَا عِلْمَ وَلَا عَمَلَ.
ثُمَّ إِنْ شِئْتَ فَاجْمَعْ هَذِهِ الْأَدْوَاءَ الثَّلَاثَةَ فِي دَاءٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ فَقْدُ ضَبْطِ النِّسْبَةِ بَيْنَ الْعِلْمِ وَالْعَمَلِ أَوْ بَيْنَ الْوَسِيلَةِ وَالْغَايَةِ إِنْ شِئْتَ الْوُصُولَ إِلَى عَيْنِ الْيَقِينِ.
يَا إِخْوَتَاهُ فِي كُلِّ ضَرْبٍ، إِنَّهُ لَنْ يَصْلُحَ آخِرُ هَذِهِ الْأُمَّةِ إِلَّا بِمَا صَلَحَ بِهِ أَوَّلُهَا، وَإِنَّمَا بَدَأَ هَذَا الْأَمْرُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {اقْرَأ}، وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يا أيها المدثر قم فأنذر} وَالْإِنْذَارُ لَا يَكُونُ بِالْجَهْلِ وَلَا بِالْبَاطِلِ، بَلْ بِالْعِلْمِ وَالْيَقِينِ.
وَأَعْرَفُ مَا يَقُولُ الْمُعْتَرِضُونَ، يَقُولُونَ: تَشْغَلُونَ الْأُمَّةَ بِالْفُرُوعِ !
وَنَقُولُ: لَا أَيُّهَا الْأَحِبَّةُ، بَلْ نُمَيِّزُ بَيْنَ الْعِلْمِ الْفَرْضِ الَّذِي هُوَ وَاجِبٌ عَلَى التَّعْيِينِ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ، وَمَا هُوَ عِلْمُ كِفَايَةٍ مَتَى قَامَ بِهِ رَجُلٌ فِي مَحَلَّةٍ سَقَطَ فَرْضُ طَلَبِهِ عَمَّنْ فِيهَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ.
إِنَّمَا نُرِيدُ أَنْ تَعْلَمَ الْأُمَّةُ عِلْمَ الْفَرْضِ الَّذِي يَلْزَمُ أَفْرَادَهَا أَجْمَعِينَ مِنْ مَعْرِفَةِ اللهِ وَالنَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَمَعْرِفَةِ مَا تَلْزَمُ مَعْرِفَتُهُ مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا وَالدِّينِ.
كُلُّ ذَلِكَ مِنْ أَجْلِ أَنْ تُبْعَثَ الْأُمَّةُ عَلَى مُقَوِّمَاتٍ لَا تَقُومُ الْأُمَمُ عَلَى الْإِجْمَالِ إِلَّا عَلَى أَمْثَالِهَا، وَمُقَوِّمَاتٍ تَلْزَمُ أُمَّةَ الْإِسْلَامِ عَلَى وَجْهِ الْخُصُوصِ، مِنْ تَوْحِيدٍ كَامِلٍ وَيَقِينٍ شَامِلٍ وَلُغَةٍ هِيَ عِنْدَ الْمُسْلِمِينَ مِنَ الدِّينِ، وَمَخْبَرٍ يَسُرُّ وَظَاهِرٍ مُنِيرٍ مِنْ غَيْرِ هُمُودٍ، {سيماهم في وجوههم من أثر السجود}.
إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأُمُورِ الْعَظِيمَةِ تَفْسُدُ مِنْ أَجْلِ الْيَسِيرِ مِنَ الْأُمُورِ، وَإِنَّ الْعِلْمَ الَّذِي هُوَ أَوَّلُ مَا يُعْقَدُ عَلَيْهِ الْخِنْصَرُ فِي الدِّينِ وَالْيَقِينِ لَيُفْسِدُهُ اضْطِرَابُ التَّلَقِّي؛ لِفَقْدِ الْآدَابِ مِنَ الشُّدَاةِ وَالْمُتَعَلِّمِينَ»([1]).
وَمِنْ أَهَمِّ الْآدَابِ الَّتِي يَدْرُسُهَا الطَّالِبُ فِي هَذَا الْمُقَرَّرِ مِنْ مُقَرَّرَاتِ جَامِعَةِ مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ:
«وَلَمَّا كَانَتْ مَدَاخِلُ الشَّيْطَانِ فِي الْعَمَلِ تَتَفَاوَتُ عَلَى مِقْدَارِ فَضْلِهِ وَقَدْرِ ثَمَرَتِهِ كَانَتْ مَدَاخِلُ الشَّيْطَانِ فِي الْعِلْمِ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ تُحْصَى وَأَبْعَدَ مِنْ أَنْ تُسْتَقْصَى؛ إِذِ الْعِلْمُ هُوَ أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ قَاطِبَةً.
قَالَ الْغَزَّالِيُّ -هُوَ أَبُو حَامِدٍ -رَحِمَهُ اللهُ-: «وَأَعْظَمُ الْأَشْيَاءِ رُتْبَةً فِي حَقِّ الْآدَمِيِّ السَّعَادَةُ الْأَبَدِيَّةُ، وَأَفْضَلُ الْأَشْيَاءِ مَا هُوَ وَسِيلَةٌ إِلَيْهَا، وَلَنْ يُتَوَصَّلَ إِلَيْهَا إِلَّا بِالْعِلْمِ وَالْعَمَلِ، وَلَا يُتَوَصَّلُ إِلَى الْعَمَلِ إِلَّا بِالْعِلْمِ بِكَيْفِيَّةِ الْعَمَلِ، فَأَصْلُ السَّعَادَةِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ هُوَ الْعِلْمُ، فَهُوَ إِذَنْ أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ».
وَإِذَنْ فَسَبِيلُ الْعِلْمِ مَحْفُوفَةٌ بِالْمَكَارِهِ وَالْمَشَاقِّ، وَمَدَاخِلُ الشَّيْطَانِ فِيهِ لَا يُحْصِيهَا إِلَّا اللهُ تَعَالَى، فَمِنْهَا مَا يُفْسِدُ الْعِلْمَ ذَاتَهُ عَلَى صَاحِبِهِ، وَمِنْهَا مَا يُفْسِدُ الْقَصْدَ وَالْإِرَادَةَ فِيهِ، وَمِنْهَا مَا يُفْسِدُ سَبِيلَ الطَّلَبِ، وَالنَّاجِي مَنْ عَصَمَهُ اللهُ تَعَالَى.
لِذَلِكَ يَنْبَغِي لِطَالِبِ الْعِلْمِ أَنْ يَلْتَفِتَ إِلَى دَرْسِ الْآفَاتِ الَّتِي تَعْرِضُ لِلْعِلْمِ فَتُفْسِدُهُ، أَوْ تُفْسِدُ سَبِيلَ الطَّلَبِ عَلَى طَالِبِهِ، أَوْ تُفْسِدُ الْقَصْدَ وَالْإِرَادَةَ وَالنِّيَّةَ فِيهِ حَتَّى لَا يُلِمَّ شَيْءٌ مِنْهَا بِهِ.
وَالْحَقُّ أَنَّ كَثِيرًا مِنْ هَذِهِ الْآفَاتِ قَدْ نَفَّرَ مِنْهَا الشَّرْعُ مِنْهُ وَرَغَّبَ الدِّينُ عَنْهُ عَلَى إِطْلَاقٍ، وَإِنَّمَا ازْدَادَ تَنْفِيرُ الشَّرْعِ مِنْهُ وَعَظُمَ تَرْغِيبُ الدِّينِ عَنْهُ حَالَ تَعَلُّقِ شَيْءٍ مِنْهُ بِالْعِلْمِ؛ لِأَنَّ الْعِلْمَ هُوَ مَا هُوَ فِي دِينِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَهُوَ الْعِصْمَةُ مِنْ هَذِهِ الْأَدْواَءِ، فَكَيْفَ إِذَا أَصْبَحَ عَيْنَ الدَّاءِ؟ وَهُوَ حَاجِزٌ عَنِ الْوُقُوعِ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْأَهْوَاءِ، فَكَيْفَ إِذَا اتُّخِذَ مَطِيَّةً لِلْبَلَاءِ؟!([2]).
وَطَالِبُ الْعِلْمِ يَدْرُسُ فِي هَذَا الْمُقَرَّرِ مِنْ مُقَرَّرَاتِ جَامِعَةِ مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ آفَاتِ الْعِلْمِ التَّالِيَةِ:
وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الْآفَاتِ الَّتِي تُؤَثِّرُ عَلَى الْعِلْمِ وَطَالِبِه، وَآثَارِ الْعْلِمِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.
[1] مقدمة كتاب آداب طالب العلم لفضيلة الشيخ العلامة محمد بن سعيد رسلان -حفظه الله تعالى-.
[2] مقدمة كتاب آفات العلم لفضيلة الشيخ العلامة محمد بن سعيد رسلان -حفظه الله تعالى-.
الْحَمْدُ للهِ وَحْدَهُ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنْ لَا نَبِيَّ بَعْدَهُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، أَمَّا بَعْدُ:
«فَلَمَّا كَانَ الْعِلْمُ هُوَ عِبَادَةَ الْقَلْبِ وَسِرَّ حَيَاتِهِ، وَمَوْطِنَ قُوَّتِهِ كَانَ لِزَامًا عَلَى طَالِبِهِ أَنْ يُحَصِّلَ آدَابَهُ، وَأَنْ يَسْعَى جَاهِدًا مُشَمِّرًا فِي اكْتِسَابِهَا، وَإِلَّا سَارَ مُشَرِّقًا وَسَارَ الْعِلْمُ مُغَرِّبًا، وَكَانَ كَمَا قِيلَ:
سَارَتْ مُشَرِّقَةً وَسِرْتُ مُغَرِّبًا ** شَتَّانَ بَيْنَ مُشَرِّقٍ وَمُغَرِّبِ
عَلَى أَنُهَّ يَنْبَغِي التَّفَطُّنُ إِلَى أَنَّ هَذِهِ الْآدَابَ لَيْسَتْ كَأَيِّ آدَابٍ، بَلْ مِنْهَا مَا هُوَ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ فِي كُلِّ حِينٍ، سَوَاءٌ كَانَ طَالِبًا لِلْعِلْمِ أَمْ لَمْ يَكُنْ.
وَأَحْرَى بِمَنْ نَصَّبَ نَفْسَهُ لِلْعِلْمِ وَتَصَدَّى لَهُ مُتَعَلِّمًا أَوْ مُعَلِّمًا أَنْ يَظْهَرَ عَلَيْهِ أَثَرُ التَّوْحِيدِ وَالْعِبَادَةِ بِالتَّسْلِيمِ الْكَامِلِ لِلشَّرْعِ الْأَغَرِّ وَالْخُضُوعِ الْمُطْلَقِ لِلدِّينِ الْأَعَزِّ.
وَعَلَيْهِ، فَآدَابُ الطَّلَبِ لَا تَنْفَكُّ عَنْ أَصْحَابِ الْعِلْمِ أَبَدًا؛ لِأَنَّهَا مِمَّا دَلَّتْ عَلَيْهِ النُّصُوصُ الْعَامَّةُ وَأَرْشَدَتْ إِلَيْهِ، وَلِأَنَّ مِنْهَا مَا هُوَ مِنَ الْكُلِّيَّاتِ الْعَامَّةِ وَالْقَوَاعِدِ الشَّامِلَةِ فِي الدِّينِ لَا يَسَعُ أَحَدًا أَنْ يَخْرُجَ عَلَيْهَا، أَوْ أَنْ يَنْظُرَ إِلَيْهَا بِغَيْرِ عَيْنِ الِاعْتِبَارِ، وَهِيَ -أَيْ آدَابُ الطَّلَبِ- فِي كُلِّ الْأَحْوَالِ فِي حَقِّ طَالِبِ الْعِلْمِ آكَدُ، وَعَلَيْهِ أَوْجَبُ».
وَهُنَا سُؤَالٌ مُهِمٌّ: وَمَا قِيمَةُ أَنْ يَتَعَلَّمَ الْمُسْلِمُ آدَابَ طَلَبِ الْعِلْمِ فِي هَذَا الْوَاقِعِ الْأَلِيمِ؟!
وَهَذَا سُؤَالٌ وَجِيهٌ لَوْ لَمْ يَحْمِلْ فِي طَيَّاتِهِ بَرَاهِينَ الْفَقْدِ الْوَاضِحِ لِلتَّشْخِيصِ الصَّحِيحِ لِأَدْوَاءِ الْأُمَّةِ وَأَمْرَاضِهَا.
وَمَا تَخْرُجُ أَدْوَاءُ الْأُمَّةِ عَنْ ثَلَاثَةٍ: عَمَلٌ كَثِيرٌ مِنْ غَيْرِ عِلْمٍ، أَوْ عِلْمٌ كَثِيرٌ مِنْ غَيْرِ عَمَلٍ، أَوْ لَا عِلْمَ وَلَا عَمَلَ.
ثُمَّ إِنْ شِئْتَ فَاجْمَعْ هَذِهِ الْأَدْوَاءَ الثَّلَاثَةَ فِي دَاءٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ فَقْدُ ضَبْطِ النِّسْبَةِ بَيْنَ الْعِلْمِ وَالْعَمَلِ أَوْ بَيْنَ الْوَسِيلَةِ وَالْغَايَةِ إِنْ شِئْتَ الْوُصُولَ إِلَى عَيْنِ الْيَقِينِ.
يَا إِخْوَتَاهُ فِي كُلِّ ضَرْبٍ، إِنَّهُ لَنْ يَصْلُحَ آخِرُ هَذِهِ الْأُمَّةِ إِلَّا بِمَا صَلَحَ بِهِ أَوَّلُهَا، وَإِنَّمَا بَدَأَ هَذَا الْأَمْرُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {اقْرَأ}، وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يا أيها المدثر قم فأنذر} وَالْإِنْذَارُ لَا يَكُونُ بِالْجَهْلِ وَلَا بِالْبَاطِلِ، بَلْ بِالْعِلْمِ وَالْيَقِينِ.
وَأَعْرَفُ مَا يَقُولُ الْمُعْتَرِضُونَ، يَقُولُونَ: تَشْغَلُونَ الْأُمَّةَ بِالْفُرُوعِ !
وَنَقُولُ: لَا أَيُّهَا الْأَحِبَّةُ، بَلْ نُمَيِّزُ بَيْنَ الْعِلْمِ الْفَرْضِ الَّذِي هُوَ وَاجِبٌ عَلَى التَّعْيِينِ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ، وَمَا هُوَ عِلْمُ كِفَايَةٍ مَتَى قَامَ بِهِ رَجُلٌ فِي مَحَلَّةٍ سَقَطَ فَرْضُ طَلَبِهِ عَمَّنْ فِيهَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ.
إِنَّمَا نُرِيدُ أَنْ تَعْلَمَ الْأُمَّةُ عِلْمَ الْفَرْضِ الَّذِي يَلْزَمُ أَفْرَادَهَا أَجْمَعِينَ مِنْ مَعْرِفَةِ اللهِ وَالنَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَمَعْرِفَةِ مَا تَلْزَمُ مَعْرِفَتُهُ مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا وَالدِّينِ.
كُلُّ ذَلِكَ مِنْ أَجْلِ أَنْ تُبْعَثَ الْأُمَّةُ عَلَى مُقَوِّمَاتٍ لَا تَقُومُ الْأُمَمُ عَلَى الْإِجْمَالِ إِلَّا عَلَى أَمْثَالِهَا، وَمُقَوِّمَاتٍ تَلْزَمُ أُمَّةَ الْإِسْلَامِ عَلَى وَجْهِ الْخُصُوصِ، مِنْ تَوْحِيدٍ كَامِلٍ وَيَقِينٍ شَامِلٍ وَلُغَةٍ هِيَ عِنْدَ الْمُسْلِمِينَ مِنَ الدِّينِ، وَمَخْبَرٍ يَسُرُّ وَظَاهِرٍ مُنِيرٍ مِنْ غَيْرِ هُمُودٍ، {سيماهم في وجوههم من أثر السجود}.
إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأُمُورِ الْعَظِيمَةِ تَفْسُدُ مِنْ أَجْلِ الْيَسِيرِ مِنَ الْأُمُورِ، وَإِنَّ الْعِلْمَ الَّذِي هُوَ أَوَّلُ مَا يُعْقَدُ عَلَيْهِ الْخِنْصَرُ فِي الدِّينِ وَالْيَقِينِ لَيُفْسِدُهُ اضْطِرَابُ التَّلَقِّي؛ لِفَقْدِ الْآدَابِ مِنَ الشُّدَاةِ وَالْمُتَعَلِّمِينَ»([1]).
وَمِنْ أَهَمِّ الْآدَابِ الَّتِي يَدْرُسُهَا الطَّالِبُ فِي هَذَا الْمُقَرَّرِ مِنْ مُقَرَّرَاتِ جَامِعَةِ مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ:
«وَلَمَّا كَانَتْ مَدَاخِلُ الشَّيْطَانِ فِي الْعَمَلِ تَتَفَاوَتُ عَلَى مِقْدَارِ فَضْلِهِ وَقَدْرِ ثَمَرَتِهِ كَانَتْ مَدَاخِلُ الشَّيْطَانِ فِي الْعِلْمِ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ تُحْصَى وَأَبْعَدَ مِنْ أَنْ تُسْتَقْصَى؛ إِذِ الْعِلْمُ هُوَ أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ قَاطِبَةً.
قَالَ الْغَزَّالِيُّ -هُوَ أَبُو حَامِدٍ -رَحِمَهُ اللهُ-: «وَأَعْظَمُ الْأَشْيَاءِ رُتْبَةً فِي حَقِّ الْآدَمِيِّ السَّعَادَةُ الْأَبَدِيَّةُ، وَأَفْضَلُ الْأَشْيَاءِ مَا هُوَ وَسِيلَةٌ إِلَيْهَا، وَلَنْ يُتَوَصَّلَ إِلَيْهَا إِلَّا بِالْعِلْمِ وَالْعَمَلِ، وَلَا يُتَوَصَّلُ إِلَى الْعَمَلِ إِلَّا بِالْعِلْمِ بِكَيْفِيَّةِ الْعَمَلِ، فَأَصْلُ السَّعَادَةِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ هُوَ الْعِلْمُ، فَهُوَ إِذَنْ أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ».
وَإِذَنْ فَسَبِيلُ الْعِلْمِ مَحْفُوفَةٌ بِالْمَكَارِهِ وَالْمَشَاقِّ، وَمَدَاخِلُ الشَّيْطَانِ فِيهِ لَا يُحْصِيهَا إِلَّا اللهُ تَعَالَى، فَمِنْهَا مَا يُفْسِدُ الْعِلْمَ ذَاتَهُ عَلَى صَاحِبِهِ، وَمِنْهَا مَا يُفْسِدُ الْقَصْدَ وَالْإِرَادَةَ فِيهِ، وَمِنْهَا مَا يُفْسِدُ سَبِيلَ الطَّلَبِ، وَالنَّاجِي مَنْ عَصَمَهُ اللهُ تَعَالَى.
لِذَلِكَ يَنْبَغِي لِطَالِبِ الْعِلْمِ أَنْ يَلْتَفِتَ إِلَى دَرْسِ الْآفَاتِ الَّتِي تَعْرِضُ لِلْعِلْمِ فَتُفْسِدُهُ، أَوْ تُفْسِدُ سَبِيلَ الطَّلَبِ عَلَى طَالِبِهِ، أَوْ تُفْسِدُ الْقَصْدَ وَالْإِرَادَةَ وَالنِّيَّةَ فِيهِ حَتَّى لَا يُلِمَّ شَيْءٌ مِنْهَا بِهِ.
وَالْحَقُّ أَنَّ كَثِيرًا مِنْ هَذِهِ الْآفَاتِ قَدْ نَفَّرَ مِنْهَا الشَّرْعُ مِنْهُ وَرَغَّبَ الدِّينُ عَنْهُ عَلَى إِطْلَاقٍ، وَإِنَّمَا ازْدَادَ تَنْفِيرُ الشَّرْعِ مِنْهُ وَعَظُمَ تَرْغِيبُ الدِّينِ عَنْهُ حَالَ تَعَلُّقِ شَيْءٍ مِنْهُ بِالْعِلْمِ؛ لِأَنَّ الْعِلْمَ هُوَ مَا هُوَ فِي دِينِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَهُوَ الْعِصْمَةُ مِنْ هَذِهِ الْأَدْواَءِ، فَكَيْفَ إِذَا أَصْبَحَ عَيْنَ الدَّاءِ؟ وَهُوَ حَاجِزٌ عَنِ الْوُقُوعِ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْأَهْوَاءِ، فَكَيْفَ إِذَا اتُّخِذَ مَطِيَّةً لِلْبَلَاءِ؟!([2]).
وَطَالِبُ الْعِلْمِ يَدْرُسُ فِي هَذَا الْمُقَرَّرِ مِنْ مُقَرَّرَاتِ جَامِعَةِ مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ آفَاتِ الْعِلْمِ التَّالِيَةِ:
وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الْآفَاتِ الَّتِي تُؤَثِّرُ عَلَى الْعِلْمِ وَطَالِبِه، وَآثَارِ الْعْلِمِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.
[1] مقدمة كتاب آداب طالب العلم لفضيلة الشيخ العلامة محمد بن سعيد رسلان -حفظه الله تعالى-.
[2] مقدمة كتاب آفات العلم لفضيلة الشيخ العلامة محمد بن سعيد رسلان -حفظه الله تعالى-.
الْحَمْدُ للهِ وَحْدَهُ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنْ لَا نَبِيَّ بَعْدَهُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، أَمَّا بَعْدُ:
«فَلَمَّا كَانَ الْعِلْمُ هُوَ عِبَادَةَ الْقَلْبِ وَسِرَّ حَيَاتِهِ، وَمَوْطِنَ قُوَّتِهِ كَانَ لِزَامًا عَلَى طَالِبِهِ أَنْ يُحَصِّلَ آدَابَهُ، وَأَنْ يَسْعَى جَاهِدًا مُشَمِّرًا فِي اكْتِسَابِهَا، وَإِلَّا سَارَ مُشَرِّقًا وَسَارَ الْعِلْمُ مُغَرِّبًا، وَكَانَ كَمَا قِيلَ:
سَارَتْ مُشَرِّقَةً وَسِرْتُ مُغَرِّبًا ** شَتَّانَ بَيْنَ مُشَرِّقٍ وَمُغَرِّبِ
عَلَى أَنُهَّ يَنْبَغِي التَّفَطُّنُ إِلَى أَنَّ هَذِهِ الْآدَابَ لَيْسَتْ كَأَيِّ آدَابٍ، بَلْ مِنْهَا مَا هُوَ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ فِي كُلِّ حِينٍ، سَوَاءٌ كَانَ طَالِبًا لِلْعِلْمِ أَمْ لَمْ يَكُنْ.
وَأَحْرَى بِمَنْ نَصَّبَ نَفْسَهُ لِلْعِلْمِ وَتَصَدَّى لَهُ مُتَعَلِّمًا أَوْ مُعَلِّمًا أَنْ يَظْهَرَ عَلَيْهِ أَثَرُ التَّوْحِيدِ وَالْعِبَادَةِ بِالتَّسْلِيمِ الْكَامِلِ لِلشَّرْعِ الْأَغَرِّ وَالْخُضُوعِ الْمُطْلَقِ لِلدِّينِ الْأَعَزِّ.
وَعَلَيْهِ، فَآدَابُ الطَّلَبِ لَا تَنْفَكُّ عَنْ أَصْحَابِ الْعِلْمِ أَبَدًا؛ لِأَنَّهَا مِمَّا دَلَّتْ عَلَيْهِ النُّصُوصُ الْعَامَّةُ وَأَرْشَدَتْ إِلَيْهِ، وَلِأَنَّ مِنْهَا مَا هُوَ مِنَ الْكُلِّيَّاتِ الْعَامَّةِ وَالْقَوَاعِدِ الشَّامِلَةِ فِي الدِّينِ لَا يَسَعُ أَحَدًا أَنْ يَخْرُجَ عَلَيْهَا، أَوْ أَنْ يَنْظُرَ إِلَيْهَا بِغَيْرِ عَيْنِ الِاعْتِبَارِ، وَهِيَ -أَيْ آدَابُ الطَّلَبِ- فِي كُلِّ الْأَحْوَالِ فِي حَقِّ طَالِبِ الْعِلْمِ آكَدُ، وَعَلَيْهِ أَوْجَبُ».
وَهُنَا سُؤَالٌ مُهِمٌّ: وَمَا قِيمَةُ أَنْ يَتَعَلَّمَ الْمُسْلِمُ آدَابَ طَلَبِ الْعِلْمِ فِي هَذَا الْوَاقِعِ الْأَلِيمِ؟!
وَهَذَا سُؤَالٌ وَجِيهٌ لَوْ لَمْ يَحْمِلْ فِي طَيَّاتِهِ بَرَاهِينَ الْفَقْدِ الْوَاضِحِ لِلتَّشْخِيصِ الصَّحِيحِ لِأَدْوَاءِ الْأُمَّةِ وَأَمْرَاضِهَا.
وَمَا تَخْرُجُ أَدْوَاءُ الْأُمَّةِ عَنْ ثَلَاثَةٍ: عَمَلٌ كَثِيرٌ مِنْ غَيْرِ عِلْمٍ، أَوْ عِلْمٌ كَثِيرٌ مِنْ غَيْرِ عَمَلٍ، أَوْ لَا عِلْمَ وَلَا عَمَلَ.
ثُمَّ إِنْ شِئْتَ فَاجْمَعْ هَذِهِ الْأَدْوَاءَ الثَّلَاثَةَ فِي دَاءٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ فَقْدُ ضَبْطِ النِّسْبَةِ بَيْنَ الْعِلْمِ وَالْعَمَلِ أَوْ بَيْنَ الْوَسِيلَةِ وَالْغَايَةِ إِنْ شِئْتَ الْوُصُولَ إِلَى عَيْنِ الْيَقِينِ.
يَا إِخْوَتَاهُ فِي كُلِّ ضَرْبٍ، إِنَّهُ لَنْ يَصْلُحَ آخِرُ هَذِهِ الْأُمَّةِ إِلَّا بِمَا صَلَحَ بِهِ أَوَّلُهَا، وَإِنَّمَا بَدَأَ هَذَا الْأَمْرُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {اقْرَأ}، وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يا أيها المدثر قم فأنذر} وَالْإِنْذَارُ لَا يَكُونُ بِالْجَهْلِ وَلَا بِالْبَاطِلِ، بَلْ بِالْعِلْمِ وَالْيَقِينِ.
وَأَعْرَفُ مَا يَقُولُ الْمُعْتَرِضُونَ، يَقُولُونَ: تَشْغَلُونَ الْأُمَّةَ بِالْفُرُوعِ !
وَنَقُولُ: لَا أَيُّهَا الْأَحِبَّةُ، بَلْ نُمَيِّزُ بَيْنَ الْعِلْمِ الْفَرْضِ الَّذِي هُوَ وَاجِبٌ عَلَى التَّعْيِينِ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ، وَمَا هُوَ عِلْمُ كِفَايَةٍ مَتَى قَامَ بِهِ رَجُلٌ فِي مَحَلَّةٍ سَقَطَ فَرْضُ طَلَبِهِ عَمَّنْ فِيهَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ.
إِنَّمَا نُرِيدُ أَنْ تَعْلَمَ الْأُمَّةُ عِلْمَ الْفَرْضِ الَّذِي يَلْزَمُ أَفْرَادَهَا أَجْمَعِينَ مِنْ مَعْرِفَةِ اللهِ وَالنَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَمَعْرِفَةِ مَا تَلْزَمُ مَعْرِفَتُهُ مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا وَالدِّينِ.
كُلُّ ذَلِكَ مِنْ أَجْلِ أَنْ تُبْعَثَ الْأُمَّةُ عَلَى مُقَوِّمَاتٍ لَا تَقُومُ الْأُمَمُ عَلَى الْإِجْمَالِ إِلَّا عَلَى أَمْثَالِهَا، وَمُقَوِّمَاتٍ تَلْزَمُ أُمَّةَ الْإِسْلَامِ عَلَى وَجْهِ الْخُصُوصِ، مِنْ تَوْحِيدٍ كَامِلٍ وَيَقِينٍ شَامِلٍ وَلُغَةٍ هِيَ عِنْدَ الْمُسْلِمِينَ مِنَ الدِّينِ، وَمَخْبَرٍ يَسُرُّ وَظَاهِرٍ مُنِيرٍ مِنْ غَيْرِ هُمُودٍ، {سيماهم في وجوههم من أثر السجود}.
إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأُمُورِ الْعَظِيمَةِ تَفْسُدُ مِنْ أَجْلِ الْيَسِيرِ مِنَ الْأُمُورِ، وَإِنَّ الْعِلْمَ الَّذِي هُوَ أَوَّلُ مَا يُعْقَدُ عَلَيْهِ الْخِنْصَرُ فِي الدِّينِ وَالْيَقِينِ لَيُفْسِدُهُ اضْطِرَابُ التَّلَقِّي؛ لِفَقْدِ الْآدَابِ مِنَ الشُّدَاةِ وَالْمُتَعَلِّمِينَ»([1]).
وَمِنْ أَهَمِّ الْآدَابِ الَّتِي يَدْرُسُهَا الطَّالِبُ فِي هَذَا الْمُقَرَّرِ مِنْ مُقَرَّرَاتِ جَامِعَةِ مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ:
«وَلَمَّا كَانَتْ مَدَاخِلُ الشَّيْطَانِ فِي الْعَمَلِ تَتَفَاوَتُ عَلَى مِقْدَارِ فَضْلِهِ وَقَدْرِ ثَمَرَتِهِ كَانَتْ مَدَاخِلُ الشَّيْطَانِ فِي الْعِلْمِ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ تُحْصَى وَأَبْعَدَ مِنْ أَنْ تُسْتَقْصَى؛ إِذِ الْعِلْمُ هُوَ أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ قَاطِبَةً.
قَالَ الْغَزَّالِيُّ -هُوَ أَبُو حَامِدٍ -رَحِمَهُ اللهُ-: «وَأَعْظَمُ الْأَشْيَاءِ رُتْبَةً فِي حَقِّ الْآدَمِيِّ السَّعَادَةُ الْأَبَدِيَّةُ، وَأَفْضَلُ الْأَشْيَاءِ مَا هُوَ وَسِيلَةٌ إِلَيْهَا، وَلَنْ يُتَوَصَّلَ إِلَيْهَا إِلَّا بِالْعِلْمِ وَالْعَمَلِ، وَلَا يُتَوَصَّلُ إِلَى الْعَمَلِ إِلَّا بِالْعِلْمِ بِكَيْفِيَّةِ الْعَمَلِ، فَأَصْلُ السَّعَادَةِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ هُوَ الْعِلْمُ، فَهُوَ إِذَنْ أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ».
وَإِذَنْ فَسَبِيلُ الْعِلْمِ مَحْفُوفَةٌ بِالْمَكَارِهِ وَالْمَشَاقِّ، وَمَدَاخِلُ الشَّيْطَانِ فِيهِ لَا يُحْصِيهَا إِلَّا اللهُ تَعَالَى، فَمِنْهَا مَا يُفْسِدُ الْعِلْمَ ذَاتَهُ عَلَى صَاحِبِهِ، وَمِنْهَا مَا يُفْسِدُ الْقَصْدَ وَالْإِرَادَةَ فِيهِ، وَمِنْهَا مَا يُفْسِدُ سَبِيلَ الطَّلَبِ، وَالنَّاجِي مَنْ عَصَمَهُ اللهُ تَعَالَى.
لِذَلِكَ يَنْبَغِي لِطَالِبِ الْعِلْمِ أَنْ يَلْتَفِتَ إِلَى دَرْسِ الْآفَاتِ الَّتِي تَعْرِضُ لِلْعِلْمِ فَتُفْسِدُهُ، أَوْ تُفْسِدُ سَبِيلَ الطَّلَبِ عَلَى طَالِبِهِ، أَوْ تُفْسِدُ الْقَصْدَ وَالْإِرَادَةَ وَالنِّيَّةَ فِيهِ حَتَّى لَا يُلِمَّ شَيْءٌ مِنْهَا بِهِ.
وَالْحَقُّ أَنَّ كَثِيرًا مِنْ هَذِهِ الْآفَاتِ قَدْ نَفَّرَ مِنْهَا الشَّرْعُ مِنْهُ وَرَغَّبَ الدِّينُ عَنْهُ عَلَى إِطْلَاقٍ، وَإِنَّمَا ازْدَادَ تَنْفِيرُ الشَّرْعِ مِنْهُ وَعَظُمَ تَرْغِيبُ الدِّينِ عَنْهُ حَالَ تَعَلُّقِ شَيْءٍ مِنْهُ بِالْعِلْمِ؛ لِأَنَّ الْعِلْمَ هُوَ مَا هُوَ فِي دِينِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَهُوَ الْعِصْمَةُ مِنْ هَذِهِ الْأَدْواَءِ، فَكَيْفَ إِذَا أَصْبَحَ عَيْنَ الدَّاءِ؟ وَهُوَ حَاجِزٌ عَنِ الْوُقُوعِ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْأَهْوَاءِ، فَكَيْفَ إِذَا اتُّخِذَ مَطِيَّةً لِلْبَلَاءِ؟!([2]).
وَطَالِبُ الْعِلْمِ يَدْرُسُ فِي هَذَا الْمُقَرَّرِ مِنْ مُقَرَّرَاتِ جَامِعَةِ مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ آفَاتِ الْعِلْمِ التَّالِيَةِ:
وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الْآفَاتِ الَّتِي تُؤَثِّرُ عَلَى الْعِلْمِ وَطَالِبِه، وَآثَارِ الْعْلِمِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.
[1] مقدمة كتاب آداب طالب العلم لفضيلة الشيخ العلامة محمد بن سعيد رسلان -حفظه الله تعالى-.
[2] مقدمة كتاب آفات العلم لفضيلة الشيخ العلامة محمد بن سعيد رسلان -حفظه الله تعالى-.
الْحَمْدُ للهِ وَحْدَهُ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنْ لَا نَبِيَّ بَعْدَهُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، أَمَّا بَعْدُ:
«فَلَمَّا كَانَ الْعِلْمُ هُوَ عِبَادَةَ الْقَلْبِ وَسِرَّ حَيَاتِهِ، وَمَوْطِنَ قُوَّتِهِ كَانَ لِزَامًا عَلَى طَالِبِهِ أَنْ يُحَصِّلَ آدَابَهُ، وَأَنْ يَسْعَى جَاهِدًا مُشَمِّرًا فِي اكْتِسَابِهَا، وَإِلَّا سَارَ مُشَرِّقًا وَسَارَ الْعِلْمُ مُغَرِّبًا، وَكَانَ كَمَا قِيلَ:
سَارَتْ مُشَرِّقَةً وَسِرْتُ مُغَرِّبًا ** شَتَّانَ بَيْنَ مُشَرِّقٍ وَمُغَرِّبِ
عَلَى أَنُهَّ يَنْبَغِي التَّفَطُّنُ إِلَى أَنَّ هَذِهِ الْآدَابَ لَيْسَتْ كَأَيِّ آدَابٍ، بَلْ مِنْهَا مَا هُوَ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ فِي كُلِّ حِينٍ، سَوَاءٌ كَانَ طَالِبًا لِلْعِلْمِ أَمْ لَمْ يَكُنْ.
وَأَحْرَى بِمَنْ نَصَّبَ نَفْسَهُ لِلْعِلْمِ وَتَصَدَّى لَهُ مُتَعَلِّمًا أَوْ مُعَلِّمًا أَنْ يَظْهَرَ عَلَيْهِ أَثَرُ التَّوْحِيدِ وَالْعِبَادَةِ بِالتَّسْلِيمِ الْكَامِلِ لِلشَّرْعِ الْأَغَرِّ وَالْخُضُوعِ الْمُطْلَقِ لِلدِّينِ الْأَعَزِّ.
وَعَلَيْهِ، فَآدَابُ الطَّلَبِ لَا تَنْفَكُّ عَنْ أَصْحَابِ الْعِلْمِ أَبَدًا؛ لِأَنَّهَا مِمَّا دَلَّتْ عَلَيْهِ النُّصُوصُ الْعَامَّةُ وَأَرْشَدَتْ إِلَيْهِ، وَلِأَنَّ مِنْهَا مَا هُوَ مِنَ الْكُلِّيَّاتِ الْعَامَّةِ وَالْقَوَاعِدِ الشَّامِلَةِ فِي الدِّينِ لَا يَسَعُ أَحَدًا أَنْ يَخْرُجَ عَلَيْهَا، أَوْ أَنْ يَنْظُرَ إِلَيْهَا بِغَيْرِ عَيْنِ الِاعْتِبَارِ، وَهِيَ -أَيْ آدَابُ الطَّلَبِ- فِي كُلِّ الْأَحْوَالِ فِي حَقِّ طَالِبِ الْعِلْمِ آكَدُ، وَعَلَيْهِ أَوْجَبُ».
وَهُنَا سُؤَالٌ مُهِمٌّ: وَمَا قِيمَةُ أَنْ يَتَعَلَّمَ الْمُسْلِمُ آدَابَ طَلَبِ الْعِلْمِ فِي هَذَا الْوَاقِعِ الْأَلِيمِ؟!
وَهَذَا سُؤَالٌ وَجِيهٌ لَوْ لَمْ يَحْمِلْ فِي طَيَّاتِهِ بَرَاهِينَ الْفَقْدِ الْوَاضِحِ لِلتَّشْخِيصِ الصَّحِيحِ لِأَدْوَاءِ الْأُمَّةِ وَأَمْرَاضِهَا.
وَمَا تَخْرُجُ أَدْوَاءُ الْأُمَّةِ عَنْ ثَلَاثَةٍ: عَمَلٌ كَثِيرٌ مِنْ غَيْرِ عِلْمٍ، أَوْ عِلْمٌ كَثِيرٌ مِنْ غَيْرِ عَمَلٍ، أَوْ لَا عِلْمَ وَلَا عَمَلَ.
ثُمَّ إِنْ شِئْتَ فَاجْمَعْ هَذِهِ الْأَدْوَاءَ الثَّلَاثَةَ فِي دَاءٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ فَقْدُ ضَبْطِ النِّسْبَةِ بَيْنَ الْعِلْمِ وَالْعَمَلِ أَوْ بَيْنَ الْوَسِيلَةِ وَالْغَايَةِ إِنْ شِئْتَ الْوُصُولَ إِلَى عَيْنِ الْيَقِينِ.
يَا إِخْوَتَاهُ فِي كُلِّ ضَرْبٍ، إِنَّهُ لَنْ يَصْلُحَ آخِرُ هَذِهِ الْأُمَّةِ إِلَّا بِمَا صَلَحَ بِهِ أَوَّلُهَا، وَإِنَّمَا بَدَأَ هَذَا الْأَمْرُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {اقْرَأ}، وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يا أيها المدثر قم فأنذر} وَالْإِنْذَارُ لَا يَكُونُ بِالْجَهْلِ وَلَا بِالْبَاطِلِ، بَلْ بِالْعِلْمِ وَالْيَقِينِ.
وَأَعْرَفُ مَا يَقُولُ الْمُعْتَرِضُونَ، يَقُولُونَ: تَشْغَلُونَ الْأُمَّةَ بِالْفُرُوعِ !
وَنَقُولُ: لَا أَيُّهَا الْأَحِبَّةُ، بَلْ نُمَيِّزُ بَيْنَ الْعِلْمِ الْفَرْضِ الَّذِي هُوَ وَاجِبٌ عَلَى التَّعْيِينِ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ، وَمَا هُوَ عِلْمُ كِفَايَةٍ مَتَى قَامَ بِهِ رَجُلٌ فِي مَحَلَّةٍ سَقَطَ فَرْضُ طَلَبِهِ عَمَّنْ فِيهَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ.
إِنَّمَا نُرِيدُ أَنْ تَعْلَمَ الْأُمَّةُ عِلْمَ الْفَرْضِ الَّذِي يَلْزَمُ أَفْرَادَهَا أَجْمَعِينَ مِنْ مَعْرِفَةِ اللهِ وَالنَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَمَعْرِفَةِ مَا تَلْزَمُ مَعْرِفَتُهُ مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا وَالدِّينِ.
كُلُّ ذَلِكَ مِنْ أَجْلِ أَنْ تُبْعَثَ الْأُمَّةُ عَلَى مُقَوِّمَاتٍ لَا تَقُومُ الْأُمَمُ عَلَى الْإِجْمَالِ إِلَّا عَلَى أَمْثَالِهَا، وَمُقَوِّمَاتٍ تَلْزَمُ أُمَّةَ الْإِسْلَامِ عَلَى وَجْهِ الْخُصُوصِ، مِنْ تَوْحِيدٍ كَامِلٍ وَيَقِينٍ شَامِلٍ وَلُغَةٍ هِيَ عِنْدَ الْمُسْلِمِينَ مِنَ الدِّينِ، وَمَخْبَرٍ يَسُرُّ وَظَاهِرٍ مُنِيرٍ مِنْ غَيْرِ هُمُودٍ، {سيماهم في وجوههم من أثر السجود}.
إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأُمُورِ الْعَظِيمَةِ تَفْسُدُ مِنْ أَجْلِ الْيَسِيرِ مِنَ الْأُمُورِ، وَإِنَّ الْعِلْمَ الَّذِي هُوَ أَوَّلُ مَا يُعْقَدُ عَلَيْهِ الْخِنْصَرُ فِي الدِّينِ وَالْيَقِينِ لَيُفْسِدُهُ اضْطِرَابُ التَّلَقِّي؛ لِفَقْدِ الْآدَابِ مِنَ الشُّدَاةِ وَالْمُتَعَلِّمِينَ»([1]).
وَمِنْ أَهَمِّ الْآدَابِ الَّتِي يَدْرُسُهَا الطَّالِبُ فِي هَذَا الْمُقَرَّرِ مِنْ مُقَرَّرَاتِ جَامِعَةِ مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ:
«وَلَمَّا كَانَتْ مَدَاخِلُ الشَّيْطَانِ فِي الْعَمَلِ تَتَفَاوَتُ عَلَى مِقْدَارِ فَضْلِهِ وَقَدْرِ ثَمَرَتِهِ كَانَتْ مَدَاخِلُ الشَّيْطَانِ فِي الْعِلْمِ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ تُحْصَى وَأَبْعَدَ مِنْ أَنْ تُسْتَقْصَى؛ إِذِ الْعِلْمُ هُوَ أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ قَاطِبَةً.
قَالَ الْغَزَّالِيُّ -هُوَ أَبُو حَامِدٍ -رَحِمَهُ اللهُ-: «وَأَعْظَمُ الْأَشْيَاءِ رُتْبَةً فِي حَقِّ الْآدَمِيِّ السَّعَادَةُ الْأَبَدِيَّةُ، وَأَفْضَلُ الْأَشْيَاءِ مَا هُوَ وَسِيلَةٌ إِلَيْهَا، وَلَنْ يُتَوَصَّلَ إِلَيْهَا إِلَّا بِالْعِلْمِ وَالْعَمَلِ، وَلَا يُتَوَصَّلُ إِلَى الْعَمَلِ إِلَّا بِالْعِلْمِ بِكَيْفِيَّةِ الْعَمَلِ، فَأَصْلُ السَّعَادَةِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ هُوَ الْعِلْمُ، فَهُوَ إِذَنْ أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ».
وَإِذَنْ فَسَبِيلُ الْعِلْمِ مَحْفُوفَةٌ بِالْمَكَارِهِ وَالْمَشَاقِّ، وَمَدَاخِلُ الشَّيْطَانِ فِيهِ لَا يُحْصِيهَا إِلَّا اللهُ تَعَالَى، فَمِنْهَا مَا يُفْسِدُ الْعِلْمَ ذَاتَهُ عَلَى صَاحِبِهِ، وَمِنْهَا مَا يُفْسِدُ الْقَصْدَ وَالْإِرَادَةَ فِيهِ، وَمِنْهَا مَا يُفْسِدُ سَبِيلَ الطَّلَبِ، وَالنَّاجِي مَنْ عَصَمَهُ اللهُ تَعَالَى.
لِذَلِكَ يَنْبَغِي لِطَالِبِ الْعِلْمِ أَنْ يَلْتَفِتَ إِلَى دَرْسِ الْآفَاتِ الَّتِي تَعْرِضُ لِلْعِلْمِ فَتُفْسِدُهُ، أَوْ تُفْسِدُ سَبِيلَ الطَّلَبِ عَلَى طَالِبِهِ، أَوْ تُفْسِدُ الْقَصْدَ وَالْإِرَادَةَ وَالنِّيَّةَ فِيهِ حَتَّى لَا يُلِمَّ شَيْءٌ مِنْهَا بِهِ.
وَالْحَقُّ أَنَّ كَثِيرًا مِنْ هَذِهِ الْآفَاتِ قَدْ نَفَّرَ مِنْهَا الشَّرْعُ مِنْهُ وَرَغَّبَ الدِّينُ عَنْهُ عَلَى إِطْلَاقٍ، وَإِنَّمَا ازْدَادَ تَنْفِيرُ الشَّرْعِ مِنْهُ وَعَظُمَ تَرْغِيبُ الدِّينِ عَنْهُ حَالَ تَعَلُّقِ شَيْءٍ مِنْهُ بِالْعِلْمِ؛ لِأَنَّ الْعِلْمَ هُوَ مَا هُوَ فِي دِينِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَهُوَ الْعِصْمَةُ مِنْ هَذِهِ الْأَدْواَءِ، فَكَيْفَ إِذَا أَصْبَحَ عَيْنَ الدَّاءِ؟ وَهُوَ حَاجِزٌ عَنِ الْوُقُوعِ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْأَهْوَاءِ، فَكَيْفَ إِذَا اتُّخِذَ مَطِيَّةً لِلْبَلَاءِ؟!([2]).
وَطَالِبُ الْعِلْمِ يَدْرُسُ فِي هَذَا الْمُقَرَّرِ مِنْ مُقَرَّرَاتِ جَامِعَةِ مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ آفَاتِ الْعِلْمِ التَّالِيَةِ:
وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الْآفَاتِ الَّتِي تُؤَثِّرُ عَلَى الْعِلْمِ وَطَالِبِه، وَآثَارِ الْعْلِمِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.
[1] مقدمة كتاب آداب طالب العلم لفضيلة الشيخ العلامة محمد بن سعيد رسلان -حفظه الله تعالى-.
[2] مقدمة كتاب آفات العلم لفضيلة الشيخ العلامة محمد بن سعيد رسلان -حفظه الله تعالى-.
الْحَمْدُ للهِ وَحْدَهُ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنْ لَا نَبِيَّ بَعْدَهُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، أَمَّا بَعْدُ:
«فَلَمَّا كَانَ الْعِلْمُ هُوَ عِبَادَةَ الْقَلْبِ وَسِرَّ حَيَاتِهِ، وَمَوْطِنَ قُوَّتِهِ كَانَ لِزَامًا عَلَى طَالِبِهِ أَنْ يُحَصِّلَ آدَابَهُ، وَأَنْ يَسْعَى جَاهِدًا مُشَمِّرًا فِي اكْتِسَابِهَا، وَإِلَّا سَارَ مُشَرِّقًا وَسَارَ الْعِلْمُ مُغَرِّبًا، وَكَانَ كَمَا قِيلَ:
سَارَتْ مُشَرِّقَةً وَسِرْتُ مُغَرِّبًا ** شَتَّانَ بَيْنَ مُشَرِّقٍ وَمُغَرِّبِ
عَلَى أَنُهَّ يَنْبَغِي التَّفَطُّنُ إِلَى أَنَّ هَذِهِ الْآدَابَ لَيْسَتْ كَأَيِّ آدَابٍ، بَلْ مِنْهَا مَا هُوَ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ فِي كُلِّ حِينٍ، سَوَاءٌ كَانَ طَالِبًا لِلْعِلْمِ أَمْ لَمْ يَكُنْ.
وَأَحْرَى بِمَنْ نَصَّبَ نَفْسَهُ لِلْعِلْمِ وَتَصَدَّى لَهُ مُتَعَلِّمًا أَوْ مُعَلِّمًا أَنْ يَظْهَرَ عَلَيْهِ أَثَرُ التَّوْحِيدِ وَالْعِبَادَةِ بِالتَّسْلِيمِ الْكَامِلِ لِلشَّرْعِ الْأَغَرِّ وَالْخُضُوعِ الْمُطْلَقِ لِلدِّينِ الْأَعَزِّ.
وَعَلَيْهِ، فَآدَابُ الطَّلَبِ لَا تَنْفَكُّ عَنْ أَصْحَابِ الْعِلْمِ أَبَدًا؛ لِأَنَّهَا مِمَّا دَلَّتْ عَلَيْهِ النُّصُوصُ الْعَامَّةُ وَأَرْشَدَتْ إِلَيْهِ، وَلِأَنَّ مِنْهَا مَا هُوَ مِنَ الْكُلِّيَّاتِ الْعَامَّةِ وَالْقَوَاعِدِ الشَّامِلَةِ فِي الدِّينِ لَا يَسَعُ أَحَدًا أَنْ يَخْرُجَ عَلَيْهَا، أَوْ أَنْ يَنْظُرَ إِلَيْهَا بِغَيْرِ عَيْنِ الِاعْتِبَارِ، وَهِيَ -أَيْ آدَابُ الطَّلَبِ- فِي كُلِّ الْأَحْوَالِ فِي حَقِّ طَالِبِ الْعِلْمِ آكَدُ، وَعَلَيْهِ أَوْجَبُ».
وَهُنَا سُؤَالٌ مُهِمٌّ: وَمَا قِيمَةُ أَنْ يَتَعَلَّمَ الْمُسْلِمُ آدَابَ طَلَبِ الْعِلْمِ فِي هَذَا الْوَاقِعِ الْأَلِيمِ؟!
وَهَذَا سُؤَالٌ وَجِيهٌ لَوْ لَمْ يَحْمِلْ فِي طَيَّاتِهِ بَرَاهِينَ الْفَقْدِ الْوَاضِحِ لِلتَّشْخِيصِ الصَّحِيحِ لِأَدْوَاءِ الْأُمَّةِ وَأَمْرَاضِهَا.
وَمَا تَخْرُجُ أَدْوَاءُ الْأُمَّةِ عَنْ ثَلَاثَةٍ: عَمَلٌ كَثِيرٌ مِنْ غَيْرِ عِلْمٍ، أَوْ عِلْمٌ كَثِيرٌ مِنْ غَيْرِ عَمَلٍ، أَوْ لَا عِلْمَ وَلَا عَمَلَ.
ثُمَّ إِنْ شِئْتَ فَاجْمَعْ هَذِهِ الْأَدْوَاءَ الثَّلَاثَةَ فِي دَاءٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ فَقْدُ ضَبْطِ النِّسْبَةِ بَيْنَ الْعِلْمِ وَالْعَمَلِ أَوْ بَيْنَ الْوَسِيلَةِ وَالْغَايَةِ إِنْ شِئْتَ الْوُصُولَ إِلَى عَيْنِ الْيَقِينِ.
يَا إِخْوَتَاهُ فِي كُلِّ ضَرْبٍ، إِنَّهُ لَنْ يَصْلُحَ آخِرُ هَذِهِ الْأُمَّةِ إِلَّا بِمَا صَلَحَ بِهِ أَوَّلُهَا، وَإِنَّمَا بَدَأَ هَذَا الْأَمْرُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {اقْرَأ}، وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يا أيها المدثر قم فأنذر} وَالْإِنْذَارُ لَا يَكُونُ بِالْجَهْلِ وَلَا بِالْبَاطِلِ، بَلْ بِالْعِلْمِ وَالْيَقِينِ.
وَأَعْرَفُ مَا يَقُولُ الْمُعْتَرِضُونَ، يَقُولُونَ: تَشْغَلُونَ الْأُمَّةَ بِالْفُرُوعِ !
وَنَقُولُ: لَا أَيُّهَا الْأَحِبَّةُ، بَلْ نُمَيِّزُ بَيْنَ الْعِلْمِ الْفَرْضِ الَّذِي هُوَ وَاجِبٌ عَلَى التَّعْيِينِ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ، وَمَا هُوَ عِلْمُ كِفَايَةٍ مَتَى قَامَ بِهِ رَجُلٌ فِي مَحَلَّةٍ سَقَطَ فَرْضُ طَلَبِهِ عَمَّنْ فِيهَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ.
إِنَّمَا نُرِيدُ أَنْ تَعْلَمَ الْأُمَّةُ عِلْمَ الْفَرْضِ الَّذِي يَلْزَمُ أَفْرَادَهَا أَجْمَعِينَ مِنْ مَعْرِفَةِ اللهِ وَالنَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَمَعْرِفَةِ مَا تَلْزَمُ مَعْرِفَتُهُ مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا وَالدِّينِ.
كُلُّ ذَلِكَ مِنْ أَجْلِ أَنْ تُبْعَثَ الْأُمَّةُ عَلَى مُقَوِّمَاتٍ لَا تَقُومُ الْأُمَمُ عَلَى الْإِجْمَالِ إِلَّا عَلَى أَمْثَالِهَا، وَمُقَوِّمَاتٍ تَلْزَمُ أُمَّةَ الْإِسْلَامِ عَلَى وَجْهِ الْخُصُوصِ، مِنْ تَوْحِيدٍ كَامِلٍ وَيَقِينٍ شَامِلٍ وَلُغَةٍ هِيَ عِنْدَ الْمُسْلِمِينَ مِنَ الدِّينِ، وَمَخْبَرٍ يَسُرُّ وَظَاهِرٍ مُنِيرٍ مِنْ غَيْرِ هُمُودٍ، {سيماهم في وجوههم من أثر السجود}.
إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأُمُورِ الْعَظِيمَةِ تَفْسُدُ مِنْ أَجْلِ الْيَسِيرِ مِنَ الْأُمُورِ، وَإِنَّ الْعِلْمَ الَّذِي هُوَ أَوَّلُ مَا يُعْقَدُ عَلَيْهِ الْخِنْصَرُ فِي الدِّينِ وَالْيَقِينِ لَيُفْسِدُهُ اضْطِرَابُ التَّلَقِّي؛ لِفَقْدِ الْآدَابِ مِنَ الشُّدَاةِ وَالْمُتَعَلِّمِينَ»([1]).
وَمِنْ أَهَمِّ الْآدَابِ الَّتِي يَدْرُسُهَا الطَّالِبُ فِي هَذَا الْمُقَرَّرِ مِنْ مُقَرَّرَاتِ جَامِعَةِ مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ:
«وَلَمَّا كَانَتْ مَدَاخِلُ الشَّيْطَانِ فِي الْعَمَلِ تَتَفَاوَتُ عَلَى مِقْدَارِ فَضْلِهِ وَقَدْرِ ثَمَرَتِهِ كَانَتْ مَدَاخِلُ الشَّيْطَانِ فِي الْعِلْمِ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ تُحْصَى وَأَبْعَدَ مِنْ أَنْ تُسْتَقْصَى؛ إِذِ الْعِلْمُ هُوَ أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ قَاطِبَةً.
قَالَ الْغَزَّالِيُّ -هُوَ أَبُو حَامِدٍ -رَحِمَهُ اللهُ-: «وَأَعْظَمُ الْأَشْيَاءِ رُتْبَةً فِي حَقِّ الْآدَمِيِّ السَّعَادَةُ الْأَبَدِيَّةُ، وَأَفْضَلُ الْأَشْيَاءِ مَا هُوَ وَسِيلَةٌ إِلَيْهَا، وَلَنْ يُتَوَصَّلَ إِلَيْهَا إِلَّا بِالْعِلْمِ وَالْعَمَلِ، وَلَا يُتَوَصَّلُ إِلَى الْعَمَلِ إِلَّا بِالْعِلْمِ بِكَيْفِيَّةِ الْعَمَلِ، فَأَصْلُ السَّعَادَةِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ هُوَ الْعِلْمُ، فَهُوَ إِذَنْ أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ».
وَإِذَنْ فَسَبِيلُ الْعِلْمِ مَحْفُوفَةٌ بِالْمَكَارِهِ وَالْمَشَاقِّ، وَمَدَاخِلُ الشَّيْطَانِ فِيهِ لَا يُحْصِيهَا إِلَّا اللهُ تَعَالَى، فَمِنْهَا مَا يُفْسِدُ الْعِلْمَ ذَاتَهُ عَلَى صَاحِبِهِ، وَمِنْهَا مَا يُفْسِدُ الْقَصْدَ وَالْإِرَادَةَ فِيهِ، وَمِنْهَا مَا يُفْسِدُ سَبِيلَ الطَّلَبِ، وَالنَّاجِي مَنْ عَصَمَهُ اللهُ تَعَالَى.
لِذَلِكَ يَنْبَغِي لِطَالِبِ الْعِلْمِ أَنْ يَلْتَفِتَ إِلَى دَرْسِ الْآفَاتِ الَّتِي تَعْرِضُ لِلْعِلْمِ فَتُفْسِدُهُ، أَوْ تُفْسِدُ سَبِيلَ الطَّلَبِ عَلَى طَالِبِهِ، أَوْ تُفْسِدُ الْقَصْدَ وَالْإِرَادَةَ وَالنِّيَّةَ فِيهِ حَتَّى لَا يُلِمَّ شَيْءٌ مِنْهَا بِهِ.
وَالْحَقُّ أَنَّ كَثِيرًا مِنْ هَذِهِ الْآفَاتِ قَدْ نَفَّرَ مِنْهَا الشَّرْعُ مِنْهُ وَرَغَّبَ الدِّينُ عَنْهُ عَلَى إِطْلَاقٍ، وَإِنَّمَا ازْدَادَ تَنْفِيرُ الشَّرْعِ مِنْهُ وَعَظُمَ تَرْغِيبُ الدِّينِ عَنْهُ حَالَ تَعَلُّقِ شَيْءٍ مِنْهُ بِالْعِلْمِ؛ لِأَنَّ الْعِلْمَ هُوَ مَا هُوَ فِي دِينِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَهُوَ الْعِصْمَةُ مِنْ هَذِهِ الْأَدْواَءِ، فَكَيْفَ إِذَا أَصْبَحَ عَيْنَ الدَّاءِ؟ وَهُوَ حَاجِزٌ عَنِ الْوُقُوعِ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْأَهْوَاءِ، فَكَيْفَ إِذَا اتُّخِذَ مَطِيَّةً لِلْبَلَاءِ؟!([2]).
وَطَالِبُ الْعِلْمِ يَدْرُسُ فِي هَذَا الْمُقَرَّرِ مِنْ مُقَرَّرَاتِ جَامِعَةِ مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ آفَاتِ الْعِلْمِ التَّالِيَةِ:
وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الْآفَاتِ الَّتِي تُؤَثِّرُ عَلَى الْعِلْمِ وَطَالِبِه، وَآثَارِ الْعْلِمِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.
[1] مقدمة كتاب آداب طالب العلم لفضيلة الشيخ العلامة محمد بن سعيد رسلان -حفظه الله تعالى-.
[2] مقدمة كتاب آفات العلم لفضيلة الشيخ العلامة محمد بن سعيد رسلان -حفظه الله تعالى-.
الْحَمْدُ للهِ وَحْدَهُ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنْ لَا نَبِيَّ بَعْدَهُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، أَمَّا بَعْدُ:
«فَلَمَّا كَانَ الْعِلْمُ هُوَ عِبَادَةَ الْقَلْبِ وَسِرَّ حَيَاتِهِ، وَمَوْطِنَ قُوَّتِهِ كَانَ لِزَامًا عَلَى طَالِبِهِ أَنْ يُحَصِّلَ آدَابَهُ، وَأَنْ يَسْعَى جَاهِدًا مُشَمِّرًا فِي اكْتِسَابِهَا، وَإِلَّا سَارَ مُشَرِّقًا وَسَارَ الْعِلْمُ مُغَرِّبًا، وَكَانَ كَمَا قِيلَ:
سَارَتْ مُشَرِّقَةً وَسِرْتُ مُغَرِّبًا ** شَتَّانَ بَيْنَ مُشَرِّقٍ وَمُغَرِّبِ
عَلَى أَنُهَّ يَنْبَغِي التَّفَطُّنُ إِلَى أَنَّ هَذِهِ الْآدَابَ لَيْسَتْ كَأَيِّ آدَابٍ، بَلْ مِنْهَا مَا هُوَ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ فِي كُلِّ حِينٍ، سَوَاءٌ كَانَ طَالِبًا لِلْعِلْمِ أَمْ لَمْ يَكُنْ.
وَأَحْرَى بِمَنْ نَصَّبَ نَفْسَهُ لِلْعِلْمِ وَتَصَدَّى لَهُ مُتَعَلِّمًا أَوْ مُعَلِّمًا أَنْ يَظْهَرَ عَلَيْهِ أَثَرُ التَّوْحِيدِ وَالْعِبَادَةِ بِالتَّسْلِيمِ الْكَامِلِ لِلشَّرْعِ الْأَغَرِّ وَالْخُضُوعِ الْمُطْلَقِ لِلدِّينِ الْأَعَزِّ.
وَعَلَيْهِ، فَآدَابُ الطَّلَبِ لَا تَنْفَكُّ عَنْ أَصْحَابِ الْعِلْمِ أَبَدًا؛ لِأَنَّهَا مِمَّا دَلَّتْ عَلَيْهِ النُّصُوصُ الْعَامَّةُ وَأَرْشَدَتْ إِلَيْهِ، وَلِأَنَّ مِنْهَا مَا هُوَ مِنَ الْكُلِّيَّاتِ الْعَامَّةِ وَالْقَوَاعِدِ الشَّامِلَةِ فِي الدِّينِ لَا يَسَعُ أَحَدًا أَنْ يَخْرُجَ عَلَيْهَا، أَوْ أَنْ يَنْظُرَ إِلَيْهَا بِغَيْرِ عَيْنِ الِاعْتِبَارِ، وَهِيَ -أَيْ آدَابُ الطَّلَبِ- فِي كُلِّ الْأَحْوَالِ فِي حَقِّ طَالِبِ الْعِلْمِ آكَدُ، وَعَلَيْهِ أَوْجَبُ».
وَهُنَا سُؤَالٌ مُهِمٌّ: وَمَا قِيمَةُ أَنْ يَتَعَلَّمَ الْمُسْلِمُ آدَابَ طَلَبِ الْعِلْمِ فِي هَذَا الْوَاقِعِ الْأَلِيمِ؟!
وَهَذَا سُؤَالٌ وَجِيهٌ لَوْ لَمْ يَحْمِلْ فِي طَيَّاتِهِ بَرَاهِينَ الْفَقْدِ الْوَاضِحِ لِلتَّشْخِيصِ الصَّحِيحِ لِأَدْوَاءِ الْأُمَّةِ وَأَمْرَاضِهَا.
وَمَا تَخْرُجُ أَدْوَاءُ الْأُمَّةِ عَنْ ثَلَاثَةٍ: عَمَلٌ كَثِيرٌ مِنْ غَيْرِ عِلْمٍ، أَوْ عِلْمٌ كَثِيرٌ مِنْ غَيْرِ عَمَلٍ، أَوْ لَا عِلْمَ وَلَا عَمَلَ.
ثُمَّ إِنْ شِئْتَ فَاجْمَعْ هَذِهِ الْأَدْوَاءَ الثَّلَاثَةَ فِي دَاءٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ فَقْدُ ضَبْطِ النِّسْبَةِ بَيْنَ الْعِلْمِ وَالْعَمَلِ أَوْ بَيْنَ الْوَسِيلَةِ وَالْغَايَةِ إِنْ شِئْتَ الْوُصُولَ إِلَى عَيْنِ الْيَقِينِ.
يَا إِخْوَتَاهُ فِي كُلِّ ضَرْبٍ، إِنَّهُ لَنْ يَصْلُحَ آخِرُ هَذِهِ الْأُمَّةِ إِلَّا بِمَا صَلَحَ بِهِ أَوَّلُهَا، وَإِنَّمَا بَدَأَ هَذَا الْأَمْرُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {اقْرَأ}، وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يا أيها المدثر قم فأنذر} وَالْإِنْذَارُ لَا يَكُونُ بِالْجَهْلِ وَلَا بِالْبَاطِلِ، بَلْ بِالْعِلْمِ وَالْيَقِينِ.
وَأَعْرَفُ مَا يَقُولُ الْمُعْتَرِضُونَ، يَقُولُونَ: تَشْغَلُونَ الْأُمَّةَ بِالْفُرُوعِ !
وَنَقُولُ: لَا أَيُّهَا الْأَحِبَّةُ، بَلْ نُمَيِّزُ بَيْنَ الْعِلْمِ الْفَرْضِ الَّذِي هُوَ وَاجِبٌ عَلَى التَّعْيِينِ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ، وَمَا هُوَ عِلْمُ كِفَايَةٍ مَتَى قَامَ بِهِ رَجُلٌ فِي مَحَلَّةٍ سَقَطَ فَرْضُ طَلَبِهِ عَمَّنْ فِيهَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ.
إِنَّمَا نُرِيدُ أَنْ تَعْلَمَ الْأُمَّةُ عِلْمَ الْفَرْضِ الَّذِي يَلْزَمُ أَفْرَادَهَا أَجْمَعِينَ مِنْ مَعْرِفَةِ اللهِ وَالنَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَمَعْرِفَةِ مَا تَلْزَمُ مَعْرِفَتُهُ مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا وَالدِّينِ.
كُلُّ ذَلِكَ مِنْ أَجْلِ أَنْ تُبْعَثَ الْأُمَّةُ عَلَى مُقَوِّمَاتٍ لَا تَقُومُ الْأُمَمُ عَلَى الْإِجْمَالِ إِلَّا عَلَى أَمْثَالِهَا، وَمُقَوِّمَاتٍ تَلْزَمُ أُمَّةَ الْإِسْلَامِ عَلَى وَجْهِ الْخُصُوصِ، مِنْ تَوْحِيدٍ كَامِلٍ وَيَقِينٍ شَامِلٍ وَلُغَةٍ هِيَ عِنْدَ الْمُسْلِمِينَ مِنَ الدِّينِ، وَمَخْبَرٍ يَسُرُّ وَظَاهِرٍ مُنِيرٍ مِنْ غَيْرِ هُمُودٍ، {سيماهم في وجوههم من أثر السجود}.
إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأُمُورِ الْعَظِيمَةِ تَفْسُدُ مِنْ أَجْلِ الْيَسِيرِ مِنَ الْأُمُورِ، وَإِنَّ الْعِلْمَ الَّذِي هُوَ أَوَّلُ مَا يُعْقَدُ عَلَيْهِ الْخِنْصَرُ فِي الدِّينِ وَالْيَقِينِ لَيُفْسِدُهُ اضْطِرَابُ التَّلَقِّي؛ لِفَقْدِ الْآدَابِ مِنَ الشُّدَاةِ وَالْمُتَعَلِّمِينَ»([1]).
وَمِنْ أَهَمِّ الْآدَابِ الَّتِي يَدْرُسُهَا الطَّالِبُ فِي هَذَا الْمُقَرَّرِ مِنْ مُقَرَّرَاتِ جَامِعَةِ مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ:
«وَلَمَّا كَانَتْ مَدَاخِلُ الشَّيْطَانِ فِي الْعَمَلِ تَتَفَاوَتُ عَلَى مِقْدَارِ فَضْلِهِ وَقَدْرِ ثَمَرَتِهِ كَانَتْ مَدَاخِلُ الشَّيْطَانِ فِي الْعِلْمِ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ تُحْصَى وَأَبْعَدَ مِنْ أَنْ تُسْتَقْصَى؛ إِذِ الْعِلْمُ هُوَ أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ قَاطِبَةً.
قَالَ الْغَزَّالِيُّ -هُوَ أَبُو حَامِدٍ -رَحِمَهُ اللهُ-: «وَأَعْظَمُ الْأَشْيَاءِ رُتْبَةً فِي حَقِّ الْآدَمِيِّ السَّعَادَةُ الْأَبَدِيَّةُ، وَأَفْضَلُ الْأَشْيَاءِ مَا هُوَ وَسِيلَةٌ إِلَيْهَا، وَلَنْ يُتَوَصَّلَ إِلَيْهَا إِلَّا بِالْعِلْمِ وَالْعَمَلِ، وَلَا يُتَوَصَّلُ إِلَى الْعَمَلِ إِلَّا بِالْعِلْمِ بِكَيْفِيَّةِ الْعَمَلِ، فَأَصْلُ السَّعَادَةِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ هُوَ الْعِلْمُ، فَهُوَ إِذَنْ أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ».
وَإِذَنْ فَسَبِيلُ الْعِلْمِ مَحْفُوفَةٌ بِالْمَكَارِهِ وَالْمَشَاقِّ، وَمَدَاخِلُ الشَّيْطَانِ فِيهِ لَا يُحْصِيهَا إِلَّا اللهُ تَعَالَى، فَمِنْهَا مَا يُفْسِدُ الْعِلْمَ ذَاتَهُ عَلَى صَاحِبِهِ، وَمِنْهَا مَا يُفْسِدُ الْقَصْدَ وَالْإِرَادَةَ فِيهِ، وَمِنْهَا مَا يُفْسِدُ سَبِيلَ الطَّلَبِ، وَالنَّاجِي مَنْ عَصَمَهُ اللهُ تَعَالَى.
لِذَلِكَ يَنْبَغِي لِطَالِبِ الْعِلْمِ أَنْ يَلْتَفِتَ إِلَى دَرْسِ الْآفَاتِ الَّتِي تَعْرِضُ لِلْعِلْمِ فَتُفْسِدُهُ، أَوْ تُفْسِدُ سَبِيلَ الطَّلَبِ عَلَى طَالِبِهِ، أَوْ تُفْسِدُ الْقَصْدَ وَالْإِرَادَةَ وَالنِّيَّةَ فِيهِ حَتَّى لَا يُلِمَّ شَيْءٌ مِنْهَا بِهِ.
وَالْحَقُّ أَنَّ كَثِيرًا مِنْ هَذِهِ الْآفَاتِ قَدْ نَفَّرَ مِنْهَا الشَّرْعُ مِنْهُ وَرَغَّبَ الدِّينُ عَنْهُ عَلَى إِطْلَاقٍ، وَإِنَّمَا ازْدَادَ تَنْفِيرُ الشَّرْعِ مِنْهُ وَعَظُمَ تَرْغِيبُ الدِّينِ عَنْهُ حَالَ تَعَلُّقِ شَيْءٍ مِنْهُ بِالْعِلْمِ؛ لِأَنَّ الْعِلْمَ هُوَ مَا هُوَ فِي دِينِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَهُوَ الْعِصْمَةُ مِنْ هَذِهِ الْأَدْواَءِ، فَكَيْفَ إِذَا أَصْبَحَ عَيْنَ الدَّاءِ؟ وَهُوَ حَاجِزٌ عَنِ الْوُقُوعِ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْأَهْوَاءِ، فَكَيْفَ إِذَا اتُّخِذَ مَطِيَّةً لِلْبَلَاءِ؟!([2]).
وَطَالِبُ الْعِلْمِ يَدْرُسُ فِي هَذَا الْمُقَرَّرِ مِنْ مُقَرَّرَاتِ جَامِعَةِ مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ آفَاتِ الْعِلْمِ التَّالِيَةِ:
وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الْآفَاتِ الَّتِي تُؤَثِّرُ عَلَى الْعِلْمِ وَطَالِبِه، وَآثَارِ الْعْلِمِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.
[1] مقدمة كتاب آداب طالب العلم لفضيلة الشيخ العلامة محمد بن سعيد رسلان -حفظه الله تعالى-.
[2] مقدمة كتاب آفات العلم لفضيلة الشيخ العلامة محمد بن سعيد رسلان -حفظه الله تعالى-.